من ماهر شميطلي
بغداد (رويترز) - إذا فاز هادي العامري في الانتخابات العراقية يوم السبت المقبل سيكون ذلك تتويجا لإنجازات سياسي معارض تحول إلى زعيم لفصيل شيعي بعدما أمضى أكثر من 20 عاما في مناهضة حكم صدام حسين من منفاه في إيران.
ويأمل العامري، قائد منظمة بدر التي كانت القوام الرئيسي للقوات المتطوعة التي قاتلت تنظيم الدولة الإسلامية، في الاستفادة من نجاحاته على ساحة القتال في السباق على رئاسة الوزراء والذي من المتوقع أن يتنافس عليه بضراوة ثلاثة مرشحين.
وسيمثل فوز العامري (63 عاما) انتصارا لإيران التي أقام علاقات وثيقة معها لكن يتعين عليه كذلك الموازنة بين مصالح إيران في العراق وأهداف واشنطن التي عادة ما تتعارض معها.
وسيواجه الفائز في الانتخابات مهمة صعبة تتمثل في إعادة إعمار (DU:EMAR) العراق بعد حرب مدمرة استمرت ثلاث سنوات ضد التنظيم السني المتشدد بالإضافة إلى مكافحة الفساد الذي يستنزف الكثير من إيرادات النفط في الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
وتعهد العامري، مثل منافسيه الرئيسيين الآخرين رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بإصلاح مؤسسات الدولة وتوفير خدمات الصحة والتعليم المطلوبة بشدة.
ولم تكن تجربة العامري نفسه في الحكومة، عندما تولى منصب وزير النقل لمدة أربع سنوات، مميزة.
لكنه يتطلع للاستفادة من دوره البارز في قوات الحشد الشعبي، التي يهيمن عليها الشيعة والمدعومة من إيران، التي احتشدت لمواجهة دولة الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية من طرف واحد في العراق قبل أربع سنوات.
وقال باحث شيعي مختص بالحركات الشيعية المعارضة السابقة "صعد نجمه في 2014. العامري، الوزير الذي لم يكن أداؤه مقنعا، اختفي وظهر بدلا منه قائد الفصيل عندما كان شيعة العراق في أمس الحاجة إليه".
* أصدقاء قدامى
كانت علاقات العامري مع إيران التي وطدها على مدى سنوات إقامته في المنفى، خاصة علاقاته بالحرس الثوري الإيراني، محورية في صعوده الذي بدأ صعبا قبل أن يتوج بالمساعدة في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
وقام الحرس الثوري بتدريب وتسليح قوات الحشد الشعبي التي تشكلت استجابة لفتوى من المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني.
وكان العامري، قائد منظمة بدر والذي يتحدث الفارسية، كثيرا ما يشاهد وهو يبحث الهجمات في العراق مع قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني.
وتشير الصور التي التقطت له على جبهة القتال مع سليماني بالزي العسكري وهما يتعانقان وتشير الفرحة على ملامحهما بعد طرد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية إلى صداقة قديمة.
كما أن صور الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي من السمات المميزة لمكاتب منظمة بدر مما يذكر بالوقت الذي كان فيه الفصيل هو الجناح المسلح للمعارضة الشيعية العراقية في إيران.
وولد العامري في محافظة ديالى التي يقطنها سنة وشيعة معا والواقعة شرقي بغداد وفر إلى إيران عندما كان في العشرينات من عمره بعد أن درس الاقتصاد في بغداد. وصدر ضده حكم بالإعدام في عهد صدام فأصبحت إيران وطنه الثاني لأكثر من 20 عاما.
ولكنه عاد من منفاه، مثل المالكي والعبادي، بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 والذي أطاح بحكم صدام.
وزرع العامري أعضاء من منظمة بدر في مناصب أمنية رئيسية خلت بطرد أعضاء حزب البعث الذي كان صدام يتزعمه لكنه أظهر قدراته العملية بتجنب الدخول في اشتباكات مع القوات الأمريكية أثناء احتلالها الذي دام ثماني سنوات للبلاد.
