أسبوع جديد بانتظارنا عزيزي القارئ، حيث سيعود الاقتصاد الأمريكي في الأسبوع المقبل لإصدار بيانات وأخبار اقتصادية من العيار الثقيل، تماماً كما كان الحال في الأسبوع الماضي، الأمر الذي سيساعدنا على الخروج بنظرة مستقبلية جيدة لما آلت إليه الأوضاع في الاقتصاد الأمريكي، وذلك من خلال إصدار الاقتصاد الأمريكي لبيانات الناتج المحلي الإجمالي، بيانات قطاعي الصناعة والمنازل، ناهيك عن إصداره لتقرير الدخل و محضر اجتماع اللجنة الفدرالية المفتوحة، لذلك فإن الاقتصاد الأمريكي سيكون محركاً رئيساً للأسواق خلال الأسبوع القادم.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن عيد الشكر يهل على الولايات المتحدة الأمريكية يوم الخميس المقبل، علماً بأن عيد الشكر يهل على أمريكا في الخميس الرابع من شهر تشرين الثاني في كل عام، لذلك فإن تركيز البيانات الأمريكية خلال الأسبوع المقبل سيكون في أيام الثلاثاء والأربعاء، على أن تشهد الأسواق الأمريكية عطلة رسمية في يوم الخميس وإغلاقاً مبكراً يوم الجمعة.
بداية أسبوعنا المقبل ستكون مع تقرير الناتج المحلي الإجمالي بقراءته الثانية للربع الثالث من هذا العام، حيث من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الأمريكي تحسناً في معدلات النمو خلال الربع الثالث، حيث أشار البنك الفدرالي إلى أن نمو الاقتصاد الأمريكي سيكون ضمن وتيرة "أكثر اعتدالا" مما سبق خلال الفترة المقبلة، بيد أن العوائق لا تزال تقف أمام الاقتصاد، والمتمثلة بشكل رئيس في ارتفاع معدلات البطالة وتشديد شروط الائتمان.
ومن المتوقع أن نشهد ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بقراءته الثانية للربع الثالث من هذا العام لتصل غلى 2.5 بالمئة، بالمقارنة مع ما كان مسجلاً عليه في السابق عند 2.0 بالمئة، كما ومن المتوقع أن يشهد الاستهلاك الشخصي تراجعاً طفيفاً ليصل إلى 2.5 بالمئة بالمقارنة مع القراءة السابقة والتي بلغت 2.6 بالمئة، مع العلم بأن مستويات إنفاق المستهلكين تمثل حوالي ثلثي الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.
وقد أشارت بيانات الأسبوع الماضي إلى أن التضخم لا يزال تحت السيطرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بحسب مؤشري أسعار المنتجين والمستهلكين وفي قراءة شهر تشرين الأول، إلا أن تلك البيانات سلطت الضوء على مخاوف البنك الفدرالي الأمريكي من ارتفاع المخاطر التنازلية للتضخم، وسط استمرار ضعف الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية بالمجمل، فعلى ما يبدو وبأن عجلة التعافي والانتعاش في الولايات المتحدة عاشت حالة من العطلة أو الاسترخاء خلال الأشهر الماضية، وذلك بسبب ارتفاع معدلات البطالة، تشديد شروط الائتمان، وبالتالي فإن البنك الفدرالي قرر تفعيل الجولة الثانية من سياسة التخفيف الكمي (تيسير سياساته النقدية)، في مسعى منه لدعم عجلة النمو في الاقتصاد الأمريكي، هذا بالإضافة إلى ضمان ارتفاع معدلات التوظيف واستقرار الأسعار في أمريكا، إلا أن تياراً في الاقتصاد الأمريكي يؤكد على أن ما أقره الفدرالي لن يكون كافياً لدعم النمو في البلاد.
