من جوني هوج
كارابورجيك (تركيا) (رويترز) - عندما فر حامد (46 عاما) من القنابل ونيران القناصة في مدينة حلب السورية انتهى به المطاف في العاصمة التركية أنقره فافتتح متجرا للبقالة وبدأ حياة جديدة كان يرجو أن تكون أفضل من حياته في سوريا.
وبعد عامين مازال حامد لا يتكلم اللغة التركية كما أنه يدير متجره المترب في حي كارابورجيك الفقير بالخسارة.
وتعطي اللافتات العربية والنساء اللائي يرتدين النقاب الحي طابعا سوريا لكن حامد يواجه مثل الكثير من اللاجئين السوريين في تركيا عداء من السكان المحليين ويحلم بالانتقال إلى الاتحاد الاوروبي.
وقال حامد من خلال مترجم وهو يقف بين صناديق التوابل والشاي "ندمت لأني جئت إلى هنا. إذا لم استطع البقاء سأعود إلى سوريا وأموت بكرامتي. فلم نأت إلى تركيا لنكون شحاذين."
وأضاف "لو أن لدي مصاريف الرحلة لذهبت إلى أوروبا غدا."
بعد قرابة خمس سنوات من بدء الصراع في سوريا تحملت تركيا القدر الأكبر من العبء الانساني إذ أنها تؤوي 2.3 مليون سوري على الأقل يمثلون أكبر تجمع للاجئين في العالم.
لكن التوترات تتصاعد بين الاتراك والسوريين بينما تحاول السلطات دمج اللاجئين الذين لا يتحدثون لغة البلاد ويمنعون في كثير من الأحوال من العمل.
ولا يمكن لمخيمات اللاجئين في تركيا استيعاب سوى نسبة ضئيلة من اللاجئين الذين يفضلون تجربة حظهم في المدن التركية حيث يبحثون عن الأعمال ذات الأجور الزهيدة أو يلجأون للتسول.
وتبدد التفاؤل الذي ساد في البداية بين اللاجئين ومضيفيهم وحل محله الاستياء والارتياب الأمر الذي ساهم في موجة اللاجئين الفارين من الحرب أو الفقر أملا في الوصول إلى الاتحاد الاوروبي سواء بالطرق القانونية أو غير القانونية.
وعلى بعد بضعة متاجر من متجر حامد يتهم صاحب متجر تركي السوريين بأنهم لا يدفعون ضرائب ويخفضون الأسعار لسلب زبائنه.
وقال صاحب المتجر طالبا عدم نشر اسمه "لم أظن أن الأمور ستصل إلى هذا السوء. فهم لا يتكلمون إلا مع أنفسهم ويشترون من بعضهم البعض."
وقالت بيريل اركوبان مديرة مؤسسة اللاجئين التركية إن على بلادها أن تسهل اندماج اللاجئين في المجتمع وعلى الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي أن تقبل المزيد من اللاجئين.
وأضافت أنه إذا لم يحدث ذلك "فستحدث زيادة في الخوف من الغرباء والاعتداءات على اللاجئين وسنشهد موت المزيد من الناس سواء في محاولة الوصول لاوروبا أو هنا داخل تركيا."
* "لا أحد يهتم"
تصدرت أزمة المهاجرين جدول أعمال الرئيس رجب طيب إردوغان في زيارته لبروكسل يوم الاثنين وفي وقت سابق من الشهر اتفق قادة أوروبا على صرف مليار يورو لمساعدة تركيا في استيعاب اللاجئين.
ويثور غضب المسؤولين الأتراك لمجرد التلميح بأنهم لم يعالجوا أزمة اللاجئين بكفاءة ويقولون إن أوروبا أغمضت عيونها حتى تصدرت صور الطفل السوري الغريق على أحد الشواطيء الصحف العالمية هذا الصيف.
وقال مسؤول "لنكن واضحين. حتى ألقت الأمواج بهذا الطفل على الشاطيء لم يكن أحد يهتم بهذه المشكلة. ونحن نتعامل معها منذ أربع سنوات والآن يأتي الناس ليقولوا لنا ما يجب أن نفعله."
كذلك تأثرت استجابة تركيا للازمة بالتطورات السياسية. فمع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر تشرين الثاني توانت الحكومة عن سن تشريع يسهل على السوريين العمل. وتقول بعض الاسر السورية إنها اضطرت لارغام أطفالها على العمل بالمخالفة للقانون لتغطية النفقات الضرورية.
ويحصل السوريون الذين يعملون بالمخالفة للقانون على أجور أقل أو لا يحصلون على شيء في بعض الاحيان وإذا اشتكوا للسلطات تفرض عليهم غرامات. ويقول لاجئون إن الرعاية الصحية تتاح في بعض الاحيان ولا تتاح في أحيان أخرى كما أن حاجز اللغة يجعل التواصل مع الاطباء صعبا.
وقالت إمرأة سورية في كارابورجيك إنها تعتزم السفر ما يقرب من 800 كيلومتر إلى حدود تركيا مع سوريا حيث يشيع استخدام اللغة العربية لمعالجة ابنتها المريضة.
وتسع مخيمات اللاجئين في تركيا وعددها 26 مخيما 330 ألف شخص لكنها لا تؤوي حاليا سوى 274 ألفا. وتحصل الأسر في المخيمات على 40 دولارا شهريا لكل فرد لتغطية ثمن الغذاء من خلال بطاقات ائتمان لا تسري سوى في متاجر المخيمات. ويمكن للبعض الالتحاق بفصول لتعليم الحرف مثل صناعة السجاد ويتقاسم المشاركون أرباحها.
ولا يقبل بعض اللاجئين على المخيمات بسبب الاعتماد على المساعدات الموزعة ولبعد مواقع المخيمات عن العمران وكذلك انتشار شائعات عن سوء معاملة المسؤولين الاتراك وعدم الاحساس بالخصوصية.
ولا تزال رؤية أنقره تتمثل في إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا يمكن أن يعود إليها اللاجئون وهي فكرة لم تحظ بتأييد دولي حتى قبل قرار روسيا في الشهر الماضي ارسال طائرات حربية إلى سوريا الأمر الذي زاد من صعوبة تنفيذ فكرة إقامة منطقة لحظر الطيران.
ويقول دبلوماسيون غربيون إنه لن يكون من السهل تنفيذ "منطقة حظر الطيران" أو المحافظة عليها.
وقال بولات كيزيلداج نائب المنسق العام لوكالة أسام التي تساعد في تسجيل اللاجئين القادمين لتركيا إنه إذا لم تتحقق المنطقة الآمنة التي تريدها تركيا فإنها قد تسعى لإقامة مدن للاجئين فقط مما يعزز الانقسامات في المجتمع.
وأضاف "حتى إذا وفرت للاجئين الظروف الطيبة من بيت وإذن عمل وتعليم فسيحاولون مع ذلك الوصول إلى أوروبا لأنهم يحسبون أن أوروبا سترحب بهم وتوفر لهم المال والحياة الكريمة."
وقال دبلوماسي من إحدى دول الاتحاد الاوروبي إنه إذا ظلت سوريا في حالة اضطراب واستمر الضغط في التزايد في الدول التي تستضيف اللاجئين فستكون العواقب محسوسة خارج حدود تركيا.
وأضاف "إذا أخفقنا في السياسة الخارجية وإذا أخفقنا في التعاون مع تركيا فأنا استطيع أن أتصور بسهولة ‘غزو‘ ملايين الناس لاوروبا."