كتب: طه زيادة.
القاهرة، 16 أغسطس/آب (إفي): اعتمد المسرح المصري ومن بعده السينما منذ بداياتها من أكثر من 100 عام على اقتباس الأعمال الأدبية الغربية بشكل مباشر، وكان صناع السينما أو المسرح لا يخجلون من وضع عبارة "تمصير" أو "رواية ممصرة" على الأعمال التي يقدمونها للجمهور برؤية تتوافق من وجهة نظرهم مع المجتمع المصري.
وبالرغم من مرور أكثر من قرن من الزمان على ظهور الفن السابع وبالرغم من التقدم والتكنولوجيا التي وصلت إليها في مصر إلا أنه لا يزال يعتمد على هذه التقنية كوسيلة يدعي البعض أن بها إبداعا ما.
وكما يجب الاعتراف بأن الاقتباس في حد ذاته أمر مقبول ومشروع، فيجب التسليم بأن الادعاء بأنه عمل ابداعي أمر غير مقبول ولا مشروع أو أن من يقدمونه مبدعون وخاصة وأن البعض في اجتهاده للصعود على أكتاف أفكار غيره يقوم بتسطيحها أو قد يسيئ إليها وإلي المجتمع الذي ينقلها إليه. فضلا عن أولئك الذين لا يعترفون أصلا بأن هذه الفكرة مقتبسة أو منحولة أو منحوتة من عمل أجنبي.
ويتناسى هؤلاء بحسن أو سوء نية المقولة الشهيرة: "يمكنك أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت .. ولكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت".
وتطرح السينما المصرية هذا الصيف نموذجين اعترف صناعهما ضمنيا أنهما مقتبسين والعملين هما "ألف مبروك" لأحمد حلمي وإخراج أحمد جلال، والثاني "طير انت" بطولة أحمد مكي ودنيا سمير غانم.
وفيما يخص الفيلم الثاني فهو مقتبس عن فيلم "Bedazzled" إنتاج عام 2000 وبطولة بريندن فريزر، وليز هيرلي وإخراج هارولد راميس.
استطاع أحمد حلمي على مدار السنوات الخمس الماضية من خلال مجموعة أفلام خفيفة لا تحمل فكرا أو مضمونا مثل "مطب صناعي" و "ظرف طارئ" و"صايع بحر" و "زكي شان" و"ميدو مشاكل"، إثبات أنه أفضل الردئ المتواجد على الساحة الفنية، بعد انهيار محمد هنيدي وارتماءه في أحضان أفلام الممولة من الخليج، وبعد تقهقر محمد سعد، الذي استنزف موهبته في الاستخفاف بجمهور غفر له مرات ثم يئس منه، وبعد اتجاه أشرف عبد الباقي للتلفزيون.
وهكذا أصبحت الساحة خالية لحلمي بعد تراجع هوجة أفلام الكوميديا التي بدأت في نهاية التسعينيات مع أفلام مثل "إسماعيلية رايح جاي" و"صعيدي في الجامعة الأمريكية"، والتي لم تحتمل الاستمرار حتى نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة، لعوامل اجتماعية واقتصادية، حيث لم يعد الجمهور يستسيغ هؤلاء المهرجون الذين يستخفون بمشاكله ويربحون الملايين، أو لأسباب سياسية أيضا، حيث لم يعد مقبولا الاستمرار في الضحك على واقع استبيحت فيه العراق وذبح أبناءه وصارت الدماء الفلسطينية بركا تغوص فيها الأقدام في غزة والقطاع.
ولأن حلمي يتميز بذكاء من يجيد قراءة الساحة فقد اعتمد على موهبة مخرج متميز مثل أحمد جلال في تقديم منذ عامين فيلمه الرائع "كده رضا" المأخوذ بحرفية عالية عن فيلم نيكولاس كيدج "رجال بهشاشة أعواد الكبريت" أو "Matchstick Men" ، وبالرغم من عدم اعتراف صناع الفيلم أن العمل مقتبس إلا أن المعالجة المصرية كانت في صالحه وقدمت حلمي كموهبة فنية بين الكبار.