كما وسيصدر عن الاقتصاد الأمريكي في الأسبوع المقبل تقرير طلبات البضائع المعمرة والتي من المتوقع أن تشهد انخفاضاً خلال تشرين الأول مقارنة بالارتفاع السابق، ولكن من المتوقع أن نشهد ارتفاع طلبات البضائع المعمرة باستثناء المواصلات وبشكل جيد بالمقارنة بالانخفاض السابق لنفس المؤشر المستثنى منه المواصلات، وهذا ما أشار إليه البنك الفدرالي ورئيسه بن برنانكي في كافة اجتماعاته مؤخراً، وهو أن الاقتصاد الأمريكي يواصل سيره نحو التعافي ولكن بوتيرة "أكثر اعتدالا" مما كانت في السابق.
وسيكون قطاع المنازل الأمريكي متواجداً على ساحة المعركة الخاصة بالأسبوع المقبل، حيث سيصدر عنه تقرير مبيعات المنازل القائمة والتي من المتوقع أن تنخفض خلال تشرين الأول، في حين من المحتمل أن تشهد مبيعات المنازل الجديدة انخفاضاً طفيفاً خلال الشهر ذاته، حيث لاحظنا انخفاض مؤشر تصريحات البناء الأمريكية والذي صدر خلال الأسبوع المنصرم -وهو المؤشر الذي يعطي نظرة مستقبلية عن مستويات الطلب على المنازل- إذ شهدنا هبوط مستويات الطلب على المنازل وسط تحول المستهلكين إلى الادخار بدلا من الإنفاق في الفترة الأخيرة.
وتتجه الأنظار خلال الأسبوع المقبل إلى تقرير الدخل، حيث من المتوقع أن يشير التقرير إلى أن الدخل الشخصي ارتفع خلال شهر تشرين الأول ليصل إلى 0.4 بالمئة، كما وتشير التوقعات إلى أن إنفاق المستهلكين سيرتفع هو الآخر بنسبة 0.4% خلال الفترة ذاتها، الأمر الذي يؤكد على أن مستويات الدخل والإنفاق لا تزال ضعيفة في الولايات المتحدة الأمريكية، وسط تحسن تلك المستويات بوتيرة بطيئة جداً، مما لا يساعد الاقتصاد الأمريكي بالشكل المطلوب.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن الإنفاق يشكل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن تراجع معدلات الإنفاق ضمن الاقتصاد الأمريكي تقود تباطؤ معدلات النمو في البلاد، لتؤكد تلك البيانات على أن عجلة التعافي والانتعاش لا تزال تبحث عن استقرارها المفقود، الأمر الذي شهدناه من خلال البيانات والأخبار الاقتصادية التي صدرت مؤخراً عن الاقتصاد الأمريكي، والتي أشارت إلى أن الاقتصاد الأمريكي شهد ولا يزال يشهد تراجعاً في أنشطته الاقتصادية، وذلك في شتى قطاعات الاقتصاد، بما فيها قطاع الصناعة الأمريكي، قطاع الخدمات، إلى جانب قطاع المنازل.
ومن المتوقع أن يؤكد تقرير الدخل أيضاً على أن معدلات التضخم لا تزال قابعة تحت سيطرة الفدرالي الأمريكي، وسط استقرارها نوعاً ما خلال تشرين الأول، وذلك بحسب المؤشر المفضل لدى البنك الفدرالي الأمريكي لقياس التضخم -مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي-، حيث تشير التوقعات إلى أن المؤشر الجوهري ارتفع على صعيده الشهري وبشكل طفيف ليصل إلى 0.1% خلال شهر تشرين الأول، في حين تؤكد تلك التوقعات على أن المؤشر وعلى صعيده السنوي فسينخفض ليصل إلى 1.1 بالمئة خلال تشرين الأول.
