تصدرت قرارات البنوك المركزية في أوروبا المشهد الاقتصادي خلال هذا الأسبوع و ذلك في ظل خضم التحركات العالمية التي تقوم بها البنوك المركزية من أجل كبح جماح التضخم الذي بات يمثل أهم أولويات صانعي السياسة النقدية.
البنك المركزي الأوروبي أبقى على سعر الفائدة كما هو دون تغير ليظل عند مستوى 1.25% و ذلك بعد أن تم رفع سعر الفائدة في الشهر السابق لأول مرة منذ الثلاث السنوات بنحو 25 نقطة أساس، و يأتي ذلك بعد أن ارتفع معدل التضخم ليصبح أعلى من المستوى الآمن لاستقرار الأسعار لنسبة 2%.
و على الرغم من أن معدل التضخم سجل 2.8% في نيسان/أبريل السابق إلا أن البنك لايزال يؤثر التريث قليلا قبل أن يقوم بأية تحركات نحو تقليص السياسة النقدية و رفع سعر الفائدة من جديد، و ذلك حسب ما استنبط من تصريحات السيد تريشيه –رئيس البنك المركزي الأوروبي- في المؤتمر الصحفي الذي عقد عقب قرار سعر الفائدة.
و على حسب تصريحات السيد تريشيه فقد أشار إلى أن معدل التضخم يتوقع أن يظل أعلى من المستوى الآمن لاستقرار الأسعار لنسبة 2% خلال الشهور المقبلة، و يرجع ذلك إلى صعود أسعار السلع لاسيما أسعار الطاقة. بينما نوه إلى هنالك ارتفاع لمخاطر التصاعدية للتضخم على المدى المتوسط.
بينما أشار إلى البنك بصدد أن يقوم برفع سعر الفائدة عندما يرى البنك ضرورة لذلك و لتحقيق الوصول إلى المستوى الآمن لاستقرار الأسعار. و من ثم فإن البنك بصدد تقليص السياسة النقدية بداية من النصف الثاني من العام الحالي.
ومن ناحية النمو فقد نوه تريشيه إلى أن البيانات الاقتصادية الأخيرة تظهر تصاعد لوتيرة نمو اقتصاديات المنطقة، إلا أن هنالك بعض من المخاطر التي قد تضر بوتيرة التعافي و التي قد تأتي من بعض القطاعات في الأسواق المالية، هذا بجانب وجود مخاطر متعلقة بالكارثة النووية و الطبيعية التي لحقت باليابان.
بالإضافة إلى وجود بعض الدول الأعضاء قد لا تتمكن من عمل تسوية للوضع المالي لديها ومن ثم قد لا تستطيع الوصول إلى الأهداف الآمنة.
أما عن آخر المستجدات بشأن البرتغال حيث أعلنت الحكومة البرتغالية في منتصف الأسبوع السابق عن الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي و الاتحاد الأوروبي بشأن المساعدات، حيث بلغت القيمة 76 مليار يورو على شكل قرض لأجل ثلاث سنوات و لن تعلن الحكومة عن أية تفاصيل متعلقة بتكاليف خدمة الدين، في نفس الوقت فإن الاتفاق الجديد يتسم بمرونة أكبر عن الذي شهدته اليابان و أيرلندا.
ومن ثم يتوجب على الحكومة أن تخفض عجز الموازنة ليصل إلى 5.9% خلال العام الحالي و بنسبة 4.5% في عام 2012 و ينخفض إلى 3% في عام 2013، و ذلك مقارنة بما كانت تستهدفه الحكومة في مارس السابق لنسب 4.6% للعام الحالي و بنسبة 3% في 2012 و 2% في عام 2013.
رحب السيد تريشيه بالاتفاق الذي توصلت إليه البرتغال التي تعد ثالث دولة تحصل على مساعدة من الاتحاد الأوروبي و صندوق النقد الدولي بقيمة 76 مليار يورو.
و أشار إلى هذه المساعدة أخذت في الاعتبار بعض العناصر الهامة و التي من شأنها أن تساعد البلاد على تحقيق الاستقرار للاقتصاد البرتغالي بجانب دعم مستويات الثقة في الأسواق.
وفي بريطانيا أبقى البنك المركزي البريطاني اليوم على السياسة النقدية دون تغير حيث أبقى على سعر الفائدة لتظل عند أدنى مستوياتها منذ تأسيس البنك بنسبة 0.50% وكذا الإبقاء على برنامج شراء الأصول بقيمة 200 بليون جنيه إسترليني.
لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي البريطاني لايزال أغلب أعضائها يعمل بمبدأ الحيطة و الحذر و ذلك في خضم ما يشهده الاقتصاد البريطاني من هشاشة في النمو وضعف لوتيرة التعافي وذلك كما تظهره البيانات التي صدرت مؤخرا، و هو الأمر الذي يزيد من الضغوط على البنك البريطاني.
هذه الضغوط تتمثل بشكل أساسي في أن البنك بات يتحمل عبء دفع عجلة النمو في البلاد بعد أن اتجهت الحكومة إلى تطبيق أكبر خطة لخفض الإنفاق العام منذ الحرب العالمية الثانية بعد أن كانت تمثل الطرف الآخر في دعم النمو بعد الأزمة المالية العالمية.
هذا و إن كانت البلاد تشهد ارتفاع للمخاطر التصاعدية للتضخم حيث لايزال معدل التضخم متضاعفا عن المستوى الآمن لاستقرار الأسعار لنسبة 2% منذ ديسمبر/كانون الثاني من عام 2010 إلى أن تضاعف حتى سجل 4.00% في مارس/آذار.
على الرغم من ذلك إلا أن البنك لم يتجه إلى تقليص السياسة النقدية و إن كان هنالك اتجاهات بين أعضاء لجنة السياسة النقدية نحو رفع سعر الفائدة من أجل كبح جماح التضخم. إذ أن البيانات التي صدرت مؤخرا تظهر استمرار ضعف وتيرة النمو حيث سجل في الربع الرابع انكماش بنسبة 0.5%. و من ثم حقق نمو بنسبة 0.5% في الربع الأول ليمحو بذلك هذا الانكماش لكن لا يزال الاقتصاد يحتاج إلى المزيد من الدعم.