وسط أزمة الديون الأوروبية التي ارتأى الكثيرون بأنها قد تكون سبباً لانهيار الاتحاد الاقتصادي الأوروبي، و مع انهيار سعر صرف اليورو مقابل العديد من العملات الأجنبية، خرجت آمال في الأسواق المالية مزجت في الحذر إلا أنها استطاعت أن تأخذ أسواق الأسهم و السلع الأوروبية في موجة صاعدة هذا اليوم لتقلب اتجاه أسواق الأسهم هذا الأسبوع رأساً على عقب و نرى موجة صاعدة فيها. اتجهت هذه الآمال نحو أن تكون الخطط الموضوعة من قبل إسبانيا و إيطاليا و المملكة المتحدة و العديد من الدول الأخرى سبباً لإيقاف مخاطر أزمة الديون الأوروبية. من جهة أخرى، نرى بأن التوقعات أصبحت تشير إلى أن الاقتصاد الدولي قد يحقق نمواً أكبر مما كان يعتقد به سابقاً و هذا أيضاً ما خفف من الضغوط السلبية على الأسواق الأوروبية. شهدنا اليوم أيضاً ارتفاعاً في سعر صرف اليورو بدعم من إعلان من منظّمي و مراقبي النقد الأجنبي في الصين.
تم الإشارة من خلال هيئة تنظيم النقد الأجنبي الصينية إلى أن الإشارات عن انهيار اليورو و غيرها من الأقاويل بأن لا أساس لها، و هذا ما أعطى ثقة بأن البنك الصيني لن يترك اليورو بل سوف يبقي عليه ضمن احتياطيه الأجنبي. كان هذا أحد الأسباب المهمة في دعم اليورو هذا اليوم و استجابته للتحسن الذي تشهده الأسواق المالية للأسهم.
بالنسبة لسعر صرف اليورو بحسب بعض التقارير، فأن الانخفاض الحاد الذي حصل قد يكون تحت السيطرة خصوصاً و أننا نرى البنوك المركزية تدعم اليورو و من هذه البنوك بنك سويسرا الوطني و البنك المركزي الأوروبي فيما العديد من الجهات الأخرى تقوم بدعمه بشكل غير مباشر و أحياناً بشكل مباشر ! ليس سهلاً على الاقتصاد الأوروبي و لا على غيره من الاقتصاديات أن ينهار اليورو، بل استقراره أمر ضروري على الأقل في الوقت الراهن إذ أن الاقتصاد الدولي ما زال ينفض عن نفسه غبار الركود الاقتصادي الأسوأ منذ الكساد العظيم و الذي ضرب به خلال العامين الماضيين.
نرى مؤشر داكس الألماني في هذه اللحظات ( في تمام الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش ) يتداول في ارتفاع مقداره 1.16% فيما أيضاً يتداول مؤشر كاك 40 الفرنسي بارتفاع مقداره 1.11%. امتدت موجة التفاؤل أيضاً إلى المملكة المتحدة لنشهد ارتفاعاً في مؤشر فوتسي 100 البريطاني مقداره 1.26% و الاتجاه الإجمالي في مؤشرات الأسهم الأوروبية هذا اليوم يميل للإيجابية. آمال تحسّن النمو في الاقتصاد الدولي إلى جانب توقعات استمرارية النمو في الاقتصاد الأكبر في العالم – الاقتصاد الأمريكي- أعطت بعض الثقة التي لا يجب إنكار أنها ممزوجة في الحذر الشديد، نمو الاقتصاد الأمريكي و التحسّن في حال استمر في الاقتصاد الدولي قد يكون عوناً للاقتصاد الأوروبي و الاقتصاد البريطاني في تعدّي المرحلة الحالية التي تعتبر مرحلةً صعبة جداً لهما في ظل مخاوف امتداد أزمة الديون إلى الدول الأوروبية و ارتفاع احتمالات تأثير ذلك على الاقتصاد الدولي.
