من أحمد أبو العينين
القاهرة (رويترز) - ألقت الشرطة في مصر القبض على سارة حجازي وتعرضت للضرب على أيدي سجينات في مكان احتجازها ويمكن أن تواجه حكما بالسجن مدى الحياة إذا أدانها القضاء بالتحريض على الفسق والفجور وغير ذلك من الاتهامات المتصلة بجريمتها المزعومة وهي رفع علم قوس قزح في حفل بالقاهرة.
وتنفي سارة (28 عاما) أن تكون رفعت العلم لكنها صارت من بين 57 شخصا ألقي القبض عليهم خلال الأسابيع الثلاثة الماضية في أوسع حملة تشنها مصر على المثليين إلى الآن وذلك في رد سريع وصارم على إعلان نادر عن دعم حقوق المثليين وثنائي الميول الجنسية والمتحولين جنسيا في البلد المسلم المحافظ.
تأتي الحملة في وقت تتعرض فيه مصر، وهي حليف رئيسي للغرب في الشرق الأوسط، لانتقادات شديدة لسجلها في مجال حقوق الإنسان وفي الوقت الذي علقت فيه الولايات المتحدة تسليم بعض مساعداتها العسكرية للقاهرة والتي تبلغ 1.3 مليار دولار سنويا.
وتقول سارة، وهي المرأة الوحيدة التي اعتقلت في الحملة التي استغرقت ثلاثة أسابيع، إن الشرطة حرضت محتجزات معها على الإساءة لها في أول ليلة تقضيها رهن الاحتجاز.
وكانت نيابة أمن الدولة العليا التي تحقق في قضايا الإسلاميين قد أمرت بحبسها 15 يوما على ذمة التحقيق الذي تجريه معها.
وقالت هدى نصر الله محامية سارة "دي اللعبة اللي دائما بيلعبوها خصوصا انها بنت. بيحرضوا الجنائيين اللي في الحجز وطبعا بيبقى فيه ناس تبعهم ويقولوا لهم دي اللي عايزه الرجالة والستات يبقوا شواذ فبيضايقوها. كان فيه خدوش على كتفها وشكلها متبهدل وتعبان. كانت مضروبة".
ولم يعلق مسؤول أمني على قضية سارة لكنه قال إن الشرطة لا تحرض المحتجزين على بعضهم البعض ولا تسئ معاملتهم.
ويقول محامو معتقلين آخرين إن موكليهم حدث لهم نفس الشئ.
ويخضع المعتقلون المشتبه بأنهم مثليون لفحوص شرجية إجبارية لتحديد ما إذا كانوا مارسوا الجنس مع مثليين، وهو إجراء تقول منظمات حقوقية إنه يرقى إلى التعذيب.
وتقول منظمة العفو الدولية إن خمسة فحوص شرجية على الأقل أجريت. ولا تنفي المصادر القضائية إجراء الفحوص وتقول إنها تجرى على أساس قانوني وليست شكلا من أشكال التعذيب.
ولا تنكر السلطات أنها تلاحق المثليين. وعلى نحو صريح أشار محضر تحقيق قدمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي منظمة حقوقية، نسخة منه لرويترز إلى حملة الشرطة على المثليين.
وترى الشرطة ووسائل إعلام مرتبطة بالدولة والمؤسسة الدينية أن من واجباتها مكافحة انتشار المثلية.
وخلال الحملة الحالية حوكم عشرة أشخاص وعوقبوا بالسجن بين سنة وست سنوات.
* رد فعل إعلامي عنيف
في حفل موسيقي أقامته تحت اسم (مشروع ليلى) فرقة لبنانية يعلن أبرز مغن فيها عن مثليته، وفي حضور 30 ألف متفرج يوم 22 سبتمبر أيلول، رفعت مجموعة صغيرة من الجمهور علم قوس قزح الذي يرمز للمثليين. وفي غضون ساعات انتشرت الصورة على أوسع نطاق.
وعلى الفور بدأت وسائل الإعلام المحلية التي يهيمن عليها موالون للحكومة حملة على المثليين وقالت إنهم يتلقون تمويلا من الخارج، كما استضافت متحدثين من بين الجمهور قالوا عبر الهاتف إن المثليين لا يقلون خطرا عن تنظيم الدولة الإسلامية.
وأعقب ذلك صدور قرار من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بمنع ظهور المثليين في وسائل الإعلام إلا لإعلان "التوبة" عما فعلوا. ووصف المجلس المثلية بأنها "مرض وعار يحسن التستر عليه لا الترويج لإشاعته" وذلك لحماية الأخلاق العامة.
وقال الأزهر إنه سيتصدى للمثليين بالطريقة نفسها التي يتصدى بها للإسلاميين المتطرفين. وعقدت إحدى الكنائس مؤتمرا مناوئا للمثلية.
وأمر النائب العام نبيل أحمد صادق بأن تتولى نيابة أمن الدولة العليا التحقيق في رفع علم قوس قزح في حين يتولى هذا الفرع من النيابة العامة التحقيق في قضايا الإرهاب والقضايا الأخرى التي تمس الأمن الوطني.
وألقي القبض على أربعة أشخاص على الأقل في واقعة رفع العلم بينهم سارة حجازي وأحمد علاء (21 عاما) رغم أن شخصا أفرج عنه بعد إلقاء القبض عليه.
ومع ذلك لا صلة للأغلبية الساحقة ممن اعتقلوا في الأيام التالية لرفع علم قوس قزح بالواقعة بل ألقي القبض عليهم ببساطة على أساس توجهاتهم الجنسية المفترضة.
وقال المحامون المدافعون عن المقبوض عليهم إن معظمهم اعتقلوا في مداهمات الشرطة لبيوت وحفلات وإن الشرطة استخدمت أيضا صفحات المواعدة على الإنترنت لإغواء مثليين من الرجال والإيقاع بهم.
