قرار البنك المركزي الأوروبي بشأن الإستمرار في تقديم خط المساعدات إلى البنوك كان بمثابة الأمر الذي هدأ قليلا من حدة المخاوف التي سيطرت على الاسواق خلال هذا الأسبوع بعد إعتماد حزمة مساعدات مقدمة إلى أيرلندا بقيمة 85 بليون يورو تحت مظلة صندوق الإستقرار الاوروبي الذي تبلغ قيمته 750 بليون يورو. وبذلك تصبح ايرلندا الدولة الثانية التي تلجأ إلى طلب المساعدة بعد اليونان للمساهمة في حل تضخم الدين العام و الحيلولة دون السقوط في الإفلاس.
فيما شهد هذا الأسبوع توترا شديدا بعض أن استقبلت الاسواق هذه الخطوة بشكل سلبي إذ فتحت التكهنات حول إقدام المزيد من الدول إلى طلب المساعدة وهو الأمر الوارد حدوثه قريبا خاصة أن البرتغال اكثر المرشحين للمضي في ذلك الإتجاه و يأتي بعدها اسبانيا و ايطاليا.
انعكاس تقديم المساعدة إلى أيرلندا دفع باليورو باستكمال إنحداره أمام الدولار الأمريكي لأكثر من 1300 نقطة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني وحده فقط، هذا بجانب التوتر الذي ساد سوق السندات خاصة ارتفاع العائد على معظم السندات السيادية الأوروبية للدول المثقلة بالديون مثل أيرلندا وايطاليا والبرتغال وكذا أسبانيا كما سجلت تكلفة التأمين ضد الإفلاس مستويات قياسية.
لكن جاء قرار البنك المركزي قبيل نهاية الأسبوع ليلطف من حالة التوتر ، حيث أعلن السيد تريشيه رئيس البنك في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد الإعلان عن قرار سعر الفائدة الذي بقي عند 1% عن تأجيل عمليات سحب خطط التحفيز من الأسواق وذلك بهدف إحتواء الإضطراب الذي تشهده الأسواق. وعلى ذلك سوف يتم الابقاء على عمليات الإقراض الغير محدودة لأجل أسبوع و شهر وثلاثة أشهر حتى الربع الأول من العام الحالي وبنفس سعر الفائدة المعلن من قبل البنك عند مستوى 1%.إلا أنه سيتم مواصلة عمليات السحب الخطط من الأسواق فيما بعد حسب رؤية البنك.
وشدد رئيس البنك على أنه ينبغى على الحكومات أن تقوم بدعم الثقة بشأن التمويل العام، وهنا يكرر مرة أخرى نداؤه إلى الحكومات التي وصف الإجراءات التي قامت بها بأنها لم تكن بالسرعة الكافية لتقليص العجز.
حيث أنه ليس بمجرد الإعلان عن تقدم حزمة مساعدات يعني ذلك إنتهاء للأزمة، لكن في واقع الأمر أن تلك الأزمة ذات تشابك كبير بين العديد من الدول في منطقة اليورو، حيث تمثل شبكة من الديون البينية بين الدول و بعضها و للأسف هذه الدول هي صاحبة أكبر عجز للموازنة و مثقلة بالديون بداية باليونان و أيرلندا و انتقالا إلى البرتغال التي باتت على المحك و يتبعها أسبانيا، و لاتزال الدول المقرضة مثل ألمانيا و فرنسا تحاول الحفاظ و محاولة دعم النظام المالي للمنطقة.
وبالفعل ألمانيا لا تزال تمثل قاطرة النمو للمنطقة التي حققت نمو بنسبة 0.4% في الربع الثالث من 1% للربع الثاني وحتى لو ذلك يمثل تراجع لوتيرة النمو لكن على الأقل يمثل مواصلة التعافي و الذي يتوقع البنك المركزي أن يسير وفق اتجاه إيجابي و إن كانت هذه التوقعات تنتباها حالة من عدم التأكد.
