من باترك ور
القاهرة (رويترز) - تراجع الجنيه المصري في السوق السوداء مجددا خلال الأيام الماضية في إشارة إلى أن خفض قيمته الرسمية إلى النصف خلال العام الماضي لا يزال غير كافٍ وقد يتعين على البنك المركزي السماح له بمزيد من الهبوط.
وعلى الرغم من تعهده في أكتوبر تشرين الأول بأن يكون العرض والطلب هو الآلية المحددة لسعر الصرف، يدير البنك المركزي العملة في نطاق ضيق ظل دون تغيير فعليا عند نحو 30.80/90 للدولار منذ ثلاثة أسابيع بينما انخفض الجنيه إلى ما بين 35 و36 في السوق السوداء.
أثار الضغط المتجدد على الجنيه تكهنات بأن البنك المركزي سيحتاج إلى التحرك مرة أخرى، ربما بحلول يوم الخميس عندما تجتمع لجنة السياسة النقدية لتحديد أسعار الفائدة لليلة واحدة.
وأظهر استطلاع أجرته رويترز يوم الاثنين أن من المتوقع أن يرفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة لليلة واحدة 200 نقطة أساس يوم الخميس في الوقت الذي يكافح فيه للسيطرة على التضخم المتصاعد.
وبحسب متوسط التوقعات في الاستطلاع الذي شمل 15 محللا، سيرفع البنك سعر الفائدة على الإيداع إلى 18.25 بالمئة وعلى الإقراض إلى 19.25 بالمئة خلال الاجتماع الدوري للجنة السياسة النقدية بالبنك. وتوقع سبعة من المحللين زيادة قدرها 300 نقطة أساس.
وخلال اجتماعه الماضي في الثاني من فبراير شباط، أبقى البنك المركزي أسعار الفائدة دون تغيير على الرغم من توقعات المحللين بزيادة قدرها 150 نقطة أساس، قائلا إن الزيادات الحادة في أسعار الفائدة التي فرضها على مدى العام السابق من شأنها أن تساعد في ترويض التضخم الذي بلغ في ديسمبر كانون الأول 21.3 بالمئة، في أعلى مستوى منذ خمس سنوات.
ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة بما بلغ إجمالا 800 نقطة أساس منذ أن غزت روسيا أوكرانيا في أوائل 2022.
وخفضت مصر قيمة عملتها بشكل حاد ثلاث مرات منذ أن كشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن نقاط الضعف في ماليتها العامة.
ولكن مع كل تخفيض لقيمة العملة، كان البنك المركزي يسعى بعد ذلك إلى الحفاظ على استقرار الجنيه، غير أنه سرعان ما تتجاوز السوق السوداء والعقود الآجلة غير القابلة للتسليم السعر الجديد.
وقال جيرجي يورموشي من بنك سوسيتيه جنرال إنه مع تجاوز سعر الجنيه في العقود الآجلة غير القابلة للتسليم لمدة 12 شهرا 40 للدولار، فإن تخفيض قيمة الجنيه على نطاق واسع مسألة وقت.
وأضاف يورموشي "لا يوجد وقت مثل الوقت الحالي لمواءمة أسعار الصرف مع الأساسيات"، مضيفا أن إعلان السياسة في 30 مارس آذار هو "أحد أكثر الأحداث المتوقعة في منطقة" أفريقيا.
كما أن ضعف العملة وارتفاع التضخم، الذي بلغ أعلى مستوى في خمسة أعوام ونصف العام في فبراير شباط عند 31.9 بالمئة، زادا من الضغط على البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة حتى لو زاد ذلك تكاليف خدمة الديون الحكومية المتصاعدة.
ومن بين ديون مصر الخارجية الكبيرة، هناك 3.5 مليار دولار من المدفوعات لبرامج صندوق النقد الدولي السابقة التي تستحق بحلول نهاية هذا العام.
وتظهر السوق السوداء استمرار نقص العملة الصعبة الذي تعاني منه مصر منذ ما يزيد على عام.
وقال فاروق سوسة من جولدمان ساكس (NYSE:GS) "الطلب على النقد الأجنبي مستمر في تجاوز المعروض مما يوفر الظروف لنمو السوق الموازية".
وأضاف "تقلصت خيارات مصر إلى خيار بسيط: إما تحسين وضع المعروض من النقد الأجنبي من خلال مبيعات الأصول والإصلاحات، أو خفض الطلب على العملة الصعبة عبر مزيد من الإجراءات المؤلمة".
وأضاف سوسة أن مثل هذه الإجراءات ستشمل على الأرجح مزيدا من خفض قيمة الجنيه ورفع أسعار الفائدة وستؤدي إلى زيادة التضخم وخفض مستوى معيشة المواطن المصري العادي.
* تعهد لم يتحقق
سعت مصر إلى تجنب تلك الإجراءات عندما أعلنت عن خطة طموح لبيع الأصول الحكومية قبل عام.
ومع ذلك، توقف البرنامج مع عدم وجود مبيعات كبيرة منذ أن اتفقت مصر على حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر تشرين الأول. وفي إطار هذا الاتفاق، تعهدت القاهرة أيضا "بتحول دائم إلى سعر صرف مرن" لم يتحقق بعد.
ويقول محللون إن ضعف العملة وتعويمها سيقلل من استنزاف الدولار عن طريق عدم الإقبال على الواردات مع زيادة التحويلات الدولارية من المصريين العاملين في الخارج وتنشيط السياحة.
ويقول مصرفيون إن المصريين في الخارج يخشون في الوقت الحالي من اتجاه الجنيه إلى مزيد من الضعف، لذلك فهم إما يحتفظون بما يجنونه أو يستخدمون تجار السوق السوداء لإرسال الأموال إلى مصر.
في غضون ذلك، ابتعد المستثمرون عن سندات الخزانة المصرية وسندات الخزانة المصرية بالعملات الأجنبية (يوروبوندز)، مما جعل النقد الأجنبي لدى الحكومة المصرية شحيحا مع تراكم واردات بمليارات الدولارات في الموانئ بسبب نقص العملة الأجنبية لتخليصها.
ويقول مصرفيون إن العملات الأجنبية جفت تماما في سوق ما بين البنوك (الإنتربنك) مع اضطرار معظم المصارف إلى الاعتماد على مشتريات العملاء بالجنيه أو على تحويلات المصريين العاملين في الخارج.
وقالت مونيكا مالك من بنك أبوظبي التجاري "من المتوقع على نطاق واسع تخفيض قيمة العملة مرة أخرى، لكن ذلك في حد ذاته لن يجلب على الأرجح تدفقات رأس المال التي تشتد الحاجة إليها".
وأضافت "يجب أن تكون هناك علامات ذات مغزى على المضي في الإصلاح للمساعدة في بدء إعادة بناء ثقة المستثمرين، ومنها أن يكون الجنيه المصري مرنا حقا والسياسة النقدية وبرنامج الخصخصة أكثر تشددا"، معبرة عن اعتقادها بأن سعر الجنيه سيستقر حينها بين 36 و38 مقابل الدولار بعد أن يتجاوز ذلك المستوى في البداية.
(شارك في التغطية مارك جونز وكارين شتروهيكر - إعداد محمد علي فرج للنشرة العربية - تحرير علي خفاجي)