من فرح سعفان
الفيوم (مصر) (رويترز) - داخل ورشة في قرية النزلة إحدى قرى محافظة الفيوم، مركز صناعة الفخار اليدوي في مصر، يعكف حسني ربيع على تحضير عجينة من طمي النيل قبل أن يمزجها بقش الأرز ليحولها إلى قطع فنية.
يعمل ربيع (41 عاما) في صناعة الفخار منذ 25 عاما، وتوارث المهنة عن أجداده إذ امتهنت سبعة أجيال من أسرته صناعة الفخار، إحدى أقدم الحرف اليدوية في مصر.
ويقتصر إنتاج ربيع على "الأزيار" وهي أوان فخارية تحفظ برودة الماء، و"البوكلات" صنع خصيصا لحفظ الجُبن القديم بالإضافة إلى بعض القطع الفنية التي تستخدم في تزيين المنازل والحدائق.
ومنذ ثلاثة أعوام كان يعمل بورشة ربيع ما يقرب من 150 حرفيا، لكن الآن لا يتجاوز عددهم 50 عاملا. وعلل ربيع ذلك قائلا "مكانش في اهتمام بالمكان ولا كان في تطوير، وكانت الحرفة كلها شقاء فا كانت الناس بتسيبها وتروح لحاجة أسهل تكسب منها فلوس أسرع".
فاقمت الحرب في أوكرانيا متاعب مصر الاقتصادية إذ رفعت تكاليف الواردات في بلد يعتمد بشدة على الاستيراد واستتبعت نزوحا كبيرا للاستثمارات وتراجع نشاط السياحة.
وأسفر ذلك عن شح في الموارد الدولارية نجم عنه انهيار في قيمة الجنيه وصعود التضخم لأعلى مستوياته في قرابة خمس سنوات مع زيادة أسعار المواد الخام والسلع الأساسية وسط قيود على الواردات للحفاظ على الموارد من العملة الأجنبية.
* "مش لاقي طلب"
كان أثر الأزمة ملموسا في صناعة الفخار اليدوي وبدأ ربيع في مواجهة بعض التحديات وقال "الأسعار زادت عليا وأنا مش عارف أزود، مش عارف أزود ليه؟ لأن أنا مش لاقي طلب على المنتج"، مضيفا أن ما يقوم بتصنيعه هو "منتج ترفيهي" يمكن الاستغناء عنه في ظل زيادة الأعباء الاقتصادية.
وعلى الرغم من قيام ربيع بتشكيل ما يقرب من 800 إلى 1000 قطعة فخارية كل شهر، شكل ارتفاع أسعار بعض المواد الخام التي يعتمد عليها في عمله مثل نشارة الخشب، التي كانت تكلفتها 20 جنيها مصريا للكيلو ثم زادت هذا العام إلى 50 جنيها للكيلو، ضغطا إضافيا عليه وأصبح يطمح لزيادة الإنتاج.
وقال ربيع "بحاول أعمل تصميمات جديدة مختلفة عن التصميمات اللي أنا شغال عليها حاليا، بجيب أشكال فرعونية وأبدأ أصمم عليها بحيث انها تساعد معايا في تسويق المنتج المحلي بتاعي".
تعلم ربيع صناعة الفخار اليدوي في سن العاشرة بهدف مساعدة أسرته في مواجهة أعباء الحياة، وأحب المهنة لأنه وجد بها "حرية وراحة نفسية" بحسب وصفه، لكن الأزمة الاقتصادية الحالية عكرت تلك الراحة.
ويقول ربيع "أنا شغال كدة بركاوي (بدون حسابات)، بجيب (خامات) بأرقام ما بحسبهاش وببيع بأرقام ما بحسبهاش، لو أنا حسبتها أنا مش هشتغل، هلاقي نفسي خسران".
* منتجات النخيل
ولم يختلف الحال كثيرا في قرية العجميين بمحافظة الفيوم، والتي تشتهر بنوع آخر من الحرف اليدوية وهي منتجات النخيل.
يعمل معظم أهل القرية في مجال صناعة الأقفاص والأثاث من جريد النخيل، ومن بينهم شعبان حلوم (55 عاما) الذي انخرط في تلك المهنة منذ طفولته.