ويرجع الفضل في تحقيق هذا النمو إلى ألمانيا و التي سجل الناتج المحلي بها نمو بنسبة 0.7% في الربع الثالث من 2.3% في الربع الثاني الذي كان أفضل منذ نحو العقدين من الزمان. وهذا انعكس على سوق العمل في البلاد حيث واصل معدل البطالة انخفاضه في ألمانيا للشهر السابع عشر على التوالي، إذ تقلص عدد العاطلين عن العمل في نوفمبر/تشرين الثاني بنحو 9 الآف شخص ليصل إجمالي عدد العاطلين عن العمل إلى 3.14 مليون شخص و هو أدنى مستوى منذ ديسمبر/تشرين الثاني من عام 1992. بينما بقي معدل البطالة ثابتا و متوافقا مع التوقعات عند نسبة 7.5%.
على الجانب الآخر فإن معدل البطالة في منطقة اليورو التي تضم 16 عشر اقتصاد جاء دون تغير ومتوافقا مع التوقعات بنسبة 10.1% و إن كان لايزال عند أعلى مستوياته منذ 12 عاما.
فيما صدر البيانات الخاصة بأداء القطاعات الرئيسية بمنطقة اليورو، إذا تحسن أداء القطاع الصناعي في نوفمبر/تشرين الثاني قيمة 55.3 مسجلا بذلك أفضل أداء في اربعة اشهر ومرتفعا عن القراءة السابق لقيمة 54.6 في الشهر السابق له، فيما كانت التوقعات تشير إلى 55.3. جدير بالذكر أن القراءة فوق مستوى 50 تعني نمو القطاع.
ويرجع هذا التحسن بقيادة القطاع الصناعي الألماني و الذي حقق نمو بقيمة 58.1 في نفس الفترة من 56.6 للشهر السابق له، وتبعه القطاع الصناعي في فرنسا ثاني أكبر اقتصادات المنطقة محققا نمو بقيمة 57.9 من 55.2 للقراءة السابقة، بينما تراجعت وتيرة نمو القطاع في ايطاليا قليلا لتصل إلى 52 من 53 .
وكذا أظهرت البيانات مواصلة نمو القطاع الخدمي في منطقة اليورو كان ايضا مدعوما بنمو ذلك القطاع في ألمانيا وهو الأمر الذي لايزال يعطي بعض الإشارات الإيجابية في وقت اصبحت أزمة الديون الهم الأكبر أمام تعافي اقتصاديات المنطقة.
لكن لاتزال المعنويات مرتفعة بعض الشيء في المنطقة ووفقا لمؤشر الثقة بالاقتصاد حيث ارتفع في نوفمبر/تشرين الثاني ليصل إلى 105.3 من 104.1 للقراءة السابقة وجاء أيضا بأعلى من التوقعات التي كانت تشير إلى 105.0 ليرتفع بذلك مسجلا أفضل أداء منذ ثلاث سنوات كما تقلص انكماش القراءة النهائية لثقة المستهلكين لتسجل -9.4 من -10 للقراءة السابقة.
هذا التحسن الذي تشهده ألمانيا دفع بالنبك المركزي الألماني برفع توقعاته لنمو الاقتصاد إلى 3.6% خلال عام 2010 و 2% في العام المقبل و بنسبة 1.5% في عام 2012. بينما توقعت المفوضية الأوروبية أن تواصل ألمانيا قيادة نمو المنطقة ويحقق نمو بنسبة 2.2% في عام 2011 و في فرنسا تتوقع بأن ينمو بنسبة 1.6% ويتبعه الاقتصاد الايطالي بتحقيق نمو بنسبة 1.1%.
وقامت المفوضية بخفض توقعاتها بشأن النمو في منطقة اليورو خلال العام القادم ليصبح بنسبة 1.5% بعد أن تحقق المنطقة نمو بنسبة 1.7%. ويرجع ذلك إلى تطبيق الحكومة لسياسات خفض الإنفاق العام هذا بجانب ضعف وتيرة النمو العالمي الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على مستويات الطلب و بالتالي ضعف الصادرات. فيما سوف تواصل اليونان و البرتغال وحدهما دون عن باقي اقتصاديات المنطقة انكماشهما في العام القادم.
انتقالا إلى بريطانيا حيث تباينت البيانات بها إذ ارتفع وتيرة نمو القطاع الصناعي في نوفمبر/تشرين الأول لتصل إلى 58 من 55.4 للقراءة السابقة و ايضا ارتفعت وتيرة نمو قطاع البناء قليلا لتسجل في نفس الفترة قيمة 51.8 من 51.6 وفقا لمؤشر مدراء المشتريات، بينما تراجعت نمو القطاع الخدمي لتسجل قيمة 53.00 من 53.2 .