ومن الجدير بالذكر بأن البنك الفدرالي الأمريكي يتوقع بقاء معدلات التضخم تحت السيطرة خلال العامين المقبلين، نظراً لكون ضعف الأوضاع الاقتصادية خلال الوقت الراهن سيعمل على إثقال كاهل الأسعار في الولايات المتحدة أكثر وأكثر، وبالتالي فإن التضخم سيقبع على الأرجح تحت المستويات التي يبدأ البنك الفدرالي الأمريكي عندها بالقلق والبالغة 2 بالمئة، إلا أن مخاطراً من نوع آخر بدأت بالظهور على الساحة، وحذر الفدرالي الأمريكي منها مؤخراً والمتمثلة في ارتفاع المخاطر التنازلية للتضخم، أو مخاطر الانكماش التضخمي، مع الإشارة إلى أن الكثير من الأصوات تعارض ما أقدم عليه البنك الفدرالي الأمريكي في الجولة الثانية من التخفيف الكمي، حيث تؤمن وجهة النظر تلك بأن خطوة البنك الفدرالي الأمريكي ستقود ارتفاع معدلات التضخم بالتأكيد، وذلك حال اكتساب عجلة التعافي والانتعاش في البلاد لبعض الزخم، كما وستنعكس خطوة الفدرالي الأمريكي بالمزيد من الضعف على الدولار الأمريكي، الأمر الذي قاد أسعار السلع الأساسية إلى الارتفاع في الآونة الأخيرة، بما فيها أسعار النفط، والتي عادة ما يكون لها اليد الأطول في ارتفاع معدلات التضخم.
ومن جهة أخرى فإن مؤشر البيانات التي صدرت مؤخراً لا بد وأن يساعد في تراجع حدة المخاوف تلك تارة وفي ازديادها تارة أخرى، فعلى ما يبدو وبأن المخاطر النتازلية للتضخم بدأت تشكل تهديداً، وعلى الرغم من هذا فإننا لا نعتقد بأن مخاطر الانكماش التضخمي حقيقية في الاقتصاد الأمريكي خلال الوقت الراهن، وذلك بحسب ما تسير به عجلة التعافي والانتعاش حتى الآن.
وفي تمام الساعة 19:00 بتوقيت غرينيتش من يوم الأربعاء الموافق الرابع والعشرين من تشرين الثاني فسنشهد صدور محضر اجتماع اللجنة الفدرالية المفتوحة، حيث كان البنك الفدرالي الأمريكي قد أبقى على أسعار الفائدة الرئيسية في الولايات المتحدة دون تغيير عند مستوياتها المتدنية الحالية ما بين 0.00% و 0.25%، إلا أن ما هو أهم كان مع إعلان البنك عن الجولة الثانية من تيسير سياساته النقدية وذلك من خلال إعادة إحياء برنامج التخفيف الكمي، حيث أشار البنك إلى أنه يعمل على دعم عجلة النمو المتعثرة في البلاد من خلال ذلك.
أخيراً وليس آخراً فسيصدر عن الاقتصاد الأمريكي خلال الأسبوع المقبل مؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلكين وذلك في القراءة النهائية لشهر تشرين الثاني، حيث من المتوقع أن يرتفع المؤشر بشكل بسيط، وهذا ما أشرنا له أعلاه، حيث أن الاقتصاد الأمريكي يسير على وتيرة نمو معتدلة بأداء متباين ومختلط.
وبالتالي فلا بد لنا من توقع أسبوعاً مليئ بالتقلبات مرة أخرى، وفي جميع الأسواق المالية بما فيها أسواق العملات، أسواق الأسهم، إلى جانب أسواق السلع الأساسية، مع الإشارة إلى أن ارتفاع الدولار الأمريكي كان عنواناً في الأسبوع الماضي، وكما أسلفنا فإننا نتوقع أسبوعاً متأرجحاً للدولار الأمريكي، وبحسب البيانات الأمريكية التي ستصدر في الأسبوع المقبل، في حين من المتوقع أن تلحق السلع الأساسية بما فيها الذهب والنفط بنفس الطريق...