رغم أن الاهتمام المؤسساتيّ بعملة بيتكوين والأصول الرقمية الأخرى كان واضحاً في السنوات السابقة، يعتقد خبراء القطاع أن المستثمرين يبدون اهتماماً جديداً ببيتكوين (Bitcoin-BTC) إثر الموافقة على 11 صندوق تداولٍ فوريّ لبيتكوين في البورصة (spot BTC ETFs) في الولايات المتحدة.
وقد صرّح ديفيد لاوانت (David Lawant)، رئيس قسم الأبحاث في FalconX -شركة وساطة عملاتٍ رقميةٍ- لموقع Cryptonews أنه بناءً على البيانات الأخيرة، أصبحت زيادة الاهتمام المؤسساتي واضحةً بالفعل.
وفي هذا السياق، قال لاوانت: “منذ أن قدّمت شركة بلاك روك (BlackRock) طلباً لصندوق تداولٍ فوريّ لبيتكوين في البورصة منتصفَ العام الماضي، بدت الموافقة احتمالاً ممكناً. وبدأ الحديث يدور حول الاهتمام المؤسسيّ بالتغيّر. ومع الأداء الرائع لصناديق التداول الفوريّ لبيتكوين في البورصة، تسارع هذا التحوّل بشكل أكبر”.
ووفقاً للاوانت، تُعتبر مقارنة الفائدة المفتوحة مع أسسها وفقاً لبورصة شيكاغو التجارية (CME) -أي الفرق بين أسعار العقود الآجلة وأسعار التداول الفوريّ- من أفضل طرق قياس مستوى الاعتماد من قبل المستثمرين المؤسساتين في الولايات المتحدة.
وقال: “على سبيل المثال، يُظهر المخطط البيانيّ الأوّلُ أدناه، الفائدة المفتوحة للعقود الآجلةِ حسبَ منصّات التداول. أما المخطط البيانيّ الثاني، فهو يوضّح أساسَ أسعار كلٍّ من بيتكوين وإيثيريوم (Ethereum-ETH) بحسب CME.
وأشار لاوانت إلى أن المخططين يكشفان عن اهتمام مؤسساتي غير مسبوق. حيث قال: “تفوّقت CME على بورصاتٍ أخرى لتحتلَّ المركز الأول في الفائدة المفتوحة لعقود بيتكوين الآجلة في نهاية العام الماضي، وقد استمرّت بزيادة حصتها منذ ذلك الحين. كما يظل أساس CME مرتفعاً، خاصةً بالنسبة لعقود بيتكوين الآجلة”.
ومن جانبه، أخبر ماثيو نيميرغ (Mathew Niemerg) -أحد مؤسسي منصة الطبقة الأولى Aleph Zero- موقع Cryptonews أن إصدار شركة Microstrategy لسنداتٍ قابلةٍ للتحويل بقيمة تزيد عن 800 مليون دولار بفائدة منخفضة، يعتبر مثالاً آخر على استمرار اعتماد المؤسسات للأصول الرقمية.
الاهتمام المؤسساتي يدفع سعر بيتكوين للارتفاع
قد يكون الاهتمام المؤسساتي بعملة بيتكوين هو سبب ارتفاعها إلى مستوياتٍ قياسية.
وقال نيميرغ: “بالطبع يشارك هذا في ارتفاع سعر بيتكوين، الذي يتضح من حجم الاستثمارات الجديدة. أتوقع استمرار هذا الاتجاه ليعكس المسار الذي شهدته العملات بدءاً من بيتكوين، ثم إيثيريوم، ومن ثم جميع الأصول الأخرى”.
#Bitcoin's price briefly rose above its previous all-time high, driven by inflows into US-listed spot #Bitcoin ETFs. Past performance is not indicative of future resultsRead our full analysis: https://t.co/LWJ8wO59mZ pic.twitter.com/3QoENLNGSj
— Grayscale (@Grayscale) March 14, 2024
على صعيد متصلٍ، صرّح مات بالينسويج (Matt Ballensweig) رئيس Go Network-حلّ تسوية الأصول الرقمية من BitGo- لموقع Cryptonews أن ارتفاع سعر بيتكوين قد يكون مرتبطاً أيضاً بدعم لاري فينك (Larry Fink)، الرئيس التنفيذي لبلاك روك لها.
