كتب الراهب الإيطالي من القرن الثالث عشر، توماس أكويناس :”أعداؤنا يضغطون علينا من كل جانب”.
وبالتأكيد يضغط أعداء الديموقراطيات الليبرالية من كل جانب وبشكل متزايد على الشركات.
وسواء نجحوا أو لا ، فإن الشركات تقف على جبهة نوع جديد من الحروب، وهو ما يشكل مشكلة للمديرين التنفيذيين الذين لم يعتد أغلبهم على تقييم المخاطر المرتبطة بالصراعات الجيوسياسية.
وعندما يكون المهاجم هو حكومة أخرى، تنهار جميع الرهانات. وتحتوي معظم بوالص التأمين على “بنود الحرب”، ولكنه تأمين تقليدي يغطي أفعال الحروب المألوفة.
لكن عندما يُعزى الهجوم السيبراني إلى حكومة، قد لا يتم التعامل معه على أنه فعل حرب.
وقالت مديرة تنفيذية في عرض تقديمي، أعدته مؤخرا لمجموعة من قادة الشركات، إن الهجمات السيبرانية تشبه الأعاصير التي يطلق عليها أسماء. وعندما تعطي هيئة الطقس اسما لإعصار وفقا لحجمه وقوته، يؤثر ذلك على مقدار التعويض الذي يحصل عليه الأشخاص مقابل الأضرار وفقا لبوليصة التأمين الخاصة بهم.
ولكن مع انتشار “أفعال الحرب” وصعوبة تحديدها، من سيؤمن الشركات عندما تعاني من خسائر كارثية؟
يقول نيك كارتر، مسئول عسكري بريطاني رفيع المستوى: “تُستخدم ممارسات الشركات الفاسدة، والهجمات السيبرانية، والاغتيالات، والأنباء والدعاية الكاذبة، واضطرابات سلاسل التوريد، وسرقة الملكية الفكرية لإلحاق الضرر بالغرب”.
ويقدم الهجوم السيبراني “نوت بيتيا”، الذي شل شركة الشحن الدنماركية “إيه بي مولر ميرسك”، في 2017 ، مثالا تحذيريا.
وقال جيم هاجمان سنابي، رئيس مجلس إدارة “ميرسك” في دافوس 2018: “نحن كنا ضحية لهجوم حكومي على الأرجح”.
وفي الوقت الحالي، يتعارك الضحايا الحاليون والمحتملون للهجمات السيبرانية المرتبطة بالحكومات، مع شركات التأمين بشأن ما يحدد فعل الحرب.
ونشب هذا النزاع، العام الحالي بين ضحية أخرى لهجوم “نوت بيتيا”، وهي شركة الأغذية الأمريكية “مونديليز”، وشركة التامين الخاصة بها “زيوريخ”، ولم تعد أفعال الحرب تمثل سؤال وجودي للحكومات وإنما لمجموعة كبيرة من الشركات كذلك.
وهذا التهديد لا يعني أن الشركات الغربية عليها أن تنسحب من الأسواق العالمية، وهذه الخطوة مستحيلة في كل الأحوال بالنظر إلى سلاسل التوريد المعقدة وقواعد العملاء المتنوعة الخاصة بهم، وإنما يعني أنه يتعين عليهم التفكير في أنفسهم كمشاركين في مشكلات الأمن القومي.
وقال سنابي في دافوس : “ينبغي أن يكون قادة الاعمال استباقيين في استجاباتهم”.
وتسوق “ميرسك” الآن نفسها كرائدة في الأمن السيبراني، كما يمكن أن يطالب المديرون التنفيذيون، حكوماتهم بتقديم نشرات دورية عن الأمن القومي، وهو أمر في صالح الطرفين.
ويمكن للحكومة الأمريكية على سبيل المثال، إعادة هيكل مجلس المستشارين الأمنيين الدوليين التابع لوزارة الخارجية، وهو كيان يضم مجموعة من الدبلوماسيين والجنرالات المتقاعدين.. ولكن نادرا للغاية ما يضم رجل أعمال بارز.
وربما يستحسن من أعضاء حلف الناتو عندما يجتمعون في لندن ديسمبر الحالي، أن يضعوا خطوات للتعاون الأكبر بين الحكومات والشركات.
ويمكن ان تستعين القوات المسلحة، بمدراء تنفيذيين من كبرى الشركات وتوظفهم لمدد محددة.
وعين الجيش السويدي، الربيع الماضي، جان إريك نيلسون، مديرا تنفيذيا في قطاع الشحن، كمستشار تجاري لوزير الدفاع، وأُعطي رتبة كابتن بحري. ودعونا نتخيل على سبيل المثال إذا تم إعطاء المدير التشغيلي لبنك تجزئة كبير، رتبة فريق بشكل مؤقت.
أعتقد أن لدي الجرأة لأقول إن الكثير من المدراء التشغيليين سيقفزون لاقتناص الفرصة.
ويتعين على شركات التأمين والحكومات الغربية كذلك التفكير بشأن ما يمكن أن يفعلوه سويا لإيجاد حلول، بحيث تواصل الشركات وقطاع التأمين، العمل عالميا دون الانهيار تحت قوى الهجمات من الحكومات العدائية.
وبالتأكيد سيكون المستثمرون أكثر ثقة في قطاعات الأعمال التي تنفق أكثر قليلا على خطط الطواريء تلك من التي تأمل ببساطة ألا يصيبها الهجوم، وربما يضغط أعدائنا من كل جانب، ولكن لدينا المهارات للمقاومة.
بقلم: إليزابيث براو، مدير مشروع “RUSI” للردع الحديث، والذي يركز على التعاون بين الحكومات والشركات لابتكار طرق لتعزيز شبكة الأمن.
إعداد: رحمة عبدالعزيز.
المصدر: صحيفة “فاينانشال تايمز”.