القاهرة، 22 نوفمبر/تشرين ثان (إفي): أعادت الجهود المصرية لاحتواء أزمة غزة الى القاهرة دورها التقليدي كلاعب سياسي في قضية الشرق الأوسط، وسمحت للرئيس محمد مرسي بتسجيل نقطة نجاح فعلية على الصعيد الدولي، بعد أقل من ستة أشهر على توليه السلطة، رغم حالة الاستياء المتزايدة تجاه أداء حكومته داخليا.
ورغم وضوح الرؤية داخليا وخارجيا بالنسبة لتأييد مرسي، ذو الخلفية الاسلامية، لحركة حماس، فإن نجاحه في التوصل الى اتفاق التهدئة يبدو انه ضاعف من رصيد الثقة في قدرته على التأثير على قادة حماس، والعودة لدور طالما لعبته مصر في المنطقة، وهو ما قد يعزز على جانب اخر من قدرتها على الحصول على المساعدة الدولية اللازمة لإنقاذ اقتصادها المتعثر في المرحلة المقبلة.
وتجسدت تلك الثقة، من بين مظاهر اخرى، في تصريحات وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون عقب الاعلان عن توقيع اتفاق التهدئة بين حماس وإسرائيل، حيث اكدت على "قيام الحكومة المصرية الجديدة بتحمل المسئولية والزعامة التي حولت (مصر) خلال فترة طويلة الى حجز الزاوية بالنسبة للاستقرار والسلام".
وكانت كلينتون، التي تعد بلادها حليف إسرائيل الرئيسي، تتحدث في القاهرة بجانب نظيرها المصري محمد كامل عمرو، مثنية على الدور الذي لعبه مرسي لوقف العمليات العسكرية التي تسببت بمقتل نحو 167 شخصا على الجانبين، وتخللها اطلاق عدد كبير من الصواريخ على اسرائيل، في مواجهة كادت تهدد باشعال صراع على نطاق واسع في المنطقة.
كما أكدت مصادر إسرائيلية وفلسطينية على ضمان مصر لاتفاق سلام "دائم" في المستقبل بين إسرائيل وحماس، وهى جماعة على خلاف مع السلطة الوطنية الفلسطينية منذ سيطرتها على قطاع غزة، وتعتبرها واشنطن والاتحاد الاوروبي منظمة ارهابية.
وكانت مساهمة مصر في حل الأزمة قد بدأت بشكل فعال منذ بداية الهجوم الاسرائيلي على القطاع في 14 نوفمبر الجاري، حيث قاد مرسي حركة اتصالات دبلوماسية مكثفة حولت القاهرة الى ما يشبه خلية النحل لسلسلة من المباحثات بمشاركة عدة جهات على أعلى مستوى.
فخلال الايام القليلة الماضية كانت العاصمة المصرية مسرحا لزيارات مسئولين دوليين، بداية من هيلاري كلينتون وحتى السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون، مرورا بعدد من قادة الاتحاد الاوروبي، في حين لم تتوقف الاتصالات التليفونية بين الرئيس المصري بقادة اسرائيل والولايات المتحدة وإيران وتركيا لوقف العمليات العسكرية.
ويرى مراقبون ان نجاح مرسي لم يقتصر على جبهة التهدئة، وانما امتد الى الدفع باتجاه دعم حماس سياسيا، من خلال مبادرته الاولى بايفاد رئيس وزراءه، هشام قنديل، الى غزة المحاصرة، في واحدة من أهم الزيارات للقطاع منذ وصول حماس الى السلطة فيه عام 2007.
وربما أدت رسالة الدعم التي وجهها قنديل لحماس خلال زيارته التي لم تدم سوى ثلاثة ساعات، الى مزيد من الضبابية في الرؤية لدى إسرائيل والولايات المتحدة بالنسبة لتوجهات القاهرة، ولكن رغم ذلك لم يكن امامهما سوى الوثوق فيه والضغط عليه لاستخدام علاقاته بقادة غزة للتوصل لاتفاق، نظرا لعدم قدرة واشنطن أو تل أبيب على التواصل معهم بشكل مباشر.
ونتج عن تلك الثقة اتفاق سمح للجانبين المتصارعين بقضاء ليلتهما الاولى -من الاربعاء الى الخميس- دون هجمات واطلاق صواريخ، بعد ان حصدت المواجهة هذه المرة أرواح 162 شخصا في غزة وخمسة في إسرائيل، وتسببت لاصابات مختلفة لنحو 1.300 في الاولى و50 في الثانية.
واستحق مرسي ثناء نظيرة الامريكي باراك أوباما، الذي عبر الاربعاء عن شكره "للجهود التي قام بها من أجل التوصل لوقف لاطلاق النار"، و"لقيادته بصفة شخصية" للمفاوضات، فيما وصف الرئيس الاسرائيلي، شيمون بيريز، دور مصر ورئيسها لوقف العنف بـ"المفاجئة السعيدة".
ومن جانبه، امتدح زعيم حماس، خالد مشعل، جهود الرئيس المصري الرئيس المصري، التي وصفها بـ"المسئولة" و"الشجاعة"، في تأكيد واضح لإستعادة الثقة من قبل حماس والولايات المتحدة واسرائيل، والغرب بصفة عامة، إضافة لجيران مصر من العرب، تجاه عودة القاهرة لامتلاك القدرة على التأثير في مجريات الامور في الشرق الاوسط.
ورغم المدح والثناء، يبقى امام مرسي مواجهة مرحلة انتقالية طويلة على المستوى السياسي والاقتصادي تكافح بلاده لتخطيها منذ سقوط نظام الرئيس حسني مبارك بعد ثورة 25 يناير 2011 ، فضلا عن تحديات أخرى عديدة داخل وخارج الشرق الاوسط.
فبينما كان مرسي منشغلا بالوساطة للتهدءه في غزة، كانت وتيرة الاستياء والانتقادات تتزايد داخليا بسبب تردي الوضع الاقتصادي، وتزايد المشكلات التي تمس حياة الناس، وما يصفه كثير من المصريين بضعف اداء الحكومة وبطء عملية الاصلاح، في ظل خلافات متلاحقة حول كتابة الدستور.
وزاد الوضع سوءا، وخلال نفس الاسبوع التي دارت فيه المواجهات بين غزة واسرائيل، حادثة قطار راح ضحيتها نحو 50 طفلا في صعيد مصر، والمواجهات المشتعلة بين متظاهرين معارضين والشرطة، والتي تسببت في شلل الحياة بوسط القاهرة، حيث قتل احد الشباب وحرج العشرات، إضافة لانسحاب الكنيسة والقوى المدنية من اللجنة المشكلة لكتابة الدستور. (إفي)