وصلت أزمة الطاقة بين روسيا وأوروبا إلى ذروتها، وأغلق الكرملين، الأسبوع الماضي، إلى أجل غير مسمى، خط أنابيب الغاز الرئيسي غرباً، «نورد ستريم 1»، ما أدى إلى خفض إجمالي تدفقات الغاز الروسي إلى جزء ضئيل من مستويات ما قبل الحرب، وبالتالي ارتفعت الأسعار.
وتشير حسابات فلاديمير بوتين إلى أن الدول الأوروبية ستثبت أنها أقل قدرة على تحمل فواتير الطاقة الشتوية المرتفعة والنقص المحتمل، مقارنة بقدرة روسيا على تحمل العقوبات الغربية، وأن وحدة أوروبا وعزمها سيتحطمان قبل أن يجلب الربيع هجمات عسكرية متجددة في أوكرانيا، لكن مع بدء قوات كييف في تحقيق تقدم، فإنَّ معركة الطاقة القادمة هي معركة لا يمكن لأوروبا الديمقراطية أن تخسرها.
وفي الوقت الذي يخوض فيه الاتحاد الأوروبي استجابته المشتركة، هناك ما يدعو إلى التفاؤل الحذر، تقول أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إنَّ الغاز الروسي انخفض من 40 % من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز قبل الحرب إلى 9 % اليوم، وأصبح هناك موردون جدد للغاز الطبيعي المسال، وتم تبديل مصادر الوقود وإدخال تدابير الكفاءة، ومخزونات الغاز في الاتحاد الأوروبي ممتلئة بنسبة 84 %، أعلى من الهدف البالغ 80 % الذي حدده لنهاية أكتوبر.
والأسعار، رغم تقلبها، انخفضت إلى ما دون مستوى قبل الإعلان عن إغلاق «نورد ستريم 1»، ويجرؤ بعض المحللين على القول بأن بوتين، بعد أن أطلق بالفعل سلاح الغاز الرئيسي لديه، أصبحت ذخيرته محدودة.
ومع ذلك، لا يمكن أن يكون هناك شعور زائف بالأمان؛ لأن إغلاق «نورد ستريم 1» الروسي يجعل الركود الشتوي الذي يلوح في الأفق فوق منطقة / اليورو حقيقة متنامية باستمرار، وازدادت المخاطر العالية بالفعل المتمثلة في التقنين وانقطاع التيار الكهربائي، ويمكن أن تؤدى موجة البرد القاسية إلى استنزاف مخازن الغاز بسرعة، ولن تتأثر جميع البلدان بالتساوي: فالدول الأكثر اعتماداً تقليدياً على الغاز الروسي، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا ودول وسط أوروبا، تواجه تباطؤاً اقتصادياً أعمق، ما قد يفرض ضغوطاً من أجل التضامن.
ولا تزل الأسعار المرتفعة للغاية تسحق المنازل والإنتاج الصناعي، وسيؤدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى تفاقم الضغط، ومن دون اتخاذ إجراءات صارمة، حذر المسئولون الألمان في وقت سابق من العام الجاري من احتمال حدوث «شتاء بارد مثلج»، وترك الآلاف عاطلين عن العمل في الصناعات التي أغلقت أبوابها، ولم يعد فتحها أبداً، ورغم إحراز تقدم منذ ذلك الحين، لكن الاضطرابات الاجتماعية الناجمة عن ضغط تكاليف المعيشة – كما يتضح من الاحتجاجات الأخيرة في جمهورية التشيك – لا تزال تشكل خطراً، وستتعرض دول الاتحاد الأوروبي لضغوط من أجل إنفاق المزيد لمنع مثل هذا التفكك وتجنب رد فعل عنيف ضد الحرمان الذي يُطالب به باسم التضامن مع أوكرانيا.
وهذا يجعل نهج الاتحاد الأوروبي المنسق أكثر أهمية، وحتى الآن، استجابت البلدان لوصفات سياسية متباينة، بما في ذلك تحديد سقف الأسعار ومدفوعات لمرة واحدة ودعم النقل، وقد تم بالفعل إنفاق والتعهدات بما يصل إلى 350 مليار يورو، ما يضغط على المالية العامة، والاتفاق على خطة مشتركة لن يكون سهلاً.
ولا تزل الانقسامات قائمة؛ بسبب خطط وضع سقف لسعر الغاز وآلية جنى الأرباح غير المتوقعة، لكن روح التعاون، داخل الاتحاد الأوروبي ومع شركاء دوليين آخرين، هي السبيل الوحيد للمضي قدماً.
ولا يزال الطلب المرتفع على الغاز قائماً، وكلما زاد توافر الإمدادات البديلة، كان التضخم المرتفع أكثر استمراراً وكانت التكاليف الاقتصادية للكتلة بأكملها أعمق، وتعد عملية إدارة العرض والطلب المشتركة شديدة الأهمية الآن، ومقترحات الجهود المشتركة لخفض استخدام الطاقة وتسهيل السيولة لشركات الطاقة جديرة بالثناء.
ويجب دمج هذه الجهود مع الجهود المبذولة لتعزيز البنية التحتية للطاقة للمساعدة في تحقيق التوازن بين العرض والطلب، والتنسيق لمنع اكتناز الإمدادات، وحافظت أوروبا على موقفها جيداً حتى الآن، لكن الحرب الاقتصادية مع بوتين ستنتصر في النهاية أو ستخسر؛ بسبب قدرة الكتلة على التآزر معاً.