من خليل العشاوي وتوم بيري
اسطنبول/بيروت (رويترز) - من معسكرين مختلفين رفع الشقيقان أبو إلياس وأبو يوسف السلاح في الحرب على الرئيس السوري بشار الأسد.
فأحدهما عضو في فصيل من فصائل المعارضة كان يحظى في فترة من الفترات بدعم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. والثاني يعتنق الأفكار الدينية المتشددة وعضو في جماعة توصف على المستوى الدولي بأنها إرهابية.
ورغم خلافاتهما العقائدية فهما يعيشان في بيت واحد في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة وحاربا القوات الموالية للأسد وتنظيم الدولة الإسلامية من خندق واحد.
وقال أبو إلياس (40 عاما) عضو فيلق الشام المدعوم من تركيا "المهم أننا نقاتل عدوا واحدا". وأضاف "نعمل على تبادل المهارات العسكرية والمعلومات في البيت. ونتباحث بأمور الساحة السورية".
أما أبو يوسف (27 عاما) فينتمي إلى هيئة تحرير الشام المتشددة المعروفة سابقا باسم جبهة النصرة. وهو يقول "يحصل نقاش حول عمل كلا الفصيلين نلتقي في وجهات نظر كثير ونختلف في بعض النقاط حول الحل السياسي والثقة ببعض الدول الداعمة والاتفاقيات".
ويضيف "القواسم المشتركة بيننا أننا أبناء دين واحد.. وبلد واحد.. وهدف واحد. نقاط توافقنا أكثر من نقاط اختلافنا".
وتصور رحلتا الشقيقين المتوازيتان في الحرب الأهلية التي بدأت في العام 2011 تعقيدات تمييز قوات المعارضة التي تتسم بالتشدد الديني عن قوات المعارضة المعتدلة.
وتلك هي المهمة التي تواجهها تركيا وهي تسعى لتنفيذ اتفاق مع روسيا بخصوص محافظة إدلب التي تمثل جزءا من قوس من الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة على الحدود التركية.
وتمثل المحافظة جزءا من آخر مساحة كبيرة من الأرض في سوريا تسيطر عليها المعارضة وهي تعتبر من الناحية الفعلية، في الوقت الراهن على الأقل، في منطقة النفوذ التركي بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي.
وتتوقع روسيا أن تعمل تركيا على الفصل بين طرفي المعارضة بحيث ترحل المعارضة "المتشددة" عن منطقة منزوعة السلاح تم الاتفاق على إنشائها على الخط الأمامي مع القوات الحكومية بحلول يوم الاثنين. وتقول تركيا إن للمعارضة المعتدلة أن تبقى حيث هي.
وقد قالت الفصائل التي تحظى بالدعم التركي والتي تجمعها مظلة الجبهة الوطنية للتحرير إنها ستتعاون مع الجهود التركية رغم ما لديها من هواجس.
والشق الأصعب بالنسبة لتركيا هو حمل المتشددين على الالتزام بالاتفاق وبخاصة المقاتلين الأجانب الذين يقدر عددهم بالآلاف. وقد أشار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى أن هيئة تحرير الشام تتعاون مع بلاده رغم أن الهيئة لم تعلق على الاتفاق حتى الآن.
وفي أول تعليق على الاتفاق قالت هيئة تحرير الشام يوم الأحد إنها ترحب بالمساعي الرامية لحماية "المنطقة المحررة" من اجتياحها فيما يشير إلى موافقتها على الجهود التركية.
لكنها حذرت في الوقت نفسه من "مراوغة" الجانب الروسي وأكدت تمسكها بالسلاح وبالقتال من أجل الإطاحة بالأسد وخصت "المجاهدين الأجانب" بالثناء.
* مقاتلة قوات الأسد
يبين ما مر به أبو يوسف وأبو إلياس من تجارب أن رسم الخط الفاصل بين المعارضة "المتشددة" والمعارضة "المعتدلة" ليس بالأمر الهين في كل الأحوال.
فأبو إلياس درس القانون وتعلم المحاماة وله سبعة أبناء وكان يعمل موظفا بالحكومة عندما بدأت الحرب. وشارك في الاحتجاجات الأولى على حكم الأسد في بلدة دير الزور التي ينتمي لها الشقيقان في شرق سوريا.