في العام الذي يليه، قدم حلمي فيلمه الغريب على جمهور السينما الكوميدية "آسف على الإزعاج" المأخوذ نصا عن فيلم "Beautiful Mind" للنجم راسل كرو عن حياة عبقري الرياضات الأمريكي جون ناش الحائز عل جائزة نوبل. هذه المرة كان الجهد المبذول أقل وجاء العمل نسخة مشوهة ومبتورة من الفيلم الأصلي، كما سخرت الفكرة من عقل الجمهور، بالرغم من إشادة النقاد بالفيلم، وبالرغم من عدم اعتراف صناعه باقتباسه.
هذا العام، يبدو أن حلمي انخدع بإشادة النقاد، كما وجد الاقتباس غير المعلن وسيلة سهلة لتحقيق النجاح، متناسيا عبارة "تستطيع خداع بعض الناس..." ليقدم على هذا المنوال فيلمه "ألف مبروك" الذي يحقق حاليا نجاحا جماهيريا وعلى مستوى النقاد.
وبالرغم من اعتراف صناع الفيلم -لصعوبة تقبل الفكرة- جزئيا بأن العمل مستوحى من أسطورة يونانية، إلا أنهم أغفلوا ذكر أن العمل منحوت بصورة رديئة وسطحية من الفيلم الأمريكي "Groundhog Day" للنجم بيل موراي والنجمة أندي ماكدويل.
تتمحور الفكرة الأساسية في العملين حول أزمة ضمير يجد صاحبها أحمد حلمي في النسخة العربي وبيل موراي في النسخة الأمريكية، محاصرا داخل فقاعة زمنية مداها 24 ساعة ولا يخرج منها أبدا حتى تتطهر روحه من آثامها. والفكرة في العملين مأخوذة من فكرة المطهر في المعتقدات الكاثوليكية أو المنزلة بين الجنة والنار التي تظل بها الأرواح الهائمة لتكفر عن خطاياها.
في المعالجة المصرية للفكرة تم الانتقال من الشر الافتراضي إلى الخير الافتراضي بصورة مباشرة تميزت بالتسطيح والفجاجة، بينما حاول الفيلم الأجنبي تقديم كل نوازع النفس البشرية بشرها وخيرها بتمعن وتحليل تميز بالإعلاء من لغة الخطاب السينمائي بعيدا عن الرمز المباشر، دون استعجال محاولة إصلاح الإنسان لإقصاء فكرة الرسالة الوعظية المملة عن التناول الفني.
تنتهي النسخة العربية بموت البطل في كل مرة يحاول فيها معرفة أبعاد الفقاعة الزمنية التي وجد نفسه محبوسا داخلها، إلى أن يصحو ضميره فيموت بالفعل ولكن بعد أن يحاول مساعدة من حوله وانقاذ أسرته في رسالة مباشرة واضحة لا تخلو من فجاجة لا تناسب شخصية الكوميديان المعتمدة في السينما المصرية.
أما في النسخة الأمريكية، والتي قدمها بيل موراي الذي لا يعتد به كممثل كوميدي، بعد أن قدم أدوار المافيا والدراما السوداء في أفلام لمخرجين كبار أمثال جيم يارموش ومارتن سكورسيزي، فقد نجح من خلال عمل انساني مفعم بالحب ومشاعر التجربة الغضة، رحلة الانسان من الخطأ للصواب، ونجح في مساعدة من حوله بعيدا عن الخطابة الوعظية أو الجرعة الأخلاقية وبدون جلد الذات إلى حد المازوشية لتوضيح الفكرة.
هذا دون الأخذ في الاعتبار المقارنة بين صياغة حرفية السيناريو لتقديم مواقف مكررة لا تخلو من طرافة لتنويع وتوسيع زوايا تقديم الفكرة، مع الحرفية العالية التي قدم بها الممثلون في النسخة الأمريكية لأدوارهم مع تكرار الأحداث وجميعها عناصر ترجح كفته ولن تكون بأي حال من الأحوال في صالح الفيلم المصري.(إفي)