من لوك بيكر
القدس (رويترز) - في أول أمسية جمعة فتح فيها مطعم "عزة 40" أبوابه في القدس من دون الحصول على رخصة لتقديم الطعام الحلال (كوشر) التي تتيح له أن يستقبل الزبائن في عطلة السبت اليهودية تجمعت حشود من اليهود المتشددين للاحتجاج خارج المطعم وهددوا بتحطيم نوافذه وإحراقه.
وقالت رويت كوهين (29 عاما) وهي مالكة المطعم وكبير طهاته مستذكرة أحداث تلك الفترة في سبتمبر أيلول 2014 "كان ذلك جنونا". وأضافت قائلة "حضرت الشرطة وأقفلت الشارع وكان هناك أشخاص متدينون يصيحون ويشتمون بل ويبصقون علينا."هذه التظاهرة كانت واحدة من احتجاجات كثيرة ذات طابع سلمي في معظمها نظمتها جماعات يهودية متشددة ضد المقاهي والمطاعم ودور السينما التي تفتح في عطلة السبت وهو اليوم المقدس لدى اليهود.
وقاد عدد من هذه التظاهرات نائب رئيس بلدية القدس المتشدد اسحق بيندروس.
وما زال مطعم "عزة 40" يبلي حسنا إذ تكون ليلتي الجمعة والسبت أكثر أيام الاسبوع اكتظاظا بالزبائن على الرغم من بعض التعطيل بين الحين والآخر. لكن الضغوط تزايدت على مختلف المتاجر لإجبارها على إغلاق أبوابها من غروب شمس الجمعة حتى غروب شمس السبت وهو ما يذكي التوتر بين المجتمع المتشدد المتنامي وبين من يشعرون بأن القيود الدينية تتعدى على حريتهم.
وتجلى التعبير الأمثل للتداعيات المحتملة لما باتت وسائل الإعلام المحلية تسميه "حرب السبت" هذا الشهر في تل أبيب وهي مدينة معروفة في العادة بعلمانيتها.
وتوقف العمل في محطة جديدة للقطارات وفي صيانة القضبان الحديدية في يوم سبت بعد شكاوى من أحزاب دينية في حكومة بنيامين نتنياهو.
وقالت الحاخامية الكبرى إن هذه الأعمال تدنس قدسية يوم السبت. وتجاهلت الحاخامية إلى حد كبير مثل هذه الأعمال في السابق لكنها الآن باتت تواجه ضغوطا من الصحف المتشددة ووسائل التواصل الاجتماعي لوقفها.
وقال كبار الحاخامين في بيان يوضح موقفهم "عطلة السبت ليست مفتوحة للنقاش والمساومة ولا مجال للتفريط في قدسيتها."
ونتيجة لتلك الضغوط تأجل العمل في عطلة نهاية الاسبوع تلك إلى يوم الأحد - بداية الأسبوع في إسرائيل - مما أدى إلى اكتظاظ هائل في المرور نتيجة إقفال جزئي للطريق السريع الرئيسي في تل أبيب.
وتسبب الجدال في نزاع داخل حكومة نتنياهو وكان وزير النقل الذي دعم تنفيذ الأعمال يوم السبت في خط المواجهة. وانتهى الجدال باستمرار الوزير في القيام بعمله بينما استؤنفت أعمال البناء بعد أسبوع بما في ذلك أيام السبت في إشارة إلى حرص نتنياهو وشركائه المتشددين على عدم انهيار ائتلافهم الحاكم.
وفي حين أثر الجدل لفترة وجيزة على تل أبيب إلا أن الطرف الحاد للتوتر بشأن عطلة السبت يبقى في القدس حيث يشكل المتشددون ثلث السكان بزيادة خمس نقاط مئوية على مدى السنوات العشر الماضية ولا يغيب الدين أبدا عن أي موضوع.
*(إنها صحراء)
واتهمت بلدية القدس هذا الأسبوع أصحاب ثمانية متاجر للبقالة بانتهاك قوانين محلية تمنع المحال في وسط المدينة من فتح أبوابها في عطلة السبت.
وتتعرض بلدية القدس لضغوط مستمرة للتحرك مع تزايد سطوة المتشددين في المدينة من حيث العدد وعلى الصعيد السياسي.
ونتيجة لذلك باتت التداعيات غير متكافئة على قطاع الأعمال. فبينما تقفل سلسلة لدور السينما يوم السبت تبقى أخرى مفتوحة على الرغم من التظاهرات. وفي بعض الأحيان اضطرت بعض القطاعات إلى ابتكار حلول ملتوية للسماح للمطاعم في وسط المدينة بفتح أبوابها في اليوم المقدس عندما يكون السياح غالبا حائرين في البحث عن مكان يتناولون فيه الطعام.
وفي المستوطنة الألمانية القريبة - وهي حي راق يضم منازل حجرية قديمة - لا يوجد مثل هذا التسامح. ففي حين أنه قبل عشر سنوات كان مقهيان أو ثلاثة على جانبي شارعها الرئيسي المحفوف بالأشجار تفتح أبوابها في عطلة السبت فإن هذا لم يعد قائما الآن.
وقال أورلي ترجمان (35 عاما) الذي يدير فندقا صغيرا في المنطقة "في عطلة الأسبوع يصبح المكان مثل الصحراء."
وأضاف قائلا "ينتابك شعور أنه لم يتبق شيء في القدس. لم تعد هناك بيئة المدينة المنفتحة والتعددية."
ومعدل المواليد بين السكان اليهود المتشددين بلباسهم التقليدي من المعاطف والقبعات السوداء يزيد عن مثلي المتوسط في البلاد مما يجعلهم الجماعة الأكثر نموا من حيث العدد في إسرائيل.
وسيطرت على المستوطنة الألمانية أجواء أكثر تدينا بمرور السنين وسط حرص الكثير من سكانها المسنين المتشددين على الحفاظ على الهدوء التقليدي لعطلة السبت. وينطبق الأمر على كريات شموئيل الحي الذي يقع فيه مطعم "عزة 40".
وقال الحاخام مئير شليسنجر الذي يقع منزله والمعبد الذي يتردد عليه بالقرب من المطعم "أنا غير متحمس لأن تفتح المطاعم أبوابها في عطلة السبت... هذا يعكر صفو أجواء عطلة السبت في المكان فضلا عن أنه يتعارض مع القانون اليهودي."
لكن رويت كوهين - صاحبة المطعم - لا يبدو أنها منزعجة. فهي الآن تقدم طبقي لحم الخنزير والمحار -وكلاهما محرمان دينيا - في قائمة الطعام وهي مصممة على الدفاع عن المباديء العلمانية.
وقالت "هذا أمر أساسي لنشاطنا وللحي وللمدينة وللبلاد. إذا كان المتدينون لا يريدون القدوم.. فلا بأس. لكن عليهم أن يعيشوا ويتركوا الاخرين يعيشون."
(إعداد داليا نعمة للنشرة العربية - تحرير وجدي الالفي)