تصدرت البيانات البريطانية خلال ذلك الأسبوع محور اهتمام المستثمرين, بداية بارتفاع معدل التضخم الذي سجل أعلى ارتفاع على الإطلاق إذ سجل مؤشر أسعار المستهلكين السنوي مستوى 2.9% في ديسمبر/كانون الأول مرتفعا بمقدار 1.0% عن القراءة السابقة التي كانت بنسبة 1.9% في نوفمبر/تشرين الثاني متخطيا بذلك المستوى الآمن لاستقرار الأسعار بنسبة 2.0%.
تعددت الأسباب وراء ارتفاع معدل التضخم على ذلك النحو , بداية من تطبيق برنامج شراء الأصول الذي بلغت قيمته 200.00 بليون جنيه إسترليني بهدف ضخ السيولة في الأسواق و محاولة دعم الاقتصاد البريطاني ومن ثم التخفيف من تقلص حجم الإنفاق وبالتالي استهداف الوصول إلى المستوى الآمن لاستقرار الأسعار بنسبة 2.0% إلا أن بعض العوامل الأخرى كان لها التأثير أيضا على صعود المعدل على ذلك النحو.
منها هو انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني أمام العملات الرئيسية الأخرى طوال العامين السابقين بمقدار 25.00% تقريبا مما أدى إلى رفع أسعار السلع و مدخلات الإنتاج المستوردة, هذا بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط في تلك الفترة لأعلى من مستويات نفس الفترة من العام السابق, أسعار النفط تراجعت لأكثر من 70.00% بعد أن وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق عند 147.00$ للبرميل في يوليو/تموز من عام 2008 إلا أنها ارتفعت بنسبة 50.00% خلال العام السابق 2009 بعد أن سجلت القاع عند مستويات 33.00$ للبرميل الواحد الأمر الذي زاد من الضغوط على معدل التضخم نحو الصعود.
سبب آخر كان وراء ارتفاع المستوى العام للأسعار بعد أن كان من الأسباب المساهمة في انخفاضه ألا وهو قيام الحكومة بخفض سعر الضريبة على المبيعات لتصل إلى 15.00% طوال العام السابق قبل أن يتم معاودة رفع سعر الضريبة من جديد إلى 17.5% مع بداية العام الحالي 2010, هذا الإجراء ساعد في الآونة الأخيرة على تقديم دعم نسبي لمستويات الطلب في الوقت الذي بدأت فيه البلاد تشهد تقلص لحالة الانكماش التي سيطرت عليها لستة أرباع متتالية.
الاقتصاد البريطاني بعد أن انكمش في الربع الأول بمقدار -2.4% مسجلا بذلك أسوأ أداء له منذ عام 1958, إلا أنه منذ الربع الثاني بدأت وتيرة الانكماش في التراجع حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني -0.6% ومن ثم تراجعت إلى -0.2% في الربع الثالث مما كان لذلك التحسن النسبي الأثر على مستويات الأسعار بجانب تراجع حدة تسريح العمالة في الربع الأخير من العام السابق.
هذا ما أظهرته البيانات خلال هذا الأسبوع إذ تراجع معدل ILO للبطالة-المعدل محسوب وفقا لمعايير منظمة العمل الدولية- في الثلاثة أشهر المنتهية في نوفمبر/تشرين الثاني إلى 7.8% مقارنة بالقراءة السابقة التي كانت بنسبة 7.9% وانخفض عدد العاطلين عن العمل بمقدار 7000.00 شخص في تلك الفترة ليسجل إجمالي عدد العاطلين 2.46 مليون عاطل, على الرغم من ذلك إلا أنها لا تزال عند أعلى مستوياتها منذ الأربعة عشر عام وإن كان هذا التحسن النسبي الذي شهده سوق العمل قد ساعد على ارتفاع الأسعار في الشهر الأخير من العام السابق.
أحد العوامل الأخرى التي كانت وراء صعود معدل التضخم ألا وهو توسع الإنفاق العام الحكومي لدفع الاقتصاد البريطاني من دائرة الركود وهذا السبب نفسه أدى إلى اتساع عجز الموازنة مما يهدد بفقد التصنيف الائتماني المرتفع للاقتصاد البريطاني, مؤشر صافي الإقراض العام الذي صدر خلال الأسبوع السابق سجل عجز بقيمة 15.7 بليون جنيه إسترليني في ديسمبر/كانون الثاني ليظل بذلك العجز عند أعلى مستوياته منذ أن تم بدء العمل بالبيانات في عام 1993 هذا وتم تعديل القراءة السابقة إلى عجز بقيمة 18.7 بليون من 20.3 بليون جنيه. الجدير بالذكر أن الإنفاق العام ارتفع في تلك الفترة بنسبة 7.5% بينما تراجعت الحاصلات الضريبية بنسبة 0.4%.
