نرى أن معظم اقتصاديات العالم في طريقها للتعافي من آثار الأزمة المالية العالمية، خاصة مع ارتفاع العلامات الدالة على تقدم الاقتصاديات و خروجها من الركود الاقتصادي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، نرى أن مستويات الثقة في ارتفاع متواصل، كما أن أداء القطاعات في العديد من الاقتصاديات بدأت بالارتفاع بعد الخطط التحفيزية المؤقتة التي قامت البنوك المركزية حول العالم بتبنيها.
صدر عن الاقتصاد الألماني الذي يشكل حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بيانات عاكسة لمستويات الثقة و التي أظهرت ارتفاعها لتصل إلى أعلى المستويات منذ 18 شهراً، لتعكس بذلك التفاؤل المنتشر في البلاد اتجاه النظرة المستقبلية للاقتصاد، الأمر الذي يدل على بداية تقلص الآثار السلبية للركود الاقتصادي على الرغم من بقاء مستويات البطالة مرتفعة في البلاد.
ارتفعت البطالة الألمانية خلال شهر كانون الثاني لتسجل 8.2% مقارنة بالقراءة السابقة التي سجلت 8.1% و ذلك بسبب استمرار حالة الضعف في قطاع العمالة الألماني، الأمر الذي كان له الأثر المباشر على مستويات الثقة و الإنفاق في البلاد. بعد أن قامت العديد من الشركات بتقليص عدد الموظفين لديها من أجل تقليص التكاليف، أدى ذلك إلى فقدان الثقة في الأسواق بعد انتشار القلق نحو النظرة المستقبلية للأسواق.
أدى تراجع مستويات الثقة و الإنفاق في الاقتصاد إلى تشكيل ضغوطات سلبية على مستويات الأسعار في منطقة اليورو و ألمانيا، رأينا خلال الأسبوع الماضي تراجع مؤشر أسعار المستهلكين الألماني بأكثر مما أشارت إليه التوقعات، الأمر الذي دل على أن مستويات الطلب ما زالت متراجعة، و أنها ما زالت تشكل الضغوطات السلبية على مستويات الأسعار في البلاد على الرغم من تقدم الاقتصاد الألماني لينمو بنسبة 0.7% خلال الربع الثالث.
نعود لمستويات الثقة التي رأينا أنها مستمرة في وتيرة الارتفاع في منطقة اليورو خاصة مع استمرار البنك المركزي الأوروبي بالخطط التحفيزية لدعم الاقتصاد و التي تتضمن 60 بليون يورو من أجل شراء السندات طويلة الأمد من اجل دعم مستويات السيولة في الأسواق.
بعد أن أظهرت بيانات القطاعات في منطقة اليورو التقدم في الآونة الأخيرة، و بعد الارتفاع الذي حققته مستويات الثقة في البلاد، اتجهت العديد من الأنظار إلى بيانات البطالة التي ستعكس الوضع العام لقطاع العمالة الذي و كما ذكرنا سابقاً ما زال يعاني من العديد من الضغوطات السلبية في معظم اقتصاديات العالم.
صدر خلال الأسبوع الماضي معدل البطالة في منطقة اليورو لشهر كانون الأول، سجلت البطالة ارتفاعاً مقارنة بالقراءة السابقة المعدلة لشهر تشرين الثاني لتسجل 10.00% بعد أن كانت 9.9% سابقاً، نتوقع أن نشهد المزيد من الارتفاع لمعدلات البطالة لاحقاً خاصة مع توقعات المفوضية الأوروبية التي أشارت إلى احتمالية أن تصل معدلات البطالة إلى 10.7 خلال العام الحالي.
ننتقل في حديثنا الآن إلى الأراضي الملكية و التي كان التركيز الأساسي فيها على القراءة المتقدمة للناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع من عام 2009، و التي أظهرت خروج الاقتصاد البريطاني من الركود الاقتصادي خلال هذا الربع ليسجل نمواً بنسبة 0.1% بعد أن سجل انكماشاً بنسبة 0.2% خلال الربع الثالث من العام الماضي، و قد تلقى الاقتصاد الملكي الدعم من قبل التقدم الذي حققه قطاع الخدمات هناك و الذي يشكل حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بجانب القطاع الصناعي الذي يشكل 15% منه.
يقوم البنك المركزي البريطاني في الوقت الحالي بتخصيص مبلغ 200 بليون جنيه إسترليني من أجل تطبيق برنامج شراء الأصول، الأمر الذي كان له الأثر الجيد على أداء الاقتصاد في الآونة الأخيرة، على الرغم من تأخره في إظهار ذلك، و قد كان واضحاً من خلال التقدم الذي أحرزته القطاعات هناك.
كان الاقتصاد البريطاني من آخر الاقتصاديات الأوروبية التي خرجت من حالة الركود الاقتصادي، سيقوم صانعي القرار في المركزي البريطاني خلال الأسبوع القادم بالبحث في الوقت المناسب الذي سيقوم فيه البنك بسحب الخطط التحفيزية التي تم البدء بتطبيقها منذ آذار عام 2009.
ما زالت النظرة المستقبلية للاقتصاد الأوروبي غير واضحة بشكل كامل، خاصة و أن أكبر الاقتصاديات في القارة الأوروبية تحاول الخروج من أسوأ ركود اقتصادي لها منذ الثلاثينات، بجانب استمرار ضعف قطاع العمالة في معظم الاقتصاديات الأمر الذي يزيد من صعوبات تعافي الاقتصاديات بشكل كامل بجانب كونه إحدى أكبر التحديات التي تواجه البنوك المركزي في إنعاش اقتصادياتها.