تحليل: المحفزات المالية الأمريكية بنسبة 1% من الناتج المحلي تعزز النشاط الاقتصادي بنسبة 0.33%
عندما تعطس الولايات المتحدة، يصاب بقية العالم بالبرد، لكن ما الذي يحدث عندما تصاب بالحمى؟
بعد تجربة عام 2020 التي انخفض فيها الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5%، تستعد الولايات المتحدة للاستمتاع بانتعاش قوي في عام 2021 ببساطة من خلال العودة إلى الحياة الطبيعية مع استمرار حملات التطعيم ضد كورونا.
ومع ذلك، يمكن أن تشهد البلاد ما هو أكثر من ذلك، فقد تتجاوز إجمالي المحفزات حاجز الـ2.5 تريليون دولار هذا العام، إذا تمت الموافقة على قانون الرئيس جو بايدن للإغاثة من كوفيد -19، وهو ما قد يعزز الناتج الاقتصادي بسهولة إلى مستويات أعلى مما يقدره مكتب الميزانية بالكونجرس، أي الكمية التي يمكن أن ينتجها الاقتصاد دون زيادة الضغوط التضخمية.
وهذا الاحتمال يجعل بعض الاقتصاديين الأمريكيين يبحثون عن علامات تدل على تسارع النمو في الأسعار والأجور.
لكن الولايات المتحدة لا تعمل وحدها، فإذا حدث إنهاك مفرط للاقتصاد، فلن تنحصر آثاره داخل حدود البلاد، لكن بناء على كيفية حدوث الانتعاش، يمكن أن يكون الاقتصاد الأمريكي المحموم نعمة لبقية العالم أو مصدراً آخر للقلق.
وفي ظل اقتصاد مغلق لا يقوم بأي عمليات تجارية مع بقية العالم، يمكن أن يؤدي انخفاض الإنفاق إلى فقدان الوظائف وضغوط هبوطية على الأسعار، في حين أن الإفراط في الإنفاق يجب أن يدفع العمالة إلى ارتفاع وبالتالي ارتفاع الأسعار، حسبما ذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.
ولكن في حالة الاقتصاد المفتوح، فإن بعض آثار التغير في الطلب يمكن أن تمتد إلى بقية العالم، فقد يرتبط الانخفاض الحاد في الإنفاق، على سبيل المثال، مع انخفاض الطلب على الواردات، وبالتالي تصدير بعض آلام الركود إلى الخارج.
وخلال الأزمة المالية العالمية في 2007-2009، تسببت الاضطرابات في الأسواق المالية في إحداث فوضى حول العالم بأسره، حتى أن الدول المعزولة نسبيا عن تلك المشاكل شعرت بالآثار بفضل الروابط التجارية القائمة مع الولايات المتحدة وأوروبا، إذ أوضحت بعض التقديرات تحمل الاقتصادات الأخرى حوالي ربع الانخفاض في الطلب الأمريكي وخمس الانخفاض في الطلب الأوروبي، وهذا التأثير انتقل عبر التجارة، ويجب أن يعمل تعزيز الطلب بطريقة مماثلة، لكن في الاتجاه الآخر.
ففي ظل ارتفاع إنفاق الأمريكيين، يتجه بعض منه إلى الخارج من خلال شراء السلع الأجنبية، على سبيل المثال، أو الإنفاق على الخدمات، مثل السياحة، والتي يجب أن تبدأ في الانتعاش مع رفع القيود المفروضة بسبب الوباء.
وبحسب تحليل للتداعيات غير المباشرة للسياسة المالية، وُجد أن الحوافز الأمريكية التي تتكون في الغالب من الإنفاق والتي تبلغ نسبتها 1% من الناتج المحلي الإجمالي ترفع الناتج الاقتصادي للبلاد بنسبة 0.33% في العام الأول.
وأوضح التحليل، الذي نشره صندوق النقد الدولي في عام 2017، أن الدول ذات العلاقات التجارية الأوثق مع الولايات المتحدة عادة ما تشهد تأثيرات أكبر، كما أن الشعور بالتداعيات يمكن أن يكون سريعاً على مستوى العالم إذا تم الجمع بين إعادة فتح الاقتصاد والتحفيز الذي يستهدف تنشيط الاستهلاك الأمريكى.
ومع ذلك، فإن درجة الشعور بالآثار تعتمد بشكل حاسم على استجابة السياسة العامة في الداخل والخارج على حد سواء، وتكون التداعيات المالية غير المباشرة أكثر قوة عندما تعمل الدول المتلقية نفسها دون المستوى المحتمل، وبالتالي من المرجح أن يمتد الإنفاق الأمريكي إلى بقية العالم إذا كان مستوى تعافيه أقوى بكثير من تعافى شركائه التجاريين.
وعادة ما توفر الآثار غير المباشرة حافزاً قوياً للحكومات لتنسيق جهودها التحفيزية، خشية أن تستفيد بعض الاقتصادات ذات القبضة المشددة على ماليتها، مثل تلك الموجودة في أوروبا، بشكل مجانى من الهبات التي تتسرب بشكل كبير من الاقتصادات الأكثر سخاء.
وفى الواقع، في 12 من فبراير، حثت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، نظراءها في مجموعة الدول السبع الكبرى على التقدم بقوة فيما يتعلق بحزم التحفيز، وبالتايل يمكن أن تجد الدول، التي تعتمد على الغير، نفسها في مأزق مع يلين، كما وعدت إدارة بايدن باتخاذ إجراءات صارمة مع الدول التي تتمتع بفوائض تجارية كبيرة ومستمرة.
ولكن إذا اقتربت أمريكا من مستوى الانهاك الاقتصادي، فإن الإحجام عن الإنفاق في مكان آخر قد يكون أقل إزعاجاً من المعتاد، إذ تعمل الدول المتعطشة للطلب بمثابة صمام لتنفيس للضغط المتراكم في الداخل.
ويبدو أن النمو في التجارة العالمية قد عزز قدراتها على تخفيف الضغط، وفقاً لأعمال جين إيهريج وستيفن كامين وديبورا ليندنر وجايمي ماركيز من البنك الاحتياطي الفيدرالي، الذين يعتقدون أن التوسع في التجارة أدى إلى إضعاف الصلة بين التغيرات في الطلب المحلي وما يقابلها من تحولات في الناتج المحلي الإجمالي، حيث يتحمل صافي الصادرات أعباء إضافية ناتجة عن التكيف مع التغيرات في الإنفاق المحلي.
وفي أواخر التسعينيات، على سبيل المثال، نمت مقاييس الطلب المحلي بشكل أسرع من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، الذي كان في حد ذاته ينمو بوتيرة سريعة، ولكن التضخم ظل منخفضا نسبيا، ويرجع ذلك جزئياً إلى التضخم في عجز الحساب الجاري الأمريكي، وبالمثل قد تؤدي زيادة الواردات هذا العام إلى تبديد الضغوط التضخمية المحتملة في الولايات المتحدة مع منح لشركائها التجاريين الأضعف دفعة تعزيز مكانتهم.