وقال: “كان فينك داعماً صريحاً لبيتكوين وضرورة احتواء الملفات الاستثمارية المؤسساتية عليها مؤخراً. وبالمثل، أوصت شركة Fidelity بمجموعةٍ متنوّعةٍ من المحافظ بمستويات مخاطر مختلفةٍ، تتضمّن كلّ منها نسبةً مئويةً من الأصول الرقمية. ولا يمكن التغاضي عن أهمية هذا التأييد فيما يتعلق بتأثيرها على توزيع الأصول من قبل صناديق التحوط والرواتب التقاعدية وصناديق التمويل ومستشاري الاستثمار المُعتَمَدين”.
احتمال تباطؤ النموّ المؤسساتي
تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من زيادة الاهتمام المؤسساتي، يحذّر الخبراء من تباطؤ التبني المؤسساتي إثر التحديات المستمرة في قطاع العملات الرقمية.
على سبيل المثال، أشار نيميرغ إلى أن أكبر عقبة تواجه المؤسسات حالياً في شراء الأصول الرقمية تتعلق بالأمان والامتثال للقوانين، حيث قال: “تطلب المؤسسات ضمانات قوية والتأكد من حماية الأصول من السرقة عبر ثغرات في العقود الذكية”.
وأضاف أن افتقار منصات العقود الذكية للأمان، قد كلف قطاع التمويل اللامركزيّ (DeFi) مليارات الدولارات سنوياً بالفعل.
وقد تعرّض بروتوكول التمويل اللامركزي Unizen لاختراق أمني مؤخراً أسفر عن خسارة حوالي 2.1 مليون دولار من أموال المستخدمين. وكما ذكرنا في خبرٍ على Cryptonews من قبل، استغل المُخترق ثغرة استدعاء خارجي في العقد القائم على بلوكتشين إيثيريوم، وقام بتحويل الأموال المسروقة من عملات تيثر (USDT) إلى عملات DAI.
ومن جانبه يعتقد نيميرغ أن تطبيق تدابير ضمان أمانٍ والحصول على تأمينٍ وإتاحة مزايا الخصوصية الاختيارية على مستوى البروتوكول، يمكن أن تخفف من تلك المخاطر دون المساس بطبيعة قطاع التمويل اللامركزي المفتوحة والمتاحة للجميع. كما قد تضمن هذه الإجراءات استمرار الاهتمام المؤسساتي.
بالإضافة إلى ذلك، أشار نيميرغ أيضاً إلى أهمية الامتثال إلى القوانين التنظيمية، حيث قال: “تحتاج المؤسسات إلى ضمان بأنها لن تتعامل بشكلٍ غير مقصود مع عناوين محظورةٍ وأنها لن تخالف القوانين التنظيمية”.
وذكر أنه من الضروري تنفيذ إجراءات التحقق من هوية العملاء (KYC) ومكافحة غسيل الأموال (AML) على مستوى البروتوكول، حيث أن هذا “سيتيح التداول مع أطرافٍ موثوقةٍ وفقاً للقوانين التنظيمية”.
على صعيد متصلٍ، تجدر الإشارة إلى أن الوضوح التنظيميّ أصبح أمراً مهماً للغاية مع توجه المؤسسات لتبني بيتكوين. فحتى مع الموافقة على صناديق التداول الفوري لبيتكوين في البورصة (spot BTC ETFs)، توجد جوانب أخرى تتعلق ببيتكوين قد تثير مخاوف البعض في المستقبل.
على سبيل المثال، أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن (Joe Biden) مُقترحَ ميزانية عام 2025 في 11 آذار/مارس. ويتضمّن المُقترح عدداً من الأحكام التي تهدف إلى تغيير واقع قطاع العملات الرقمية، بما في ذلك قاعدة “بيع الغسيل” (wash sale rule) -أي البيع الوهمي للعملات الرقمية.
أخبر جوناثان باندر (Jonathan Bander) -رئيس إستراتيجية الضرائب في ExperityCPA- موقع Cryptonews أن المقترح الخاص بمكافحة “بيع الغسيل” في قطاع العملات الرقمية، سيؤدي إلى تغيّر جذريٍّ بالنسبة للمستثمرين المؤسسيين.