ويتهم المعارضون منظمة بدر بتنفيذ اغتيالات وانتهاكات واسعة النطاق ضد مواطنين سنة احتجزوا في سجون سرية كانت تديرها المنظمة بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.
ونفى كريم نوري، المستشار الإعلامي للعامري والمرشح على قائمته، هذه الاتهامات قائلا إن الهدف منها تشويه سمعة منظمة بدر.
* التوازنات
أبقى العامري، رغم صلاته بإيران، على قنوات اتصال مفتوحة مع دبلوماسيين أمريكيين في بغداد مما قد يمثل عاملا مساعدا له في حال فوزه نظرا لاستمرار أهمية الوجود الاقتصادي والعسكري الأمريكي في العراق.
وأعادت الولايات المتحدة تدريب القوات العراقية الحكومية بقيادة العبادي وقدمت لها الدعم. وقدمت مساعدات بمليارات الدولارات للحكومة التي تعاني من نقص السيولة وشجعت مستثمرين من الخليج ومستثمرين أجانب آخرين على المساعدة في إعادة إعمار العراق.
وعملت قوات تحالف تقوده الولايات المتحدة كذلك في المناطق نفسها التي كان يتواجد فيها عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة أثناء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية والتي توجت العام الماضي باستعادة الموصل. ورغم أسلوب الخطابة المناهض للأمريكيين الذي يستخدمه العديد من قادة الفصائل الشيعية باستثناء العامري لم تقع أحداث تذكر.
وقال دبلوماسي غربي "الأمريكيون قادرون على العمل مع العامري وليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأنه سيقود العراق باتجاه إيران ما لم يجبر على الاختيار بين الاثنين".
لكن رئيس الوزراء العراقي الجديد سيواجه خيارا صعبا إذا ما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعادة فرض العقوبات على إيران بعد أن تم رفعها بموجب اتفاق أبرم عام 2015 للحد من برنامج إيران النووي.
ويقول العامري إن العراق في عهده سيسعى لتوطيد العلاقات مع جميع جيرانه ولن يكون تابعا لإيران.
وقال "قلوبنا مفتوحة وأيدينا ممدودة نريد أن يكون العراق سيد المنطقة.. القطب الذي يتمحور حوله الآخرون.. لا يليق بالعراق أن يكون ذيلا لهذه الدولة أو تلك ".
* "إنه زمن العراق"
ينتاب معارضو العامري الشكوك قائلين إن ولائه التاريخي لطهران يعني أن أفعاله ستمليها المصالح الإيرانية.
ويشككون في الصورة التي يرسمها لنفسه باعتباره قائدا عسكريا لا صلة له بسوء الإدارة السياسية والفساد والمحسوبية المنتشرة في البلاد.
ويشير المنتقدون لأدائه عندما كان وزيرا للنقل في الفترة من 2010 إلى 2014 بما في ذلك إلى واقعة في عام 2014 عندما أجبر طائرة ركاب متوجهة إلى العراق على العودة وهي في الجو ليستقلها ابنه الذي فاتته الطائرة في بيروت.
ولم تتحسن الطرق أو السكك الحديدية أو المطارات أثناء توليه الوزارة رغم أن الحكومة حققت إيرادات إضافية بلغت عشرات المليارات من مبيعات النفط عندما ارتفع سعر البرميل فوق مستوى مئة دولار.
وسعت حملة العامري لتكريس صورته باعتباره متجاوزا للانقسامات الطائفية وأوجه القصور السياسية مؤكدة على دوره في قوات الحشد الشعبي التي انضم إليها بعض المقاتلين السنة كذلك.
وقال يزن الجبوري وهو سني يسعى لمقعد في البرلمان في محافظة صلاح الدين شمالي بغداد "أنا من قادة الحشد الشعبي لذلك من الطبيعي أن أترشح على قائمة العامري".
ورمز قائمة الفتح التي تضم مرشحي العامري هو رأس أسد ذهبي اللون على خلفية خضراء تعبيرا عن القوة والأمن وأيضا الفكر الإسلامي.
وشعاره بسيط "إنه زمن العراق".
(إعداد لبنى صبري للنشرة العربية - تحرير حسن عمار)