من سوجاتا راو
لندن (رويترز) - تثير التوترات بين قطر وجيرانها قلق أسواق العالم بشأن أي إشارة على عدم الاستقرار المالي في الاقتصادات الخليجية التي يتغلغل رصيدها الكبير من مدخرات النفط الدولارية في استثمارات عالمية.
يأتي الخلاف الدبلوماسي، الذي قطعت خلاله دول خليجية العلاقات مع قطر بدعوى دعمها للإرهاب وهو ما تنفيه الدوحة، في الوقت الذي تغذي فيه البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا بالفعل زيادة في تكاليف الاقتراض العالمي عبر الإعداد للتراجع عن سياسات التيسير النقدي البالغ التي سارت عليها لسنوات.
وأي سحب لأموال الخليج من الخارج في حال تعمق الأزمة قد يؤدي إلى تفاقم الضغوط المالية.
ينشأ القلق من عملات الخليج المربوطة بالدولار الأمريكي منذ فترة طويلة. وكافحت قطر بالفعل كي تبقي سعر صرف الريال الثابت أمام الدولار الأمريكي مستقرا، ويخشى المستثمرون في الوقت الحالي من امتداد الأزمة إلى العملات المربوطة بالدولار الأمريكي في السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان.
وتتمسك حكومات الخليج بإبقاء عملاتها مربوطة بالدولار وبأصول سيادية تقارب الثلاثة تريليونات دولار في الكويت والسعودية وقطر والإمارات فإن لديهم الموارد التي تسمح لهم بذلك.
لكن جزءا كبيرا من تلك الاحتياطات في الخارج.
وبأصول تمتد من بنوك إيطالية إلى شركات ناشئة في وادي السيليكون، ومن سندات الخزانة الأمريكية إلى ناطحات سحاب في لندن، فإنه لا تكاد توجد فئة أصول رئيسية لا تمسها أموال الخليج. وفي أوج الطفرة النفطية قرب 2006، قُدر صافي "إعادة تدوير" الفوائض المدعومة بإيرادات النفط في الأسواق العالمية بما يزيد على 500 مليار دولار سنويا، معظمها من الخليج.
وقال ابيشيك كومار متخصص ديون الأسواق الناشئة لدى ستيت ستريت جلوبال انفستمنتس "المواجهة (الخليجية) قد تستمر سنوات.
"يملكون عقارات ممتازة في أنحاء العالم وقدرا غير معلن من الأصول السائلة، سندات وأسهم، لذا إذا احتاجوا إلى بيعها فإن التأثير سيكون محسوسا".
ثارت تلك المخاوف في 2014 حين تسبب انخفاض أسعار النفط في أول سحب صاف من إيرادات النفط الدولارية من الأسواق في 18 عاما بحسب تقرير من بي.إن.بي باريبا صدر حينها.
ودرأت دول الخليج عن نفسها بسهولة حلقات سابقة من الضغوط على ربط عملاتها بالدولار مثل تلك التي وقعت خلال أزمة دبي في 2009 وفي أوائل 2016 حين بلغت أسعار النفط 27 دولارا للبرميل. وحتى الآن فإن الضغط ينحصر في قطر.
وقد تحتاج البنوك القطرية، التي تعد التزاماتها الخارجية البالغة 50 مليار دولار ضئيلة للغاية بالمقارنة مع احتياطيات البنك المركزي، مزيدا من المساعدة إذا تفاقمت الأزمة.
لكن النزاع القطري ليس سوى عقبة واحدة أمام حكومات المنطقة. وتواجه الحكومات توقعات قاتمة لسعر النفط وارتفاع الدولار وزيادة أسعار الفائدة الأمريكية التي على الرغم من ارتباطها بأسعار الفائدة في دول الخليج فإنها تعرقل سعيها صوب تنويع موارد الاقتصاد.
وقال مايكل سيرامي رئيس ديون الأسواق الناشئة لدى ايتون فانس "ربط عملات (الخليج) بالدولار الأمريكي سيواجه تحديا.. هل يهم؟ إنه مهم إذا كانت لديك استثمارات في المنطقة".
* عراقيل
المشكلة الأكبر أمام مراقبي الشأن الخليجي هي التحديد الدقيق للمدى الحقيقي للثروة الخارجية ومواقعها في ضوء أن الحيازات البارزة مثل حصة قطر في فولكسفاجن أو الاستثمارات السعودية في أوبر ليست سوى قمة جبل الجليد.
وبحسب ما يعرف من البيانات الحكومية الأمريكية فإن دول الخليج تملك نحو 240 مليار دولار من أدوات الخزانة الأمريكية. ويعتقد أن السعودية تضع حصة الأسد من أصول بنكها المركزي في شكل ودائع بالدولار في حين تبلغ قيمة أدوات الخزانة التي تملكها 126 مليار دولار.
ما مدى سهولة قيام دول الخليج بمبادلة أصول خارجية بالسيولة إذا ما دعت الحاجة؟ بعضها في شركات. لكن فيتش تقدر أن بين عشرة وعشرين بالمئة فقط من الأصول صعبة التسييل حتى في قطر التي تملك محفظة عقارية كبيرة.
ووفقا لحسابات تقرير بي.إن.بي باريبا الصادر في 2014 فإن ما يزيد على عُشر إيرادات النفط الدولارية التي جرى تدويرها في العام السابق ذهبت إلى الأسهم والسندات في حين ذهبت نسبة 20 بالمئة منها إلى استثمارات مباشرة.
وتقول المذكرة إن النصف على الأقل من النسبة الباقية ذهب إلى ودائع بنكية ومن ثم إلى أسواق القروض.
وقال ماركوس شنيفيكس الاقتصادي المعني بالشرق الأوسط لدى تي.اس لومبارد للاستشارات "من المتوقع أن تبيع حكومات الخليج أصولا سهلة التسييل إذا اضطرت لهذا. أنا على ثقة في أن القطريين سينقلون بعض أصولهم الأقل سيولة إلى أصول أعلى سيولة كشكل من التأمين، وعلى سبيل المثال تحويل العقارات إلى أسهم".
في الوقت ذاته فإن حيازات الخليج في الشركات الأوروبية قد تكون أربعة أمثال ما كان يعتقد في السابق لأن تلك الاستثمارات عادة ما تجري عبر مدراء أصول خارجيين بحسب دراسة من ناسداك كوربوريت سوليوشنز.
بيد أن هناك عاملين قد يقلصان من تأثير الأزمة الخليجية.
أولا تستمر قاعدة أصول قطاع معاشات التقاعد والتأمين العالمي البالغة 70 تريليون دولار في النمو مما يعوض المبيعات الخليجية المفترضة. وثانيا فإن انخفاض مستويات الدين سيسمح لدول الخليج بالاقتراض عوضا عن بيع مقتنيات الدولة.
وتظهر بيانات فيتش أن الديون السيادية الخارجية لدول الخليج الست زادت بالفعل لخمسة أمثالها من مستويات 2009 إلى نحو 150 مليار دولار ومن المرجح أن تدخل الدول الخليجية إلى أسواق السندات على نحو منتظم في المستقبل.
وقال سلمان أحمد رئيس الاستراتيجيات العالمية لدى لومبارد أودير "لو أنهم لم يصدروا سندات وكدسوا السيولة فأعتقد أننا كنا سنشهد ضغوطا أكبر. إنهم يستخدمون حصيلة تلك السندات في سد الفجوة".
(شارك في التغطية كارين ستروكر وكلير ميلينش في لندن - إعداد معتز محمد للنشرة العربية - تحرير أحمد إلهامي)