مدريد، 25 ديسمبر/كانون أول (إفي): وجهت الأزمة الاقتصادية خلال عام 2009 ضربة قاسية لسوق العمل في إسبانيا فقد بسببها ما يزيد عن أربعة ملاين شخص -بينهم نصف مليون مهاجر- وظائفهم، وهو ما يمثل عائقا حقيقيا أمام محاولات التعافي الاقتصادي ومحاربة الكساد في وقت تستعد فيه مدريد لتولي الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.
وفي حين بدأت بعض دول الاتحاد تنفس الصعداء ومعاصرة بوادر الانتعاش والتعافي، انخفض إجمالي الناتج المحلي لإسبانيا بمعدل 0.3% خلال الربع الثالث من العام، وهي النسبة ذاتها التي عاناها إجمالي الناتج المحلي في بريطانيا.
وعلى الرغم من أن نسبة التراجع في الناتج المحلي تعتبر إيجابية مقارنة بالربع الاول والثاني من العام، إلا أن الواضح ان سوق العمل كان الضحية الأولى للأزمة، حيث بلغ إجمالي العاطلين معدلا تاريخيا غير مسبوق يقدر بأربعة ملايين و123 ألف و300 شخص، أو 17.9% من المجتمع العامل.
ويشمل هذا العدد ما يزيد عن نصف مليون مهاجر توافدوا على إسبانيا خلال مرحلة الانتعاش الاقتصادي وبالأخص من المغرب ورومانيا ومختلف دول أمريكا اللاتينية.
ودفعت الأزمة العديد من المهاجرين إلى التفكير الجاد في العودة إلى مواطنهم، واللجوء إلى برنامج العودة الطوعية الذي أطلقته الحكومة الإسبانية، وينص على تسهيل عودة المهاجرين إلى بلادهم، ومنحهم إعانات بطالة في بلادهم مقابل التعهد بعدم العودة لإسبانيا لمدة ثلاث سنوات على الاقل.
وأمام الأزمة الاقتصادية الطاحنة، لجأت حكومة الاشتراكي خوسيه لويس رودريجث ثاباتيرو إلى تبني حزمة إجراءات للتحفيز الاقتصادي وتنشيط سوق العمل وزيادة الانفاق، إلا أنها أدت في الوقت نفسه إلى تكبيد الدولة نفقات إضافية، ورفعت نسبة العجز من 3.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2008 إلى 9.5 في المائة نهاية 2009.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد عمدت الحكومة إلى إجراء العديد من الإصلاحات التي من شأنها إعادة توجيه الاقتصاد، وفي مقدمتها قانون الاقتصاد المستدام الذي ينص على تغيير أنظمة الإنتاج الرئيسية واستبدال نموذج التنمية القائم على قطاع البناء والإنشاءات -الذي كان الأشد تضررا جراء الأزمة- بقطاعات التكنولوجيا والابتكار، والتأهيل المهني، ومصادر الطاقة المتجددة.
وجاءت تلك المبادرات متزامنة مع تعديل وزاري أجراه ثاباتيرو في أبريل/نيسان 2009 سعيا لوضع حد لتداعيات الأزمة، وتضمن بشكل أساسي إقصاء وزير الاقتصاد بدرو سولبس، واستبداله بالوزيرة الينا سالجادو، التي تولت كذلك منصب النائب الثاني لرئيس الحكومة.
وعلى الرغم من هذه الإجراءات، إلا أنه لا يبدو أن الانفراج سيأتي قريبا، حيث تشير تقارير المفوضية الأوروبية إلى أن إسبانيا ستسجل أعلى نسبة بطالة بين دول الاتحاد الأوروبي، لتصل إلى 17.9 في المائة نهاية 2009 وستواصل ارتفاعها خلال عامي 2010 و 2011 بنسبة 20 و 20.5 في المائة على التوالي.
ونظرا لخطورة القضية بالنسبة للبلد الأوروبي، فقد استغلت مدريد فرصة رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي خلال النصف الأول من 2010 للإعداد لخطة تهدف لخلق فرص عمل جديدة حتى عام 2020.
وتعتمد الاستراتيجية على أن النجاح في خلق فرص عمل مساوية لتلك التي فقدت خلال الأزمة، سيمكن أوروبا من التعافي من آثار الأزمة واستعادة مكانتها بين الأنظمة الاقتصادية الدولية.
وعلى الصعيد الاجتماعي، سعت الحكومة الإسبانية للتضامن مع العاطلين من خلال تأسيس موقع جديد على شبكة الإنترنت لمساعدتهم على إيجاد وظائف جديدة، وتقديم المشورة في الجوانب القانونية.
ولم تكن الساحة السياسية بمنآى عن التقلبات والتغيرات التي طالت نظيرتها الاقتصادية، حيث شهد إقليم الباسك تغييرا تاريخيا، أنهى 30 عاما من سيطرة الحزب القومي الباسكي على رئاسة الإقليم، بعد أن نجح الاشتراكي باتشي لوبيث في الفوز بمنصب رئيس الحكومة الإقليمية.
كما خلا البرلمان الإقليمي لأول مرة من أي ممثلين من أحزاب اليسار الباسكي الراديكالي الانفصالي، الموالي لمنظمة إيتا الإرهابية بعد أن قام القضاء العالي بإلغاء ترشيحات ممثليهم في الانتخابات المحلية.
وجاء رد منظمة إيتا قويا وعنيفا أرادت به، في ذكرى مرور نصف قرن على تأسيسها، أن تذكر بوجودها وتأثيرها على الساحة بعد الضربات الموجعة التي تلقتها على يد الحكومة الحالية منذ نهاية العام الماضي وأثناء عام 2009 من خلال اعقتال عدد كبير من أعضائها ومن بينهم قياديون بارزون بفضل التعاون الوثيق بين إسبانيا وفرنسا في هذا الصدد.
وتضمنت قائمة الهجمات العنيفة التي نفذتها إيتا هذا العام مقتل مفتش شرطة في يونيو/حزيران بعد زرع قنبلة في سياراته، وتفجير سيارة مفخخة أمام مقر الحزب الاشتراكي الباسكي.
غير أن الهجمات الأعنف كانت في نهاية يوليو/تموز ومستهل أغسطس/آب حيث استهدف هجوم أحد مقار قوات الحرس المدني في مدينة بورجوس (شمال) وأسفر عن مقتل حارسين مدنيين، وفي اليوم التالي انفجرت قنبلة في جزيرة مايوركا (جزر الباليار) وأدت إلى مقتل اثنين من أفراد الأمن.
وفي نفس الأسبوع شهدت مايوركا انفجار 4 عبوات ناسفة محدودة القوة في يوم واحد، استهدفت أماكن سياحية عامة، وبالتزامن مع قضاء العاهل الإسباني خوان كارلوس والأسرة المالكة عطلتهم في الجزيرة.
جدير بالذكر أن منظمة إيتا الإرهابية تنشط بشكل رئيسي في إقليم الباسك، حيث تطالب بالانفصال عن الحكومة منذ منتصف القرن الماضي عن طريق ما تصفه "بالكفاح المسلح" وهو ما أسفر عن مقتل أكثر من 850 شخصا حتى الآن. (إفي)
م ب / م ص/ م ز / ف ع