تأتي البيانات الاقتصادية التي ستصدر عن الاقتصاد الأمريكي للأسبوع المقبل بأهمية كبيرة، بعد انقضاء أسبوع كان متوسط الأهمية وسط شح البيانات الصادرة نوعا ما، حيث أن البيانات الصادرة خلال الأسبوع القادم من المفترض أن تكون بمثابة دلائل للاقتصاد الأمريكي حول مرحلة تعافيه من أسوأ أزمة مالية من الركود منذ الكساد العظيم، إذ أن النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية أخذ بالتطور شيئا فشيئا خلال الفترة الأخيرة، إلا أن مرحلة التعافي بدت وكأنها بطيئة نوعا ما خلال نيسان، وذلك وسط التحديات التي لا تزال تقف حاجزا أمام الاقتصاد الأمريكي، الاقتصاد الأكبر في العالم.
بداية الأسبوع ستستهل مؤشر نيويورك الصناعي والذي من المتوقع أن يشير إلى تباطؤ النشاط في الصناعة في المنطقة، حيث من المحتمل أن يصل إلى المؤشر إلى 30.0 خلال أيار مقابل 31.86 خلال نيسان، واضعين بعين الاعتبار أن المعضلة الكبرى تبقى معدلات البطالة التي لا تزال ضمن المستويات الأعلى لها منذ حوالي ربع قرن والتي ارتفعت خلال نيسان إلى 9.9% مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 9.7%، هذا بالإضافة إلى أوضاع التشديد الائتماني، وهذا ما يعيق سير القطاعات بسرعة أكبر نحو التعافي التام.
وبعدها سيأتي مؤشر صافي التدفقات النقدية طويلة الأمد الذي من المتوقع ان يرتفع خلال آذار بأفضل من القراءة السابقة، حيث أن التحسن في النشاط الاقتصادي أثرى الاستثمارات مؤخرا، واضعين في الاعتبار أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يواجه حربه مع العوائق التي تقف أمامه، إلا أنه بالإجمالي فإن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يسير على المسار الصحيح نحو التعافي.
كما أن وزارة التجارة الأمريكية ستصدر مؤشر أسعار المنتجين والمستهلكين عن شهر نيسان، حيث من المتوقع أن يظهر المؤشران بأن الأسعار لا تزال تحت السيطرة وسط الضعف الذي تمر به مستويات الطلب مشكلة ضغوطات أمام ارتفاع الأسعار، حيث أن البيانات التضخمية السابقة أشارت مجتمعة أن معدلات التضخم لا تزال تحت السيطرة بالرغم من ارتفاع أسعار الطاقة، وذلك كتأثير من الضغوطات التي تحد من ارتفاع الأسعار بشكل عام.
وبما يخص قطاع المنازل الأمريكي والذي واصل إظهار مؤشرات مختلطة خلال الفترة الأخيرة، حيث أن بعض المؤشرات التي صدرت عن قطاع المنازل الأمريكي أشارت إلى ان النشاط في القطاع أخذ بالتحسن بشكل ملحوظ والأخرى أشارت إلى تباطؤ نوعا ما وسط انقضاء البرامج الداعمة لمبيعات القطاع، حيث سيصدر عن القطاع بداية مؤشر مبيعات المنازل المبدوء إنشائها والتي قد ترتفع خلال أيار.
واضعين بعين الاعتبار أن قيم حبس الرهن العقاري انخفضت بنسبة 2% في الفترة الواقعة بين شهر نيسان 2009 وشهر نيسان 2010، ليعد هذا الانخفاض هو الأول على الصعيد السنوي في خمس سنوات ومع تلك الأنباء فإن أزمة قيم حبس الرهون العقارية تظهر أخيراً دلائل على التراجع.
حيث سيصدر هذا الأسبوع أيضا عن قطاع المنازل الأمريكي مؤشر تصريحات البناء، حيث من المتوقع أن ينخفض مؤشر تصريحات البناء خلال شهر نيسان، وذلك المؤشر الذي يعتبر مرآة للتطلعات المستقلبية للقطاع، مشيرين إلى أن العقبات التي تقف أمام تقدم الاقتصاد تعتبر ثقيلة جدا على كاهل الأنشطة في القطاع.
ويكمن الحدث الأكبر للأسبوع عزيزي القارئ في محضر اجتماع اللجنة الفدرالية المفتوحة الذي سيتحدث فيه البنك الفدرالي عن أداء الاقتصاد منذ قرار الفائدة السابق، حيث أنه من المؤكد أن يشيد بأداء الاقتصاد، خاصة قطاع العمالة الأمريكي، حيث على الرغم من ارتفاع معدلات البطالة خلال نيسان، إلا أن الاقتصاد الأمريكي تمكن من إضافة ما يقارب 400 ألف وظيفة خلال شهري نيسان وآذار.
