كان عام 2022 عاماً صعباً على صعيد أسعار الفائدة وتقييمات السوق، بالتالي يجب أن نعذر المستثمرين على أملهم في أن يكون 2023 مختلفاً، فهو سيكون مختلفاً فعلاً، لكن لا ينبغي لهم توقع قدر كبير من النجاة من التقلبات.
تظهر أرقام الوظائف القوية في الولايات المتحدة لشهر يناير أن البيانات الاقتصادية في الوقت الفعلي لا تزال قادرة على إثارة المفاجآت، لكن الأمر الأكثر أهمية على المدى الطويل والذي يجب أن يضعه المستثمرون في اعتبارهم هو انتقال الولايات المتحدة من عالم تيسير كمي إلى عالم التشديد.
من المعتقد أنه لا ينبغي لأحد توقع تحول بنك الاحتياطي الفيدرالي من هذا التشديد بعد ربع أو ربعين سنويين لمجرد أن الولايات المتحدة قريبة من الركود، فقد ولت أيام كسب المال السهل أثناء التيسير الكمي.
ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن معدل النمو السنوي لمقياس المعروض النقدي “إم 2” في الولايات المتحدة اقترب من 30% بعد الوباء نظراً لاستجابة السياسة النقدية والمالية الهائلة تجاه كورونا، لكنه لم يدفع تضخم السلع والخدمات أو النشاط الاقتصادي الحقيقي إلى الدرجة التي توقعها عالم الاقتصاد الأمريكي ميلتون فريدمان.
لقد ظهرت هذه السيولة الفائضة في تضخم أسعار الأصول بسبب الفجوة الكبيرة بين النمو الاقتصادي ونمو المعروض النقدي، حيث ارتفعت أسعار كل شيء، سواء الأصول عالية الجودة أو المضاربة التي لم تستحق رأس المال، كما يُعتقد أن انكماش الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي والمعروض النقدي لا بد أن يخلف تأثيراً معاكساً.
ربما اقترب بنك الاحتياطي الفيدرالي من نهاية دورة رفع أسعار الفائدة، لكن التشديد النقدي سيستمر مع استراتيجية التحجيم التابعة للبنك المركزي لخفض ميزانيته العمومية من خلال وقف إعادة استثمار العائدات المستحقة من سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري.
بالكاد بدأ البنك في تخفيض ميزانيته العمومية، بعد أن بلغت ذروتها عند نحو 9 تريليونات دولار في الأصول المدارة في أبريل من العام الماضي، فيما تقدر اليوم بـ8.5 تريليون دولار.
يبلغ الحد الأقصى الاسمي للأصول غير المعاد استثمارها 95 مليار دولار شهرياً، وسيستمر على ذلك تلقائياً في المستقبل القريب، بالرغم من تعويضه جزئياً بسبب المدفوعات المسبقة المتأخرة على بعض السندات المدعومة بالرهن العقاري التي يحتفظ بها الاحتياطي الفيدرالي.
من غير المتوقع تكرار ما حدث في سبتمبر 2019 عندما أصيبت أسواق المال بالفزع من انخفاض الحجم الإجمالي للميزانية العمومية من 4.4 تريليون دولار في بداية 2018 إلى 3.7 تريليون دولار، وبالتالي أصبح ضروري أن يبدأ البنك المركزي في شراء سندات الخزانة مرة أخرى.
منذ ذلك الحين، وضع الاحتياطي الفيدرالي برامج من شأنها المساعدة في تخفيف أي اضطرابات مماثلة في أسواق المال.
نحن الآن في فترة تمثل نهاية سوق سندات صاعدة طويلة الأمد استمرت أكثر من 35 عاماً، وهذه الفترة ستتميز بانخفاض سيولة السوق وتقنين رأس المال وتقلبات مستمرة في أسعار الأصول.
الجانب المشرق لمستثمري السندات هو أن فترات التوحيد يمكن أن تستمر لأعوام قبل بداية فترة السندات الهابطة التالية.
يتعين على المشاركين في السوق أن يكونوا يقظين وذكيين بشأن أين يستثمرون خلال هذا النوع من الفترة.
ربما يحدث الركود في وقت مبكر من منتصف العام، لكن أساسيات ائتمان الشركات قوية مع اقتراب الانكماش الاقتصادي.
تظهر أبحاث “جوجنهايم” أن ديون جميع الشركات المحلية غير المالية تبلغ نحو 5 أضعاف الربح قبل الضرائب، وهي نسبة مديونية أقل بكثير من المعتاد في ظل التوجه نحو الركود.
جدير بالذكر أن تغطية مصروفات الفائدة الحالية بين الشركات نفسها في مقابل الأموال المقترضة اعتماداً على الأرباح قبل الفوائد والضرائب هي الأعلى منذ 50 عاما، عند 16 ضعفاً.
كما أن الميزانية العمومية للمستهلكين قوية أيضاً، حيث لا تزال المدخرات أعلى مما كانت قبل الوباء، مع مستويات ديون منخفضة وصافي حقوق ملكية كبيرة لمُلاك المنازل، ومن شأن هذه العوامل المساهمة في إبقاء الركود معتدلاً نسبياً.
لا شك أن الانتقال من التيسير إلى التشديد الكمي يسبب مشكلات للأصول الخطرة، بينما يظهر تحولاً يلوح في الأفق في دورة الأعمال يفيد أن أسعار السوق ستمثل رياحاً مواتية لمستثمري الدخل الثابت، حيث تتجه عوائد سندات الخزانة لأجل 10 أعوام نحو 3% انخفاضاً من المستويات الحالية حول 3.7%.
استناداً إلى تحليل أجراه فريق بحثي لمضاعفات الأسعار إلى الأرباح خلال فترات تباطؤ النشاط الاقتصادي، يمكن أن يسجل مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” انخفاضاً يصل إلى 3000 – 3200 خلال فترة الركود المتوقعة، انخفاضاً عن المستوى الحالي البالغ نحو 4130.
إضافة إلى انخفاض أسعار الأسهم، ستخضع أدنى السندات تصنيفاً ائتمانياً في الأسواق، مثل السندات المصنفة CCC، أيضاً لضغوط الأسعار، وربما تؤدي إلى عمليات بيع مكثفة في ظل ارتفاع حالات التخلف عن السداد وزيادة حالات خفض التصنيف الائتماني.
مع احتمال الانخفاض المتوقع في الأسهم وتسجيل ائتمان الشركات من الدرجة الاستثمارية وعائدات الائتمان المهيكلة مستويات جذابة، فإن وجهة نظرنا هي أن الوقت مناسب الآن للمديرين النشطين للبدء في التخصيص بشكل دفاعي والارتقاء بجودة الائتمان.
ربما نكون قد بدأنا عاماً جديداً، لكن لا يزال على المستثمرين الاستعداد لرحلة وعرة، والخبر السار هنا بشأن ارتفاع عائدات السندات هو تقاضيهم أرباحاً للاستعداد لهذه الرحلة.