جئنا عزيزي القارئ إلى تداولات نهاية الأسبوع الذي اتسم بارتفاع الإشارات الدالة على تعافي الاقتصاديات الأوروبية خاصة منطقة اليورو فيها، ما زالت بيانات الاقتصاد البريطاني تظهر بعض التذبذب و الضعف في بنية الاقتصاد ككل، سنكون اليوم بانتظار صدور بعض البيانات المهمة عن الاقتصاد البريطاني و التي ستعكس وضع مستويات السيولة في البلاد، كما ستظهر لنا مدى العجز الذي ما زالت المملكة المتحدة تعاني منه.
نبدأ حديثنا لليوم عن الاقتصاد البريطاني، الذي ما زال بخلاف غيره من الاقتصاديات يعاني من الكثير من الضعف و التذبذب في أداءه، أظهر الناتج المحلي الإجمالي للبلاد انكماش الاقتصاد الملكي لستة أرباع متتالية بنسبة 0.3% خلال الربع الثالث على الرغم من خروج العديد من الاقتصاديات الأوروبية من الركود و بداية نموها، الأمر الذي أدى إلى لجوء البنك المركزي البريطاني إلى توسيع المبلغ الذي تم تخصيصه لدعم الاقتصاد ليبلغ 200 بليون جنيه إسترليني بعد أن بلغ سابقاً 175 بليون جنيه.
اعتبر استمرار انكماش الاقتصاد البريطاني دليل على تعمق آثار الركود الاقتصادي فيه، أدى ذلك إلى تسجيل الموازنة العامة في البلاد أعلى مستوياتها منذ عام 1993، الأمر الذي جعل مقدار العجز الحكومي في البلاد من أهم المعوقات في طريق تعافي البلاد، و ذلك بعد أن اقتصرت التحديات على معدلات البطالة المرتفعة و مستويات الأسعار المنكمشة في وقت سابق.
سنكون اليوم بانتظار صدور مؤشر التمويلات العامة لشهر تشرين الثاني، سجلت التمويلات العامة أكبر عجز لها منذ عام 1984 خلال شهر أيلول عندما بلغ مقدار العجز 14.8 بليون جنيه إسترليني، رأينا تراجع مقدار العجز خلال تشرين الأول ليبلغ 5.9 بليون جنيه، أنا بالنسبة لشهر تشرين الثاني فإن التوقعات تشير إلى عودة العجز للارتفاع ليصل إلى 17.3 بليون جنيه، كما سنكون بانتظار صدور صافي قروض القطاع العام حيث تشير التوقعات إلى ارتفاعها لتبلغ 23.0 بليون جنيه بعد أن بلغت سابقاً 11.4 بليون.
بالإضافة إلى تراجع مستويات الإنفاق في البلاد، فإن انخفاض الإيرادات الحكومية، و ارتفاع الإنفاق الحكومي و حجم الاستثمار أدى إلى ارتفاع مقدار العجز في البلاد، ما زالت الحكومة البريطاني بحاجة لتطبيق المزيد من البرامج من اجل تسريع وتيرة نموه، بعد تخصيص مبلغ 200 بليون جنيه إسترليني لشراء السندات طويلة الأمد و تخفيض سعر الفائدة ليصل إلى أدنى مستوياته التاريخية عند 0.50%.
التوقعات لمؤشر العرض النقدي M4 الذي سنكون بانتظار صدوره اليوم يدل على أن مستويات السيولة في الاقتصاد الملكي ما زالت بحاجة للمزيد من الدعم، فبعد أن ارتفعت خلال شهر تشرين الأول بنسبة 1.6% تشير التوقعات إلى تراجع وتيرة ارتفاعها لتسجل 0.6% خلال تشرين الثاني و ارتفاعها بنسبة 10.0% بعد أن ارتفعت بنسبة 10.8 خلال الشهر السابق، من الممكن أن يشير ذلك بطريقة أو أخرى إلى قيام المركزي البريطاني لاحقاً إلى المزيد من التوسعة في المبلغ المخصص للتخفيف الكمي، في حال استمرار صدور البيانات الدالة على حاجة الأسواق للمزيد من السيولة.
ننتقل إلى منطقة اليورو حيث سنكون بانتظار صدور الحساب الجاري لمنطقة اليورو، سجل الحساب الجاري لشهر أيلول عجزاً بمقدار 5.4 بليون يورو، نتوقع أن يشهد الحساب الجاري بعض التحسن خلال شهر تشرين الأول، خاصة و أنه كما ذكرنا فقد صدر عن اقتصاد منطقة اليورو العديد من البيانات التي دلت على مساره الصحيح في طريق التعافي، يدل تقلص مقدار العجز في الحساب الجاري على تراجع مقدار التدفقات النقدية الخارجية من البلاد، الأمر الذي يعكس تحسن مستويات السيولة في البلاد بعد الخطط التي تم تبنيها من أجل دعم مستويات السيولة في الأسواق، إضافة على ذلك فإن تحسن قراءة الحساب الجاري يعكس لنا أن مستويات الطلب التي تدهورت كثيراً بسبب الركود الاقتصادي قد بدأت بالفعل بالتعافي و الانتعاش.
تأتي لاحقاً قراءة الميزان التجاري لشهر تشرين الثاني، تشير التوقعات إلى ارتفاع الفائض ليسجل 5.8 بليون يورو بعد أن بلغ مقدار الفائض سابقاً 3.7 بليون يورو، يدل ذلك على تفوق الصادرات على الواردات، الأمر الذي يكون له التأثير الجيد جداً على مستويات النمو في المنطقة خاصة و أن منطقة اليورو تعتمد بشكل كبير على الصادرات، و بالتالي فإن ارتفاع مستويات الطلب على صادرات البلاد يدل على تعافيها في عدد من بلاد العالم، الأمر الذي سيزيد من مستويات النمو في الاقتصاد الألماني بشكل خاص باعتبار الصادرات تشكل جزء كبير من الناتج المحلي الإجمالي فيه.
إضافة إلى ذلك سيصدر اليوم مؤشرات IFO لقياس مستويات الثقة في البلاد، سواء لمناخ الأعمال، الأوضاع الحالية أو التوقعات، ما زالت قراءات المؤشر لم تفوق الحد بين الإيجاب و السلب و الذي تم تحديده عند 100، إلا أن القراءات جميعها قد اقتربت من هذه المستويات، تشير التوقعات إلى ارتفاع القراءة خلال شهر كانون الأول، ساهمت الإشارات الدالة على ارتفاع وتيرة تعافي منطقة اليورو إلى ارتفاع مستويات الثقة في البلاد، سيكون لذلك الأثر الجيد جداً على أداء اقتصاد منطقة اليورو لاحقاً حيث رأينا في وقت سابق أن تراجع مستويات الثقة في البلاد بعد فتك الركود الاقتصادي في البلاد أدى إلى تشكيل ضغوطات سلبية على مستويات الأسعار، و بالتالي فإن عودتها للارتفاع يؤكد على تصريحات البنك المركزي الأوروبي بابتعاد مستويات الأسعار عن مخاطر انكماشها و دخولها المناطق الموجبة في الوقت القريب.