أظهر الاقتصاد الأمريكي اليوم عزيزي القارئ توسعا خلال الربع الثالث من هذا العام بنسبة 2.2%، وذلك في القراءة النهائية للناتج المحلي الإجمالي وسط التحسن الملحوظ في الأوضاع الاقتصادية خلال الفترة الماضية، مؤكدا بأن الاقتصاد الأمريكي خلّف وراءه أسوأ أزمة مالية منذ الكساد العظيم، وأن الاقتصاد يسير فعلا على خطى التعافي التدريجي.
مع العلم أن القارءة الثانية للناتج المحلي الإجمالي أتت لتشير بأن الاقتصاد الأمريكي حقق نمو بنسبة 2.8%، وكان من المتوقع أن تبقى هذه النسبة خلال الربع الثالث إلا أن التحديات لا تزال تقف أمام الاقتصاد الأمريكي وأمام تحقيقه لمستويات النمو المرجوّة، والتي تتمثل في معدلات البطالة المرتفعة إلى جانب أوضاع التشديد الائتماني، واضعين بالاعتبار أيضا التهديدات التضخمية، وهذا ما يشير أن الاقتصاد الأمريكي يلومه المزيد من الوقت حتى يتمكن من بناء قاعدة نمو صلبة والسير عليها.
حيث أن هذه التحديات المذكورة أعلاه من المتوقع أن تحد من نمو الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الرابع من هذا العام، إلا أن الجزء الأساسي من النمو ألا وهو مستويات إنفاق المستهلك لهذا الربع، فقد أشارت القراءة النهائية للناتج المحلي الإجمالي أن إنفاق المستهلك ارتفع بنسبة 2.8% ولكن بأدنى من التوقعات والقراءة السابقة عند 2.9%، ولكن الربع الرابع من هذا العام يتضمن موسم الأعياد والذي من المؤكد أن يدعم مستويات الإنفاق ليعزز الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأظهر تقرير وزارة التجارة الأميركية أن مختلف القطاعات الرئيسية في الاقتصاد تباين الأداء فيها خلال الربع الثالث من هذا العام، حيث أن بعضا من التحسن ظهر فيها والبعض الآخر لم يحقق الاستقرار بعد، مظهرة المؤشرات الفرعية ارتفاع البضائع المعمرة لتصل إلى 20.4% مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 20.1%، بينما تراجعت البضائع الغير معمرة خلال الربع الثالث لتصل إلى 0.8% مقابل 1.0% في القراءة الثانية للناتج المحلي الإجمالي.
وأشار التقرير أيضا أن صافي الاستثمارات الثابتة تراجع خلال الربع الثالث إلى 5.0% مقابل 8.4% في القراءة السابقة، أما الصادرات فقد ارتفعت لتصل إلى 17.8% مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 17.0%، بينما أضافت الورادات للناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثالث ما نسبته 21.3%، بينما تقلص الإنفاق الحكومي ليصل إلى 2.6% مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 3.1%.
ولا تزال المخزونات عزيزي القارئ تلقي ضغطها على النشاطات الاقتصادية، وذلك وسط محاولات المنتجين في تعديل مستويات المخزون لديهم لملاقاة الضعف الجاري في مستويات الطلب، إلا أن التغير في عجز المخزونات توسع خلال الربع الثالث ليصل إلى 139.2 مليار دولار مقارنة بالعجز السابق الذي بلغ 133.4 مليار دولار.
كما ان معدلات البطالة المرتفعة تواصل تأثيرها السلبي على مستويات إنفاق المستهلك، حيث وصل معدل البطالة خلال تشرين الثاني إلى أعلى مستوى له منذ 26 عام إلى 10.0% وذلك بالرغم من التحسن الملحوظ الذي ظهر في قطاع العمالة الأمريكي، واضعين بالاعتبار أن معدلات البطالة المرتفعة إلى جانب أوضاع التشديد الائتماني لا تزال تحد من ثروة المستهلك والتي تنعكس بالتالي على إنفاقه، مع العلم أن إنفاق المستهلك يشكل ما يقارب ثلثي النمو في الولايات المتحدة الأمريكية.
والجدير بالذكر أن البرامج والخطط التحفيزية ساهم في دعم الأوضاع الاقتصادية في كل من قطاع المنازل والقطاع المالي وأيضا القطاع الصناعي، إلا أن مجمل التحديات التي ذكرناها سابقا تحتّم التعامل معها بحذر شديد وذلك حتى يتمكن الاقتصاد الأمريكي من النمو على المدى البعيد والذي من المتوقع أن يتحقق خلال الربع الرابع، حيث من المؤكد ان يتلقى الربع الرابع دعما جراء موسم الأعياد الذي نمر به والذي من الجدير ان يساهم في تعزيز مستويات الإنفاق لدى المستهلك، إلا أن التوقعات تشير إلى أن معدلات البطالة إلى جانب الأوضاع الائتمانية الصعبة والتي قد تؤثر سلبا على نمو الاقتصاد الأمريكي خلال الربع القادم.
كما أشار التقرير أيضا أن الناتج المحلي الإجمالي للأسعار الحالية تراجع قليلا ليصل إلى 0.4% خلال الربع الثالث مقارنة بالقراءة السابقة والتوقعات عند 0.5%، في حين أن نفقات الاستهلاك الشخصي الجوهري ارتفعت لتصل إلى 1.2% ولكن بأدنى من التوقعات والقراءة السابقة عند 1.3%، وهذا ما يؤكد ان الاقتصاد الأمريكي يواصل سيره نحو التعافي من أسوأ مرحلة من الركود، بيد أن التحديات لا تزال العائق الأكبر في الوقت الراهن، وبالتالي من المرجح أن يواصل الاقتصاد الأمريكي توسعه ولكن بوتيرة بطيئة إلى حين تحقق التعافي التام بحلول العام 2011.
كما صدر عن الاقتصاد الأمريكي أيضا مؤشر مبيعات المنازل القائمة والتي أتت بأفضل من التوقعات خلال تشرين الثاني، حيث ارتفعت لتصل إلى 7.4% أو 6.54 مليون وحدة سكنية مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 10.1% أو 6.10 مليون وحدة سكنية والتي تم تعديلها إلى 9.9% أو 6.09 مليون وحدة سكنية، بينما بلغت التوقعات 2.5% أو 6.25 مليون وحدة سكنية.
وهذا ما يؤكد أن الاقتصاد الأمريكي يسير على خطى التعافي من أسوأ مرحلة من الركود، حيث تمكن برنامج الإفاء الضريبي الذي تم تمديده، من دعم مبيعات قطاع المنازل، وذلك عن طريق تشجيع المستهلكين الإقدام على شراء منازل جديدة ومعفاه من الضريبة.