وفي محكمة بالقاهرة وقف المتهمون في قفص الاتهام وقد غطوا وجوههم بالصحف والكتب تجنبا للوصم بالمثلية وهي عار في هذا المجتمع المحافظ.
* أسوأ حملة إلى الآن
على الرغم من أن المثلية غير مجرمة على نحو محدد في مصر يوجد في المجتمع تمييز صارخ ضد المثليين.
وشنت السلطات أكبر حملة سابقة على المثليين في 2001 عندما اقتحمت الشرطة ملهى ليليا على مركب في النيل يسمى (كوين بوت). وفي ذلك الوقت ألقي القبض على 52 رجلا قدموا للمحاكمة وسط إدانات واسعة من منظمات حقوقية وحكومات غربية.
لكن الحملة الحالية فاقت حملة 2001 سواء في أعداد المقبوض عليهم أو سرعة الإجراءات الرسمية ضد المعتقلين على حد تعبير داليا عبد الحميد التي تعمل في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وأشارت إلى أن المحاكمات هذه المرة أسرع من المعتاد.
ولم تعلن أي حكومة غربية إدانتها للحملة الحالية ولم تتناولها أي حكومة بالتعليق، لكن مصر تواجه انتقادا من الولايات المتحدة لسجلها في مجال حقوق الإنسان. وفي أغسطس آب قالت مصادر أمريكية لرويترز إن واشنطن حرمت مصر من 95.7 مليون دولار مساعدات وأجلت تقديم 195 مليون دولار أخرى لفشل القاهرة في إحراز تقدم في مجالي حقوق الإنسان والديمقراطية.
لعبت مصر دورا كبيرا في الأمم المتحدة في معارضة حقوق المثليين. وكانت واحدة من 13 دولة صوتت الأسبوع الماضي ضد مشروع قرار أمريكي يدين تطبيق عقوبة الإعدام عن ممارسة الجنس المثلي.
كما قادت مصر 12 دولة أخرى لمقاطعة جلسة في يناير كانون الثاني مع أول خبير للأمم المتحدة في مجال العنف والتمييز ضد المثليين. وفي وقت لاحق من العام الماضي بعثت بخطاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة نيابة عن الدول الإسلامية كان سببا في استبعاد 22 جماعة مدافعة عن حقوق المثليين وثنائي الميول الجنسية والمتحولين جنسيا من الاجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة حول القضاء على الأيدز.
يقول مثليون ونشطاء حقوقيون إن المثليين وثنائي الميول الجنسية والمتحولين جنسيا يواجهون حملة شرسة منذ منتصف 2013 .
وقالت داليا عبد الحميد إن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وثقت 232 قضية بين اكتوبر تشرين الأول 2013 ومارس آذار 2017 اعتقل فيها أشخاص للزعم بأنهم مثليون أو متحولون جنسيا. ونظرت المحكمة كثير من هذه القضايا وكان متوسط أحكامها السجن ثلاث سنوات على الرغم من أن السجن في بعض هذه القضايا وصل إلى 12 سنة.
انتقدت جماعة الإخوان المسلمين السيسي قائلة إنه مناوئ للإسلام وتقول جماعات حقوقية إن التشدد في معاملة المثليين وثنائي الميول الجنسية والمتحولين وسيلة للرد على هذا الانتقاد وكذلك للفت الانتباه عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
* طائفة خائفة
نشرت الحملة الأخيرة الخوف بين مجتمع المثليين وثنائي الميول الجنسية والمتحولين التي تعيش في السر بالفعل في المجتمع المصري. وقال خمسة رجال مثليين لرويترز طلبوا ألا تنشر أسماؤهم إنهم يتجنبون الأماكن التي تظهر فيها المشاعر المثلية ويغلقون الصفحات الالكترونية المخصصة للمواعدة خشية إلقاء القبض عليهم.
ويفكر آخرون في مغادرة البلاد.
لكن التطورات الأخيرة تبرز واقعا معاشا للمثليين المصريين: إنهم يواجهون باستمرار خطرا بدنيا.
قال رجل مثلي عمره 25 عاما "لا أشعر بالارتياح فقط لأنني أنا. نحن لا نتكلم عن حقوق المثليين هنا وليس هناك من يدعو إلى المساواة في مجال الزواج. نحن نواجه إمكانية السجن والإذلال لمجرد أننا نحيا".
وروى رجل مثلي عمره 31 عاما كيف أن رجلين أوثقاه وضرباه في شقته بالقاهرة وهدداه بالقتل بعد أن عرفاه من وسيلة للمواعدة بين المثليين.
في مرحلة ما ارتدى الرجلان زي ضباط الشرطة استغلالا لخوف المثليين المصريين الدفين منهم وذلك قبل أن يسرقا أشياء من الشقة. ويقول الرجل إنه شعر لاحقا بأن إبلاغ الشرطة لن يكون أقل إيلاما تقريبا عن الحادثة نفسها.
وقالت داليا عبد الحميد إن سجلات الشرطة توثق قيام ضباط بفتح صفحات مواعدة زائفة مع مثليين من أجل إلقاء القبض على من يأتي منهم. وأضافت أنهم يطلبون من الرجال أحيانا إحضار الواقي الذكري معهم ثم يتم استخدامه دليلا ضدهم.
وأضافت قائلة "هناك في وزارة الداخلية من يأخذون أموالنا كدافعي ضرائب للانخراط في حوارات جنسية مع أشخاص ثم إلقاء القبض عليهم. وأضافت أن من المثير للسخرية أن يكون من بين الأدلة صور عارية وحوارات مثيرة".
(إعداد محمد عبد اللاه للنشرة العربية - تحرير أحمد حسن)