وأضاف باندر قائلاً: “بالتأكيد سيؤدي هذا القانون إلى زيادة عبء الامتثال، وسيتطلب دقّة عالية في تتبع المعاملات وربما يؤدي إلى زيادة النفقات أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي القيود المفروضة على المزايا الضريبية إلى تقليل جاذبية بعض إستراتيجيات التداول، ممّا يجبر المؤسسات على إعادة تقييم أساليبها”.
وهو يعتقد أن قاعدة “بيع الغسيل” للأصول الرقمية قد تقلل السيولة وتعيق إمكانية الوصول إلى السوق وتزيد من عدم اليقين فيه، ممّا يشكل تحدياتٍ لكلٍّ من المستثمرين المؤسساتيين والأفراد.
مشاكل التوسّع قد تؤثر على الاعتماد المؤسساتي للكريبتو
يعتقد جون ليليك (John Lilic) – المدير التنفيذي لمؤسسة تيلوس (Telos Foundation)- بأن قابلية التوسع تعتبر التحدي الأساسي الذي يواجه المؤسسات عند دخول قطاع العملات الرقمية. وصرح قائلاً: “يستلزم الطلب المتزايد من المؤسسات تحقيق درجة عالية من التوسع على مدى كبير، زيادة القدرة على معالجة المعاملات، وخفض تكاليفها بشكل كبير”.
هذا حيث تُظهر بيانات صادرة عن Ycharts أن رسوم معاملات بيتكوين بلغت 8.075$ في 12 آذار/مارس.
وبناءً على ما جاء في المصدر، فإن رسوم الغاز على شبكة إيثيريوم الرئيسية لا تزال مرتفعة، إذ تبلغ أكثر من 72 gwei، لتوضيح هذه القيمة، فبحسب Etherscan، ستكلف عملية مبادلة عملات اعتيادية رسوم غاز قدرها 86.15$.
المؤسسات ستتبنى عملة بيتكوين إثر التقدم العالمي
صرح بالينسويج أن اعتماد المؤسسات لبيتكوين سيستمر على الرغم من التحديات، خاصة مع الوضوح التنظيمي خارج الولايات المتحدة.
وقال: “يبدو أن هناك تيسيراً في القوانين التنظيمية الخاصة بالأصول الرقمية على مستوى العالم. وأصبح هذا واضحاً مع سماح المملكة المتحدة بإدراج سندات مرتبطة ببيتكوين في سوق الأسهم، وقيام كوريا الجنوبية بدراسة الخيارات الموجودة لرفع الحظر على صناديق التداول الفوري لبيتكوين في البورصة. لذا يمكن أن نقول بأننا نسير في الاتجاه الصحيح”.
وأكد ليليك على ذلك، مشيراً إلى زيادة أهمية هونغ كونغ بالنسبة للاعتماد المؤسسي للأصول الرقمية، حيث ذكر قائلا: “حظيت مؤخراً بفرصة زيارة وقضاء وقت مع لورانس تشو (Lawrence Chu)، صديقي المهتم بإيثيريوم منذ فترة طويلة. ويُذكر أن فريقه يقود الجهود في هونغ كونغ التي تهدف إلى سبق الولايات المتحدة في اعتماد صندوق إيثيريوم متداول في البورصة (ETH ETF). وأنا واثق من نجاحهم، وهذا يعكس الزخم المتزايد للاهتمام المؤسسي بالأصول الرقمية”.
يمكن أن يكون هذا هو الوضع بالفعل، حيث تستعد المؤسسات الموجودة في هونغ كونغ لإطلاق صناديق التداول الفوري لإيثيريوم في البورصة (spot ETH ETFs).
على أي حال، أشار نيميرج إلى أن البنية التحتية المطلوبة للمؤسسات من أجل المضي قدماً في اعتماد الأصول الرقمية، قد أصبحت متاحة أخيراً.
فعلى سبيل المثال، ذكر أن المؤسسات أصبحت تمتلك حراس أموال مؤهلين، وقال: “أن ذلك قد سمح للمؤسسات بشراء المزيد من الأصول الرقمية. ومع أساس تقني وتنظيمي صحيح، ستتمكن المؤسسات من المشاركة بثقة في أسواق التمويل اللامركزي، مما يفتح المجال لمزيد من السيولة والاعتماد”.