ووفقا للتقرير المبدئي للموازنة الذي صدر عن وزارة المالية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني أظهر فيه وضع الحكومة لحجم العجز بحيث لا يتعدى 178.00 بليون جنيه أو ما يمثل 12.6% من الناتج المحلي الإجمالي للعام المالي الحالي و أشار التقرير أنه من المقرر أن يتقلص العجز بشكل تدريجي خلال الأربع سنوات القادمة.
على الجانب الآخر كان لارتفاع المستوى العام للأسعار الحد من ارتفاع مبيعات التجزئة في شهر ديسمبر/كانون الأول كما كان متوقعا خاصة أن ذلك الشهر من العام دائما ما يشهد حالة من الرواج و البيع بسبب موسم العطلات و الاحتفال بالأعياد إلا أن ارتفاع الأسعار بجانب ضعف مستويات الإنفاق كان لها الوجه الآخر للتأثير على المبيعات في تلك الفترة.
مؤشر مبيعات التجزئة ارتفع بنسبة 0.3% في ديسمبر/كانون الأول بعد أن كان منكمشا بنسبة -0.3% في نوفمبر/تشرين الثاني السابق و على المستوى السنوي تراجع المؤشر إلى 2.1% من 2.7% للقراءة السابقة.
السيد كينج رئيس البنك المركزي البريطاني أعلن خلال الأسبوع السابق بأن مستويات إنفاق القطاع العائلي من شأنها أن تظل ضعيفة خلال السنوات المقبلة في ضوء تراجع مستوى الدخل والأجور, وفي تعليقه عن ارتفاع معدل التضخم أشار إلى أن أسباب ذلك ترجع إلى عوامل مؤقتة خاصة مع عدم قوة حجم السيولة في الأسواق ومن ثم سوف يعاود معدل التضخم للرجوع إلى المستوى المستهدف من جديد.
أخيرا فإن محضر اجتماع البنك المركزي البريطاني الذي صدر خلال هذا الأسبوع أظهر إجماع أعضاء لجنة السياسة النقدية التسعة بالإبقاء على سعر الفائدة بنسبة 0.5% و الاستمرار في تطبيق برنامج شراء الأصول بقيمة 200.00 بليون جنيه إسترليني كما من المقرر أن يتم الانتهاء من إنفاق ذلك المبلغ في شهر فبراير/شباط المقبل و من ثم إعادة تقييم البرنامج بشكل كامل وذلك مع صدور تقرير التضخم الربع سنوي.
منطقة اليورو
البيانات التي صدرت خلال هذا الأسبوع عن منطقة اليورو جاءت على اختلاط لما بين استمرار و تحسن نمو القطاع الصناعي و بين تراجع وتيرة نمو القطاع الخدمي وذلك على حسب ما أظهرته القراءة المتقدمة لمؤشر مدراء المشتريات عن شهر ديسمبر/كانون الأول فبالنسبة للقطاع الخدمي فقد سجل قيمة 52.3 من 53.6 للقراءة السابقة بينما سجل القطاع الصناعي مستوى 52.00 من 51.6 للقراءة السابقة مما يؤكد مدى استفادة المنطقة من التحسن الذي شهدته في النصف الثاني من العام السابق و الاستفادة من تحسن مستويات الطلب العالمي و ضعف اليورو الأمر الذي ساهم في دعم صادرات المنطقة وبالتالي انعكاس ذلك ايجابيا على القطاع الصناعي.
الجدير بالذكر أن منطقة اليورو قد خرجت من الركود في الربع الثالث من العام السابق حيث تم تسجيل نمو بمقدار 0.4% بعد أن استمرت خمسة أرباع فصلية في الانكماش, وتقرير البنك المركزي الأوروبي عن شهر يناير/كانون الأول أشار إلى استمرار تحقيق النمو في الربع الأخير من العام السابق هذا و قد أوضح إمكانية تحقق النمو بنسبة 0.8% للعام الحالي 2010 وبنسبة 1.2% للعام المقبل 2011, أما معدل التضخم فإن التوقعات تشير إلى أن يسجل 1.3% في عام 2010 و 1.4% لعام 2011.
وأظهر التقرير أن سعر الفائدة الحالي بنسبة 1.00% الذي لايزال البنك المركزي الأوربي مبقيا عليه عند ذلك المستوى يعد مناسبا, على الجانب الآخر أظهر التقرير أن عملية تعافي منطقة اليورو سوف تكون بخطى معتدلة.