تخفيض الإنفاق في إيطاليا بحسب ما ورد من وزير المالية في الدولة سبب للاعتقاد بأن ارتفاع العجز في الموازنة إلى 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي أمر مقلق فعلاً حيث أن ذلك أعلى من الحد المسموح عند 3.0% بحسب قواعد الاتحاد الأوروبي. لكن خطوة مثل هذه تعيد الثقة لدى الكثير من المتداولين رغم أنها قد تكون فيها بعض الخطورة تجاه النمو إلا أنها قد تنقذ الدولة من الوقوع في مشكلة مشابهة لما حصل في اليونان. كذلك الأمر في إسبانيا و المملكة المتحدة، المتداولون الآن ينظرون إلى الإيجابية في هذه القرارات لكن مع ترك عين لرقابة أي متغير سلبي يشير إلى أن هذه القرارات قد لا تكون كافية.
ارتفاع الثقة الذي نراه في الأسواق المالية قد لا يكون ناشئاً عن إيجاد حلول سحرية لأزمة الديون الأوروبية، و ليس أيضاً بسبب اقتناع المتداولين بأن الأزمات الاقتصادية انتهت تماماً، لكن في المقابل هذه الثقة التي سادت الأسواق المالية هذا اليوم و يوم أمس كان سببها الاعتقاد بأن الانزلاق في مؤشرات الأسهم و السلع خلال الفترة الماضية كان مبالغاً فيه في المقدار و زمنياً.
منذ بداية هذا الشهر، انخفض سعر صرف اليورو 8.0% تقريباً فيما منذ ستة أشهر انخفض بمقدار 20% تقريباً، هذا مقابل الدولار الأمريكي. فيما انخفض مقابل العديد من العملات منها الدولار الكندي و الفرنك السويسري إلى مستويات متدنية قياسية.
لا توجد بيانات من الاتحاد الأوروبي، لكن نرى من إيطاليا بيانات أشارت إلى ارتفاع غير متوقع في ثقة الأعمال فيما أشارت إلى ارتفاع في معدّل الأجور على مقياس السنة خلال شهر تيسان الماضي. من جهة أخرى نرى بأن الثقة انخفضت في فرنسا بحسب تقرير ثقة المستهلك الفرنسي لشهر أيار الجاري من مستوى 37- إلى مستوى 38- و هذا الانخفاض طبيعي جداً في ظل الظروف الاقتصادية الحالية في الاتحاد الأوروبي، لكن في المقابل نرى بأن الانخفاض في الثقة ما زال محدوداً .
خطوات الحكومة الأوروبية، استمرارية التعافي الاقتصادي في العالم بقيادة الدول الآسيوية و كذلك الولايات المتحدة الأمريكية، أسباب تدفع المتداولين للتفاؤل و لو قليلاً وسط سوداوية النظرة العامة. خطوات الحكومات الأوروبية قد يكون لها دور كبير في إيقاف تأثير أزمة الديون السيادية و أزمة توسّع العجز و رغم تأثيرات ذلك على النمو إلا أننا نرى بأن الاقتصاد الدولي في حال تحسّن أكثر بالفعل قد يعادل انخفاض الإنفاق الحكومي الأوروبي مما قد يبقي على الوضع مستقراً إلى حد ما.
توقعات منظمة التعاون و التمنية الاقتصادية OECD أعطت مزيداً من الثقة، توقعات نمو الاقتصاد البريطاني بمقدار 1.3% هذه السنة و 2.5% السنة القادمة على جانب توقعات المنظمة في أن يحقق الاتحاد الأوروبي نمواً مقداره 1.2% هذه السنة و 1.8% العام القادم بثّت الثقة في الأسواق المالية. من جهة أخرى فتوقعاتنا بنمو الاقتصاد الدولي بمقدار 4.6% هذه السنة و 4.5% السنة القادمة ساعدت في أن يرى المتداولون بأن الانزلاق الكبير لمؤشرات الأسهم العالمية لتصل إلى حافة المنحدر كان مبالغاً فيها و بذلك استطاعت العديد من الأسباب هذا اليوم و يوم أمس أن تقلل من التشاؤم المتواجد في الأسواق المالية لكن في نفس الوقت لا نستطيع أن ننكر أن المتداولين قد يهلعون في حال ظهرت أي مشكلة صغيرة.