واشنطن، 27 ديسمبر/كانون أول (إفي):- سيظل 2009 محفورا في أذهان الأمريكيين باعتبار أنه العام الذي قامت فيه الحكومة بأكبر عملية تحفيز لإنقاذ اقتصاد البلاد من السقوط في الهاوية، وعلى الرغم من النجاح الذي حققته هذه العملية، إلا أنها تركت وراءها ميراثا كبيرا من السيولة وعجزا ضخما في الميزانية.
ورغم حالة الإحباط التي سيطرت على الأمريكيين مطلع العام بسبب تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت العالم نهايات العام الماضي، إلا أنه مع مضي شهور العام بدأ الأمريكيون يتنفسون الصعداء مع توالي ظهور نتائج خطط التحفيز التي وضعتها إدارة الرئيس باراك أوباما والتي ترجمت إلى أرقام تثبت أن الاقتصاد الأمريكي حقق نموا في الربع الثالث من العام الجاري.
وعلى الرغم من أن انهيار النظام المالي للبلاد أصبح حاليا بمثابة كابوس قد ولى، إلا أن الشركات الصغيرة لازالت راضخة تحت ضغوط كبيرة بسبب معدلات البطالة المرتفعة وصعوبة الحصول على قروض.
ورغم أن الولايات المتحدة نجحت في تخطي العديد من حالات الركود الاقتصادي الحادة في السابق، وخرجت منها منتعشة بشكل مزهل، إلا أن أغلب المحللين يتوقعون أن هذا لن يحدث هذه المرة.
ويتوقع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) ان تشهد البلاد نموا اقتصاديا بمعدل يتراوح بين 2.5% و3.5% خلال العام المقبل، وهو معدل قد يكون بمثابة الترف بالنسبة للأوروبيين.
إلا أن هذه النسبة تشكل هامشا يقل عن معايير التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة، التي تحظى بسوق عمل مرن، وترتفع فيها معدلات الزيادة السكانية عن القارة الأوروبية.
ويكمن العنصر الأساسي في عملية تباطؤ الانتعاش الاقتصادي تحديدا في البطالة، التي وصلت مؤشراتها في نوفمبر/تشرين ثان الماضي إلى 10%، بعد انخفاضها بنسبة 2%، على حد فاجأ الكثير من الخبراء.
ولا تشمل هذه النسبة الأشخاص الذي كفوا عن البحث عن عمل، أو من يعملون نصف الوقت لأنهم لا يجدون وظيفة أفضل، وفي حال إدراج هؤلاء ضمن أعداد العاطلين ستصل نسبة البطالة إلى 17.2%.
ومن جانبه أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا، جيمس هاميلتون أن تعافي الاقتصادي الأمريكي سيكون هشا إلى أن تتحسن نسب البطالة في البلاد.
ويشار إلى أن الأزمة الاقتصادية تسببت في فقد نحو سبعة ملايين شخص لوظائفهم، ويتوقع المحللون أن يتم خلق وظائف جديدة بشكل تدريجي، وأن تزيد الشركات من ساعات العمل اليومية لموظفيها قبل التعاقد مع عاملين جدد.
ومن المنتظر ان يشجع الخوف من تخفيض أو حتى فقدان الرواتب أو الوظائف، وهبوط سعر العقارات الأمريكيين على مزيد من الادخار، وهو ما من شأنه ان يخفض من مستوى الاستهلاك، الذي يشكل بدوره مصدرا لـ70% من إجمالي الناتج المحلي.
وترى نائبة رئيس معهد (بروكينجز)، كارين دينان، أن الظروف الحالية ستساهم على الأرجح في ارتفاع الدخول المتوسطة خلال الأعوام المقبلة.
ومن بين العناصر التي تضر بعملية التعافي، يبرز قطاع العقارات، حيث بدأت الأسعار المنخفضة تميل إلى الاعتدال، إلا أن تعثر المقترضين عن السداد يؤثر سلبيا على البنوك، التي تمنح قروضا لشراء العقارات.
ويشار إلى 14% من ملاك العقارات في الولايات المتحدة متعثرون في السداد أو عاجزون عن الوفاء بالدين بشكل كلي، وهو ما يمثل رقما قياسيا، وفقا لرابطة بنوك الرهن العقاري.
وقد كان السوق العقاري تحديدا هو ما أدى إلى انهيار القطاع المالي الأمريكي، الذي لم يستقر بشكل تام، على الرغم من الدفعة التي شهدها مؤخرا بفضل الأموال التي ضختها الحكومة لانقاذه.
ويؤكد جيمس هاميلتون أن مشكلات القطاع لم تختف بعد، وأن الأسواق الائتمانية لا تسير على نحو طيب حتى الآن.
ومن جانبه، يعتقد ستيف هانك، الأستاذ بجامعة جونز هوبكنز، أن تدخل الحكومة لدعم الاقتصاد يعوق عملية التعافي.
ويقول هانك إنه إذا اعتقدت شركة انها ستضطر لدفع قدر كبير من الضرائب، فإنه من غير المرجح أن تقدم على التعاقد مع مزيد من الموظفين.
وعلى أي حال فقد ساهم برنامج التحفيز الاقتصادي في زيادة العجز الأمريكي بشكل ضخم، والذي وصل إلى 1.42 تريليون دولار في العام المالي 2009 -المنتهي في سبتمبر/أيلول الماضي-، إلا أن أسعار الفائدة المنخفضة للغاية تصعب على الحكومة تمويل عملية تسديد هذه الديون.
وكان الاحتياطي الفيدرالي قد قرر منتصف ديسمبر/كانون أول الجاري الإبقاء على أسعار الفائدة في نطاق من صفر إلى 0.25%.
وتضاف الزيادة الاستثنائية في السيولة النقدية، الناجمة عن ضخ نحو 2.8 تريليون دولار في السوق من قبل المصرف المركزي، إلى العوامل التي تساهم في استمرار الركود الاقتصادي.
ورغم أن الاحتياطي الفيدرالي بدأ في سحب جزء من هذه السيولة، إلا أن الخبراء يتوقعون أن ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي لن يحدث قبل منتصف العالم المقبل، نظرا لضعف عملية التعافي.(إفي).