سليمان الأسعد.
حلب، 9 يناير/كانون ثان (إفي): رغم الغموض الذي يكتنف تشكيلها وأعضاءها، والأسئلة الكثيرة التي تحوم حول مصادر تمويلها وعلاقاتها بجماعات جهادية اخرى، يبدو ان جبهة النصرة تكتسب بشكل يومي المزيد من الشعبية في الاراضي التي تمركزت فيها جماعات المعارضة السورية بعد طرد الجيش النظامي.
وكالة (إفي)استطاعت الدخول الى بعض تلك القرى "المحررة" بريف حلب (شمال)، حيث يسيطر عناصر "جبهة النصرة لأهل الشام" على عدد من المناطق، ويختلطون بسكانها من آن لأخر دون احتكاك مباشر، ولكن من غير مشاكل تذكر، على الرغم من السرية التي تحيط بهم وانتماء عدد غير معروف منهم لأصول غير عربية.
ويقع احد معسكرات الجبهة، التي تصنفها الولايات المتحدة على انها منظمة ارهابية، داخل حي منزوٍ باحدى قرى ريف حلب، حيث ينتهي الطريق المرتفع إلى سلسلة من البيوت المتلاصقة المطلة على واد سحيق، وبينما تقترب السيارة التي تقل مراسل (إفي)، يرى رجلان يجلسان ببساطة لتناول وجبة من السمك المقلي، اتضح فيما بعد ان أحدهما هو "أمير المعسكر".
في تلك الاثناء، وبينما يحضر أحد المقاتلين كوبا من الماء، يركض طفل في العاشرة من عمره بملامح أوزبكية خارجا من أحد البيوت، ثم يأتي شاب عشريني أفغاني الوجه ليتحدث مع الأمير بعربية ضعيفة.
الغريب ان احدا لم يوقف السيارة ليسأل عن هوية من فيها، واكتفى الرجلان برد التحية بهدوء وابتسامة، في حين اعتذر "الأمير" بلطف عن إجراء أي حديث صحفي أو التقاط صورة للمكان، رغم دعوته للضيوف لمشاركته وجبته الثمينة، في منطقة يعاني المدنيون والمقاتلون فيها من شح الطعام.
رفض الحديث مع وسائل الاعلام شيء متوقع، فالجميع بالمنطقة يتحدث عن الغموض الذي يكتنف الجبهة وعناصرها، كما أن زعيمها، المعروف بأسم أبو محمد الجولاني، لا يظهر في الصورة أبدا، ولم يشاهده أحد ممن التقاهم المراسل في ريف حلب أو ريف إدلب.
كما أن احتكاك عناصر الجبهة بالسكان يبدو محدودا للغاية،وفي إطار الضرورة، لكنه يتسم بـ"الطيبة وحسن الخلق" كما يؤكد محمود عساف، وهو أحد الناشطين الإعلاميين بريف حلب، حيث يشير الى ان "التنظيم يحظر على مقاتليه حمل السلاح بين المدنيين، ويلزمهم بالوقوف في الصف لشراء الخبز، ويفرض إجراءات تأديبية على من يبدي سلوكا غير منضبط".
وفي إطار اللفتات الحميدة، التي ساهمت في زيادة شعبية الجبهة منذ بدء نشاطها في سوريا أواخر 2011 ، يذكر عساف انها تبرعت بأكثر من أربعة آلاف لتر من المازوت لتشغيل المخبز الآلي ببلدة كفر حلب (غربي حلب المدينة)، حيث يشكل الخبز أزمة يومية، لتعود الاسعار الى إلى 40 ليرة سورية (0.4 دولار)، بينما تصل في مناطق أخرى إلى 400 ليرة (4 دولارات).
كما يقوم أعضاءها بالقاء محاضرات توعوية للمدنيين والعسكريين، حتى من خارج التنظيم، وهو ما يؤكده أحمد مزق، المقاتل في لواء التوحيد بريف إدلب، حيث يشير الى انه حضر "درسا دينيا ألقاه شاب جزائري في المسجد حول أخلاق الجندي المسلم".