وقال "كانت أيام لا تنتسى وكان الشعور جدا غريب بالنسبة لنا، اننا في سوريا ونخرج مظاهرات ضد النظام وآل الأسد".
ورفع أبو إلياس السلاح مع فصيل من فصائل الجيش السوري الحر في أوائل الحرب.
وبعد أن سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة دمر مقاتلوه بيته في دير الزور بتفخيخه بالمتفجرات ونسفه فيما وصفه أبو إلياس بأنه عمل انتقامي.
أما أبو يوسف الأعزب فكان طالبا عندما تفجر الصراع. وانضم إلى جبهة النصرة عندما ظهرت للمرة الأولى في دير الزور إذ جذبه إليها ما شهده من تدين أفرادها بمن فيهم الأجانب.
وحارب الاثنان تنظيم الدولة الإسلامية عندما هاجم شرق سوريا عام 2014 وتوجها شمالا مع أسرتهما عندما اجتاح التنظيم المنطقة. وما إن وصلا حتى انضم أبو إلياس إلى فيلق الشام واعتبر أن له "تموضعا سياسيا" في تركيا يمثل ميزة.
وتربط فيلق الشام صلات بالفرع السوري لجماعة الإخوان المسلمين التي نفذت انتفاضة في الثمانينيات والتي تعتبرها الحكومة جماعة إرهابية.
وكان فيلق الشام المقرب من تركيا من الأطراف التي حصلت على مساعدات من خلال برنامج أدارته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وقرر الرئيس دونالد ترامب إيقافه.
وقد اشتبكت هيئة تحرير الشام عدة مرات مع فصائل أخرى معارضة في الشمال الغربي وسحقت عددا من الفصائل التي تحظى بدعم خارجي.
وظل الشقيقان بمنأى عن هذه المشاكل رغم شدة العداوة بين المتشددين وبعض فصائل المعارضة في إدلب.
وفي الآونة الأخيرة خفت حدة التوترات في إدلب. وشكل مقاتلو المعارضة "غرفة عمليات" مشتركة تحسبا لشن القوات الحكومية السورية هجوما كان متوقعا إلى أن توصلت تركيا وروسيا لاتفاقهما الشهر الماضي.
وقال مسؤول في فصيل منافس إن هيئة تحرير الشام التي يقاتل أبو يوسف في صفوفها وسعت نطاق اتصالاتها بالفصائل الأخرى وقامت بزيارتها.
* "مصيدة روسية"
إذا صمد الاتفاق المبرم بين تركيا وروسيا فمن الممكن أن يؤدي إلى استقرار خريطة الصراع السوري لفترة من الوقت. ورغم أن الأسد مازال يتعهد باسترداد المنطقة فإن شن حملة على إدلب دون الدعم الروسي أمر مستبعد فيما يبدو.
وقال إردوغان في مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الشهر الماضي إن "المعارضة المعتدلة" يجب أن تكون جزءا من "عملية دولية لمكافحة الإرهاب" تستهدف "العناصر الإرهابية والمتطرفة" و"تقدم المقاتلين الأجانب للعدالة".
ويرى أبو يوسف في تقسيم قوات المعارضة مؤامرة لإضعافها.
ويقول "الاتفاق الروسي التركي هو تكتيك مرحلة لإنهاء من بقي من مناطق الثورة ... فصل المتطرفين حسب زعمهم عن الثوار. لا أراه إلا تفريق قواتنا ليسهل قضمنا واحدا تلو الآخر. وما حصل مع جيش الإسلام في الغوطة خير شاهد. فالجميع عندهم إرهابيين".
ورغم ثقته بتركيا يشعر أبو إلياس بالقلق أيضا.
فقد قال "علاقة فيلق الشام بتركيا أمنت للمنطقة الكثير من الفوائد وهذا أمر مرحب به ... لكن نخشى أن يقع الأتراك ضمن الفخ الروسي والذي يهدف بالمجمل إلى نزع سلاح الهيئة".
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير نادية الجويلي)