تيجوثيجالبا، 26 ديسمبر/كانون أول (إفي): بلد واحد بثلاثة رؤساء، احدهم مخلوع، والثاني جاء بالأمر الواقع والثالث منتخب.. واقع غير مألوف تعين على هندوارس مواجهته خلال عام 2009 بعد أن هز انقلاب عسكري المشهد السياسي فيها وأوقعها في خضم أزمة حملت معها تبعات اقتصادية واجتماعية مؤلمة.
لم يكن يخطر ببال الرئيس الهندوري (المخلوع) مانويل ثيلايا أن طموحه في البقاء في السلطة الذي دفعه للدعوة لإجراء استفتاء شعبي حول تعديل الدستور يتيح له الترشح لولاية ثانية، فيما اعتبر مخالفة صريحة لدستور هندوراس، سينتهي بالإطاحة به من الحكم قبل سبعة أشهر على انتهاء ولايته اليتيمة التي كان من المفترض أن تكمل أربعة أعوام في يناير/كانون ثان المقبل.
فقبل ساعات على إجراء الاستفتاء، قامت مجموعة من العسكريين بانقلاب في الـ28 من يونيو/حزيران الماضي، حيث اعتقلوا ثيلايا وأقتادوه بالقوة وبملابس نومه، وأرسلوه على طائرة إلى كوستاريكا، وتم تعيين رئيس البرلمان روبرتو ميشيليتي، الذي ينتمي إلى نفس حزب ثيلايا (الليبرالي) رئيسا للبلاد بدلا منه.
وفي ظل رفض المجتمع الدولي للانقلاب العسكري في هندوراس، قرر رئيس الأمر الواقع ميشيليتي إجراء انتخابات رئاسية في الـ29 من نوفمبر/تشرين ثان الماضي ليفوز بها بورفيريو لوبو مرشح الحزب الوطني الهندوري بفارق كبير عن منافسه الرئيسي إلفين سانتوس مرشح الحزب الليبرالي الحاكم.
وتسبب الانقلاب في إغراق هندوراس في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، فضلا عن انعزالها عن المجتمع الدولي وتعليق عضويتها في عدد من المؤسسات الدولية.
ففي الرابع من يوليو/تموز الماضي قررت منظمة الدول الأمريكية تعليق عضوية هندوراس، كما امتنعت عن إرسال مراقبين إلى الانتخابات الرئاسية التي أجريت الشهر الماضي ولم تحظ بمساندة سوى عدد قليل من الدول.
وعلى الصعيد الاجتماعي، أدت الإطاحة بمانويل ثيلايا إلى حدوث انشقاق كبير داخل المجتمع الهندوري، تفاقم لدرجة وقوع انقسام بين أفراد الأسرة الواحدة والأصدقاء ما بين مؤيد ومعارض للانقلاب العسكري.
وفي هذه الأثناء، بقي ثيلايا في منفاه يتنقل من دولة لاتينية إلى آخرى، حتى تمكن من العودة إلى هندوراس فجأة يوم 21 سبتمبر/أيلول الماضي ليحتمي بمقر السفارة البرازيلية في العاصمة تيجوثيجالبا، ويقيم بها منذ ذلك الحين وحتى اليوم ويواصل من داخلها المطالبة بالعودة إلى الحكم مجددا، وهو الأمر الذي أشعل أزمة سياسية كبيرة بين برازيليا وحكومة الأمر الواقع في تيجوثيجالبا.
وأسفرت الاضطرابات المصاحبة للأزمة عن مقتل خمسة أشخاص منذ وقوع الانقلاب وحتى نهاية الشهر الماضي، وفقا للبيانات الرسمية، في الوقت الذي تشير فيه المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان إلى مقتل 20 شخصا على الأقل في ظروف غامضة خلال تلك الفترة.
ونددت المنظمات الحقوقية باعتقال المئات من أنصار ثيلايا وتعرضهم لعمليات تعذيب وانتهاكات لحقوق الانسان.
ومع تدهور الأوضاع في البلد اللاتيني يوما بعد يوم، سعت العديد من الأطراف الدولية، من بينها رئيس كوستاريكا أوسكار آرياس ومنظمة الدول الأمريكية، إلى التوسط بين أطراف النزاع في محاولة لاحتواء الأزمة، غير أن هذه الجهود باءت بالفشل وأخفقت في إعادة ثيلايا لمنصبه.
فعلى الرغم من توقيع الطرفين على ما سمي باتفاق "تيجوثيجالبا-سان خوسيه" نهاية أكتوبر/تشرين أول الماضي تحت رعاية أرياس، إلا أن سماء هندوراس سرعان ما تلبدت بالغيوم بسبب الخلاف بين ثيلايا وميشيليتي حول تفاصيل هذا الاتفاق، الذي تضمن عدة نقاط على رأسها: تشكيل حكومة وحدة وطنية، فضلا عن تكوين لجنة دولية لتقصي الحقائق.
واعتقد الكثيرون أن نار الأزمة قد خمدت بعد التوقيع على الاتفاق، إلا أن جذوتها التي ظلت متقدة تحت الرماد سرعان ما اشتعلت مجددا مع إعلان ميشيليتي تشكيل حكومة أحادية الجانب بدلا من حكومة وحدة وطنية، وهو ما اعتبره ثيلايا انتهاكا للاتفاق.
وفي الثاني من ديسمبر الجاري وجه البرلمان ضربة قاصمة لثيلايا بعد أن رفض بالأغلبية عودته إلى الحكم مرة آخرى، الأمر الذي دفع بالرئيس اليائس إلى توجيه الاتهامات للمجتمع الدولي بالتخاذل عن مناصرته، انصب أغلبها على الولايات المتحدة التي اتهمها بتبني "موقف غامض" فيما يتعلق بالانقلاب.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أعرب بعد أيام على وقوع الانقلاب، عن قلقه البالغ إزاء الوضع في هندوراس، وطالب باحترام مبادئ الديمقراطية، غير أن واشنطن كانت بين الدول القلائل التي اعترفت بالانتخابات الرئاسية الاخيرة، على الرغم من إقرارها بأنها غير كافية لتخطي الأزمة.
ولا تزال فصول تلك الأزمة مستمرة في تيجوثيجالبا بعد أن أكد ميشيليتي أنه سيستمر في الحكم إلى أن يسلم مقاليد السلطة إلى لوبو في الـ27 من يناير/كانون ثان 2010 في الوقت الذي يواصل ثيلايا فيه محاولاته المستمية للعودة للحكم حتى انتهاء مدة ولايته.
وعلى الصعيد الاقتصادي، شكل الانقلاب عاملاإضافيا لتفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، لتسجل نسبة العجز في الميزانية زيادة مطردة، فضلا عن انخفاض الاحتياطي الدولي وزيادة معدلات البطالة.
وأشار خبراء اقتصاديون، إلى أن اقتصاد البلاد تراجع بنحو 11 في المائة نتيجة انخفاض نسبة الحوالات بين المهاجرين وأسرهم، وهو المصدر الرئيسي الذي يقوم عليه اقتصاد هندوراس، ناهيك عن تأثر الصادرات للولايات المتحدة، التي يعد سوقها المستورد الرئيسي لمنتجات هندوراس.
وبحسب معطيات البنك المركزي، فان حوالات المهاجرين، التي وصلت في 2008 إلى 2 مليون و649 ألف دولار، انخفت في الـ19 من الشهر الماضي إلي 2 مليون و137 ألف دولار. (إفي).