منذ ما يقرب من 45 عاما اصطحبه والده إلى أحد الحرفيين ليتعلم صناعة الأقفاص التي تستخدم في تخزين الخضراوات أو الدواجن، ومع مرور الوقت، أقدم حلوم على تطوير إمكانياته الحرفية وبدأ العمل في صناعة الأثاث مثل المقاعد والطاولات من الجريد.
ومع ارتفاع الأسعار لم يجد حلوم سبيلا لزيادة عائده المادي إلا من خلال التطوير، إذ أوضح أن الشكل المتعارف عليه للمقاعد المصنوعة من جريد النخيل لم يتغير منذ 100 عام، لكنه قام بتنفيذ فكرة جديدة لمقعد على طريقة "المكعبات" إذ يقوم بتركيب قطع الجريد بشكل هندسي مبتكر، آملا أن يؤدي ذلك إلى زيادة حجم المبيعات.
ويقول "نمط الشغل هو هو، التغيير في دماغ الإنسان اللي عايز يجدد. الزبون بيغوى (يحب) الجديد، عايز التطور".
* ارتفاع الأسعار
مع اشتداد الأزمة ارتفع سعر الجريد. وأصبح يكلف حلوم 2500 جنيه مقابل شراء ألف قطعة من جريد النخل بعد أن كانت تكلفتها 1200 جنيه. وذلك بالإضافة لارتفاع تكلفة النقل، إذ يقوم حلوم بشراء الجريد من محافظة أسيوط وشحنه إلى قريته في محافظة الفيوم، وعلى مدار العام الماضي، ارتفع سعر النقل من 750 إلى 1500 جنيه.
ولذلك اضطر أن يرفع أسعار منتجاته إذ كان ثمن المقعد التقليدي 120 جنيها وأصبح الآن 150، أما المقعد "المكعب" ارتفع سعره من 150 إلى 200 جنيه.
ويمني حلوم نفسه بأن تساعد الدولة صغار الحرفيين في صناعة منتجات النخيل من خلال توفير معارض تتيح الفرصة لتسويق عملهم، وقال "احنا منسيين خالص، القفاص منسي من ناحية الدولة خالص".
* السجاد اليدوي
تعد محافظة الفيوم أحد أهم مراكز الصناعات اليدوية في مصر، حيث تشتهر عديد من قراها بحرف مختلفة. وضمن تلك القرى، تشتهر قرية دسيا بصناعة السجاد اليدوي.
ويقول أنور أبوزيد (35 عاما) الذي احترف صناعة السجاد اليدوي منذ أن كان عمره ثمانية أعوام "كان المفترض أن الأزمة الحالية تضيف لينا مش تاخد منا، بمعنى إيه.. إن لو منتجي ده بيتم بيعه في سوقه الصحيح، السوق السياحي أو برا (مصر) أنا مش هحس بأزمة أنا هحس بانفراجة".
ولكن على عكس تجارب الحرفيين في الصناعات الأخرى، نجح أبوزيد في الانضمام للقطاع الرسمي من خلال تأسيس شركته الخاصة وأصبح لديه العديد من الفرص التسويقية من خلال المشاركة في معارض مختلفة. لكنه لم يسلم من تأثير ارتفاع الأسعار إذ أوضح أن معظم المواد الخام التي يعتمد عليها زادت بنسبة 25 بالمئة.
وعلى الرغم من تلك المعوقات فقد حقق عام 2022، زيادة في الأرباح عن عام 2021 وصلت إلى 25 بالمئة ويرجح أن اشتراكه في معارض للحرف اليدوية بمختلف المحافظات كان هو العامل الأساسي لهذه المكاسب غير المتوقعة.
ويرى أبوزيد أن السبيل الوحيد أمامه لمحاربة الغلاء هو تطوير المنتج والتكيف مع احتياجات وأذواق العملاء.
وأضاف "ماقدرش أغير الخامات بتاعتي بس أقدر أهدي التصميمات شوية وجت كرم من ربنا إن في السوق دلوقتي الناس محتاجة تكون التصميمات هادية ومش زحمة".
(تحرير محمد اليماني وسها جادو للنشرة العربية)