ريو دى جانيرو، 25 ديسمبر/كانون أول (إفي):- شهد عام 2009 خروج البرازيل من الأزمة الاقتصادية دون خسائر بالغة، في الوقت الذي تمكنت فيه من تعزيز ثقلها السياسي على الصعيد الدولي، مستفيدة من ارتفاع أسهم رئيسها لولا دا سيلفا وبزوغ نجمه على الساحة العالمية.
فالرئيس الذي وصفه نظيره الأمريكي باراك أوباما بأنه "نموزج الرجال الذي ينبغي أن يؤخذ في الحسبان على الساحة الدولية" قضى أشهر العام في حضور المنتديات والقمم العالمية بصفته رئيس دولة صاعدة بدأ العالم ينظر إليها بعين الاعتبار، ليس فقط بسبب ثقلها الاقتصادي ولكن أيضا لأهميتها السياسية كصوت يعبر عن الدول النامية.
فعلى الصعيد الاقتصادي، فتحت مجموعة العشرين (جي 20) ومجموعة الثماني (جي8) أبوابهما أمام البرازيل، في الوقت الذي جاب فيه رئيسها العالم بحثا عن تشكيل تحالفات مع الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، دفاعا عن مصالح بلاده، وهي المساعي التي كللت بالنجاح مع فوز ريو دي جانيرو بشرف تنظيم دورة الألعاب الأوليمبية 2016.
صعود نجم البرازيل عبر عنه لولا ذاته بقوله إن بلاده "تعيش لحظات خاصة، فاليوم لدينا بلد يتمتع بمزيد من النضج والمسئولية، بلد تمكن من تعزيز اقتصاده الكلي بثبات، مع خلق فرص عمل للعاطلين، وتوزيع الثروات، هذه هي صورة البرازيل الجديدة المعترف بها دوليا".
ورغم ان هناك سلبيات ماتزال الحكومة البرازيلية تعمل على تجاوزها فيما يتعلق بمستوى الفقر والعنف والفساد، إلا أنها نجحت في إدارة الأزمة الاقتصادية بمسئولية، واستطاعت تجاوز مرحلة "الانكماش التقني" التي عانت منه بسبب تلك الأزمة، دون خسائر مؤلمة.
وحقق الاقتصاد البرازيلي خلال الربع الثاني من 2009 نموا قدره 1.9%، بفضل إجراءات التحفيز الضريبي التي وضعتها الحكومة لتشجيع الاستهلاك المحلي إلى جانب إجراءات أخرى متعددة، من بينها غلق الأبواب أمام التصدير.
وفي الوقت الذي مازالت تعاني فيه الكثير من الدول الصناعية الكبرى من الركود، قدرت الحكومة البرازيلية أن إجمالي الناتج المحلي للبرازيل سيشهد زيادة تقارب الـ1% مع نهاية 2009 وهو إنجاز لخصه دا سيلفا بقوله ان "البرازيل كانت أخر الدول تأثرا بالأزمة الاقتصادية العالمية وأول من يتعافى منها".
وفي السياق ذاته توقع وزير المالية البرازيلي جيدو مانتيجا أن يحقق اقتصاد بلاده زيادة يمكن أن تصل إلى 6.5% خلال 2010 وأن يستمر معدل النمو السنوي على هذا النحو حتى 2017 وهو ما يجعل من الدولة اللاتينية خامس أكبر قوة اقتصادية في العالم.
وكان أبرز انتصار حققته البرازيل خلال 2009 هو فوز مدينة ريو دى جانيرو بشرف تنظيم دورة الألعاب الأوليمبية 2016 لتصبح أول مدينة في أمريكا الجنوبية تستضيف الأوليمبياد.
وساعد في الحصول على هذا النجاح عدة عوامل من بينها توافر العديد من المنشآت والشروط في الدولة اللاتينية نظرا لاستعدادها لتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم 2014 بجانب الدعم الذي قدمه لولا شخصيا للملف البرازيلي خلال التصويت الذي جرى في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن مطلع أكتوبر/تشرين أول الماضي.
ولم يكن الطريق مفروشا بالورود، حيث كانت هناك عقبات كبيرة أصعبها ثقل المدن المنافسة لها، ومنها شيكاغو بملف مدعوم من جانب الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقرينته ميشيل، ومدريد بدعم العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس وقرينته الملكة صوفيا ورئيس وزراء البلاد خوسيه لويس رودريجث ثاباتيرو.
وبعد الإعلان عن فوز ريو دى جانيرو اعتبر لولا إن هذا الانتصار برهن على أن "البرازيل خرجت من مستوى الدول المصنفة في الدرجة الثانية لتدخل قائمة الدول رفيعة المستوى من الطبقة الأولى".
وسمح الثقل الذي حظيت به البرازيل لرئيسها بالدفاع بثقة خلال قمة مجموعة العشرين عن ضرورة إصلاح النظام المالي العالمي، وهو ما أثمر بدوره عن افساح المجال أمام زيادة مشاركة الدول الصاعدة بشكل كبير في مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.
كما تزعم لولا، بدعم من نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، حملة تهدف إلى دفع الدول الغنية للتعهد بالتزامات محددة لمواجهة ظاهرة التغير المناخي خلال قمة المناخ التي عقدت بالعاصمة الدنماركية كوبنهاجن.
وبالرغم من أن جهود لولا لم تكلل بالنجاح فيما يتعلق بحصول بلاده على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، إلا أن ثقل البرازيل السياسي يبدو انه امتد ليصل إلى الشرق الأوسط، بعد أن وجه الفلسطينيون والإسرائيليون أنظارهم شطر تلك الدولة اللاتينية للحصول على دعم لمواقفهم المتباينه حول النزاع في المنطقة.
فبعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان للبرازيل في يوليو/تموز الماضي، استقبلت برازيليا في أكتوبر/تشرين أول كلا من الرئيسين الإسرائيلي شيمون بيريز، والفلسطيني محمود عباس، اللذين على الرغم من مواقفهما السياسية المتباينة، اتفقا على دعوة لولا للانخراط في عملية السلام في المنطقة.
ومن منطلق قناعته بضرورة الحوار مع مختلف الأطراف، استقبل الرئيس البرازيلي في الشهر نفسه نظيره الإيراني محمود حمدي نجاد، رغم الانتقادات الحادة في الداخل والخارج لزيارة نجاد.
ومع أن الرئيس صاحب الكاريزما المتميزة لم يعلن صراحة عزمه الانضمام لجهود الوساطة في أكثر مناطق العالم حساسية، إلا أن مراقبين يرون في إعلانه القيام بزيارة إلى الشرق الأوسط في مارس/آذار المقبل مؤشرا على أنه ينوي خلال لعام القادم المضي قدما في طريق ربما يؤدي ببلاده إلى مكانة أكثر بروزا تتفق مع ما حققته من إنجازات. (إفي)