ورغم عنف هجماتها، تنتشر تلك الشعبية بين عدد كبير من السوريين بالريف الحلبي على اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية، حتى ان إحدى الجمع اطلق عليها (لا إرهاب إلا إرهاب الأسد)، ردا على قرار واشنطن بادراج الجبهة ضمن قائمة المنظمات الارهابية.
ويقول عساف، وهو احد سكان المنطقة الذي لا يخفي توجهه العلماني، انه لا يرى مبررا لرفض التعاون مع تنظيم يتبنى أفكارا متشددة، حيث "تركنا وحدنا ولم يساعدنا أحد، لا الغرب ولا الشرق، والجيش الحر لا يتلقى أي مساعدات عسكرية ممن يسمون أنفسهم أصدقاء سوريا، فما الذي يمنع أن نستقبل النصرة وغيرها كي تدافع عنا في وجه نظام متوحش؟".
ومع كثرة الحديث حول غلبة العنصر الأجنبي على حساب السوري في الجبهة، يعتبر النقيب ناجي مصطفى، وهو قائد فصيل من لواء أمجاد الإسلام، التابع للجيش الحر، ان نسبة السوريين تفوق بكثير نسبة العرب والأجانب، لافتا الى انه تعاون مع مقاتليها في معركتين، إحداهما كانت العملية الشهيرة التي انتهت بتحرير الفوج 46 وهو المكان الذي كان يقصف منه الريف الحلبي المجاور.
أما أبو صالح، وهو مدرس خمسيني يسكن الريف الحلبي، فيدافع عن وجود العنصر الاجنبي بين مقاتلي المعارضة بصفة عامة، ويدلل على حديثة بقصة طبيب ألماني شاب اعتنق الاسلام، وباع عيادته في بلاده والتحق بالجيش الحر، حتى تلقفته جبهة النصرة وجندته في صفوفها.
ويضيف: "هذا الشاب الناجح هجر حياته العملية والشخصية التي قد يتمناها أي فرد على الأرض، وأتى إلى هنا كي يموت دفاعا عني، فكيف تقنعني أنه يريد تخريب وطني؟".
وعلى الصعيد القتالي، ترتبط الجبهة بعلاقات متميزة مع بعض ألوية الجيش الحر، كما يؤكد النقيب ناجي، فهم يشاركون في أي معركة يدعون إليها دون شروط مسبقة، "ولديهم ما يكفي من الذخيرة والمؤن كي يزودوا أنفسهم".
ومع أن النقيب ناجي، الذي انشق عن النظام منذ تسعة أشهر، لا يملك معلومات مؤكدة حول مصادر تمويل الجبهة، إلا أنه يرجح أنها تعتمد بالاساس على الغنائم التي تظفر بها من معاركها ضد قوات النظام.
ومن جانبه يمتدح هشام مواس، الذي شارك كمقاتل ضمن لواء أمجاد الإسلام في تحرير الفوج 46 ، أداء عناصر الجبهة في المعركة، ويصفهم بـ"الشجاعة"، حتى انهم "لا ينسحبون من المكان ما لم يفتح على أيديهم، ولا سبيل أمامهم إلا الموت أو النصر".
كما يذكر ان أحد أصدقائه التحق بها "وهي تسعى إلى ضم خيرة المقاتلين من ألوية الجيش الحر وفق شروط أهمها الأخلاق الرفيعة والهمة القتالية والاستعداد للشهادة".
ولا يخفي بعض السوريين مخاوفهم من قيام الجبهة والتنظيمات الاسلامية الاخرى بمحاولة فرض نظام سياسي معين في حالة سقوط نظام بشار الأسد، في حين يستبعد آخرون تلك المخاوف، فيما يعتقد البعض في الريف الحلبي أن مقاتليها سيرحلون في المستقبل إلى "حيث يحتاجهم المسلمون". (إفي)