كما أن البنك الفدرالي لا يزال بصدد التركيز على تحقيق التعافي دون أية عراقيل، مشيرا إلى أن أسعار الفائدة ستبقى ضمن مستويات متدنية وذلك لضمان سير الاقتصاد الأمريكي نحو بر الأمان متخطيا العقبات التي ذكرناها أعلاه، وبما يخص التضخم فقد أكد البنك الفدرالي مرارا وتكرار بأن مستويات التضخم ستبقى تحت السيطرة خلال الفترة القادمة، حيث يعتقد البنك الفدرالي أن مستويات التضخم والمقاسة بنفقات الاستهلاك الشخصي الجوهري سيبقى ضمن المستويات المرغوبة لدى البنك نفسه.
ومنتقلين عزيزي القارئ للقطاع الأكثر تلقيا من أزمة الركود التي مرت بها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو قطاع العمالة الأمريكي، حيث أن الأوضاع في القطاع تحسنت بشكل ملحوظ نوعا ما خلال الفترة الأخيرة، إلا أن النشاطات لا تزال ضعيفة نوعا ما، حيث سيصدر عن وزارة العمل الأمريكية ككل أسبوع تقرير طلبات الإعانة والذي من المتوقع أن ينخفض للأسبوع المنتهي في الخامس عشر من أيار إلى 440 ألف وظيفة مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 444 ألف طلب.
في حين أن قطاع الصناعة الأمريكي والذي توسع لأول مرة منذ آب العام 2009 ليواصل توسعه حتى الآن، فمن المتوقع أن يستمر القطاع بالتوسع، حيث سيصدر عن القطاع مؤشر فيلادلفيا الصناعي مغطيا شهر أيار والذي من المتوقع أن يرتفع إلى 21.5 مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 20.2، مشيرين إلى أن التوقعات تنصب بأن قطاع الصناعة الأمريكي سيكون الأسرع بين القطاعات في الوصول إلى بر الأمان.
وأخيرا سيصدر عن الاقتصاد الأمريكي المؤشرات القائدة التي تعطي نظرة مستقبلية للاقتصاد الأمريكي وبالتحديد بين ثلاثة إلى ستة أشهر قادمة، حيث من المتوقع أن يتقلص النشاط الاقتصادي الأمريكي خلال تلك الفترة، وذلك وسط التوقعات التي تشير إلى ارتفاع المؤشرات خلال نيسان إلى 0.2% مقارنة بالارتفاع السابق الذي بلغ 1.4%.
ولذلك فمن المؤكد عزيزي القارئ أن الاقتصاد الأمريكي خلّف المرحلة الأسوأ من الركود منذ الحرب العالمية الثانية، في حين أن الاقتصاد سيلزمه المزيد من الوقت حتى تتعافى الأنشطة الاقتصادية بالشكل التام، لتبقى هذه المعضلة مسألة وقت ليس إلا، في حين أن التوقعات تشير إلى ان الاقتصاد الأمريكي لن يكون قادرا على تحقيق النمو على المدى البعيد قبل العام 2011، وإلى ذلك الوقت سيواصل الاقتصاد إظهار مؤشرات التعافي التدريجي من أسوأ أزمة مالية منذ الكساد العظيم.
وبالحديث بإيجاز عن الأسواق العالمية بشكل عام فإنها تشهد حالة من عدم الاستقرار وسط أزمة اليونان ومخاوف انتشار الأزمة إلى مناطق أوروبية أخرى، لذلك نرى اليورو يوسع من نزيفه أمام الدولار الأمريكي الذي بات كالصقر يحلق عاليا على حساب العملات الرئيسية.
حيث أن أزمة ديون اليونان باتت أحد أهم الأزمات التي مازال التاريخ يسجل لحظاتها لتصبح محور اهتمام المستثمرين في الأسواق، حيث في البداية كان مجرد الإعلان عن اتساع عجز الموازنة في أحد الاقتصاديات العالمية لم يكن يلقى إهتماما في الأسواق بشكل كبير خاصة مع انشغال المستثمرين بمسألة مدى الجهود التي تبذل من قبل البنوك المركزي والحكومات نحو دعم الاقتصاد الذي كان منهاراً بفعل أزمة الرهن العقاري و الجمود الذي كان يضرب عمليات الإئتمان على نطاق واسع، ولكن بعد الهبوط الذي شهده اليورو نشأ نوع جديد من المخاوف في الأسواق.