investing.com - تقوم عمليات غسل الأموال بدور قوي في الجرائم الدولية، وتمكن المجرمين من توزيع أرباحههم في أكثر من مكان وتحويلها إلى عطاء قانوني وأصول، وتسهل عليهم المهمة بشكل كبير. وباعتباره مشروع دلئم التغير، استطاع غسل الأموال أن يلحق بركب التغير التكنولوجي والابتكار المالي والعولمة، فضلا عن دخوله مجال العملات الرقمية.
أصبح غسل الأموال للمنظمات الإجرامية مسألة إنفاذ للقانون الدولي في الثمانينات عندما انفجرت تجارة المخدرات في أمريكا اللاتينية، مع الكارتلات الكولومبية التي تصدر كميات هائلة من الكوكايين إلى أسواق أمريكا الشمالية وأوروبا. وقد حقق الكوكايين الكولومبي أرباحا بمليارات الدولارات، لكن التحدي كان تحويل تلك الأموال إلى الاقتصاد القانوني، حيث يمكن استخدام الثروة الجديدة لشراء منازل شاسعة وفرق رياضية وتأثير سياسي.
وفي عام 1986 أصبح غسل الأموال غير قانوني في الولايات المتحدة الأمريكية، وتم إنشاء فرقة عمل معنية بالإجراءات المالية في عام 1989 من قبل مجموعة الدول السبع (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، اليابان، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، وكندا)لمكافحة الجرائم المالية وإجراء مراجعات لسياسات وإجراءات الدول الأعضاء وزيادة قبول أنظمة مكافحة غسيل الأموال في جميع أنحاء العالم. وتضم مجموعة العمل الآن سبعة وثلاثون عضوا وعملت على إنشاء منظمات شقيقة في منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية وآسيا.
وهناك منظمات أخرى تتعامل مع غسل الأموال مثل الإنتربول، منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، مجلس أوروبا، منظمة الدول الأمريكية، لجنة بازل، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، والأمم المتحدة.
ونجحت كل هذه الجهات في إحراز تقدم كبير في مكافحة غسل الأموال، وكان هناك تشدد عالمي من الجانب التنظيمي المالي وجانب إنفاذ القانون على مدار العقدين الماضيين. ونفذت البنوك في جميع أنحاء العالم قوانين معرفة العميل وغيرها من الإجراءات اللازمة لضمان قانونية المعاملات.
ومع تضيق الخناق على غسل الأموال بالطريقة المعتادة، ظهرت موجة جديدة من غسل الأموال بواسطة العملات الرقمية، واستفادت هذه العمليات من كون العملات الرقمية غير مدعومة من البنك المركزي وتتسم بمجهولية الهوية ولا تمتثل للضوابط الحكومية وبالتالي لا تستطيع الدول السيطرة عليها أو التحكم فيها.
وبفضل تقنية البلوكتشين التي جعلت من الممكن إرسال الأموال دون طلب موافقة من الوكالات الحكومية أو المؤسسات المالية القائمة، استطاع المجرمين أن يستغلوا هذه الصناعة وأصبحت أشهر عملة رقمية "البيتكوين" مرتبطة بأنشطة غير مشروعة، والعملة المفضلة للقراصنة والمحتالين.
تم الكشف عن التعقيد المرتبط باستخدام عملة رقمية في غسل الأموال في أبريل الماضي، عندما أغلقت وكالة "يوروبول" حلقة تهريب مخدرات تستخدم العملات الرقمية وبطاقات الائتمان لغسل أكثر من 8 مليون يورو، إذ استخدم المجرمون البطاقات الائتمانية لسحب الأموال من كولومبيا، ثم حولوا تلك النقود إلى عملات رقمية، ثم إلى البيزو الكولومبي عبر منصة تداول فنلندية. واعتقلت الشرطة الأوروبية 11 شخصا بتهمة غسل الأموال.
وفي أعقاب هذه العملية الاحتيالية، أعلن يوروبول عن تعزيز جهوده لرصد الأنشطة الإجرامية التي نفذت باستخدام العملات الرقمية، ونفذ دورات تدريبية متخصصة لمساعدة ضباط إنفاذ القانون في تحديد استخدام الأصول الرقمية من قبل شبكات الجريمة المنظمة.
وتباينت استجابة الحكومات لعمليات الاحتيال من هذا النوع، إذ حظرت الصين منصات التداول وعمليات طرح العملة "ICO"، وأوقفت اليابان عدة منصات تداول في 2018 بعد حوادث الاختراق والسرقة، أما الولايات المتحدة فلا تزال تسمح بتداول العملات الرقمية ولكن العديد من الجهات لا تشجعها وتحذر من مخاطرها.