من باباك داغنبيشه
بيروت (رويترز) - في أواخر يناير كانون الثاني الماضي قضت محكمة بسجن نائب سابق للرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد بتهمة الاختلاس ما أثار عاصفة من الادعاءات التي كانت سببا لتكهنات تقول الآن إن أحمدي نجاد نفسه قد يواجه اتهامات.
وقد وردت هذه الادعاءات في رسالة خاصة نشرتها وكالة العمال الايرانية للانباء لتكشف في خطوة نادرة من نوعها عن الانقسامات على مستوى القيادات في وقت تظهر فيه مؤشرات على أن الرئيس السابق - وهو من أشد المنتقدين للغرب - يتأهب للعودة إلى الساحة السياسية.
ونفى أحمدي نجاد الادعاءات التي ربطت بينه وبين القضية وقال أنصاره إن الدافع وراء طرح الادعاءات سياسي.ومنذ ذلك الحين أبدى مسؤولون كبار قلقهم من أن تؤدي الانقسامات العلنية بين قيادات الفصائل المختلفة إلى تقويض المفاوضات الجارية مع القوى العالمية لتسوية النزاع على البرنامج النووي الايراني.
وفي خطاب في أواخر مارس آذار على سبيل المثال حث الزعيم الايراني الأعلى آية الله علي خامنئي أي منتقدين للحكومة في المفاوضات التي يقودها حسن روحاني خليفة أحمدي نجاد على عدم استخدام الإهانات.
وفي ضوء هذه التطورات سيكون الاستمرار في الادعاءات ضد أحمدي نجاد أمرا له حساسيته بل إن بعض المحللين يرون أنه أمر مفرط في الحساسية.
غير أن آخرين يقولون إن تصريحات بعض نواب البرلمان والمسؤولين ووسائل الإعلام التي تربطها صلة وثيقة بالسلطات تشير إلى أن القضاء يقترب من نظر الأمر.
وكان رضا رحيمي النائب السابق لأحمدي نجاد قد أصبح أرفع مسؤول يدان بالفساد منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979 عندما حكم عليه بالسجن خمس سنوات وغرامة قدرها 38.5 مليار ريال (أي حوالي 1.3 مليون دولار).
وقالت بعض وسائل الإعلام الرسمية إنه قبل رشى فيما يتصل بفساد في شركة ايران للتأمين التابعة للدولة.
وكتب رحيمي رسالة إلى أحمدي نجاد شاكيا أنه كان يجب أن يقف إلى جواره في تلك القضية وزعم أنه أي رحيمي نفسه ساعد الحكومة في دفع رشى قيمتها 12 مليار ريال (400 ألف دولار) لنحو 170 مرشحا من المحافظين في انتخابات برلمانية عام 2008.
وقال رحيمي في رسالته "ألم يتم ابلاغك بأن هذه هي الحكاية كلها."
ولم يقل رحيمي شيئا عما كان يجب على هؤلاء المرشحين أن يفعلوه مقابل ما حصلوا عليه من أموال لكنه أشار ضمنا إلى أنه كان من المتوقع أن يتعاونوا مع حكومة أحمدي نجاد. وكان رحيمي نائبا للرئيس في الفترة من 2009 إلى 2013.
وقبل نشر الرسالة نفى أحمدي نجاد في بيان أن اتهامات الفساد الموجهة لرحيمي ترتبط بحكومته مشيرا إلى أنها تتصل بفترة سبقت شغل رحيمي منصب نائب الرئيس.
وبعد ذلك بأيام أطلق أحمدي نجاد موقعا جديدا على الانترنت في إشارة إلى احتمال عودته للساحة السياسية في الانتخابات البرلمانية خلال العام المقبل.
* الحملة
في العام الماضي تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا في ملياردير يتردد أنه كان على صلة بمساعدين لأحمدي نجاد وذلك لمشاركته في عملية احتيال بلغ قيمة الأموال فيها 2.7 مليار دولار وكذلك غسل أموال شملت أطرافها 14 بنكا من البنوك المملوكة للدولة والبنوك الخاصة.
ونفى المتهمون الأربعة في تلك القضية ارتكاب أي مخالفات.
وسلط الضوء على هذه القضية في وقت يعاني فيه الايرانيون معاناة شديدة بسبب العقوبات المفروضة على بلادهم وكان لها أثر بالغ السلبية على سمعة أحمدي نجاد ومن حوله في نهاية فترته الثانية في الرئاسة.
واتهم أنصار أحمدي نجاد خصومه السياسيين باستغلال تلك القضية لضمان عدم إتاحة أي فرصة لحلفاء الرئيس المنتهية ولايته في انتخابات الرئاسة عام 2013.
وانتهت الانتخابات بفوز روحاني في انتصار ساحق بفضل تعهداته لتخفيف العزلة الدولية المفروضة على ايران وإصلاح ما لحق بالبلاد من أضرار بسبب العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي الايراني بالإضافة إلى ما وصفه روحاني بسوء الادارة المالية في عهد أحمدي نجاد.
ودفعت رسالة رحيمي مجموعة من نواب البرلمان لكتابة رسالة إلى قيادات الجهاز القضائي والبرلمان يحثهم فيها على الكشف عن المرشحين الذين تردد حصولهم على رشي.
وقال كمال الدين بيرموازن أحد الذين شاركوا في صياغة الرسالة لرويترز "ليس هذا بالمال النظيف. علينا استرداد هذه الأموال بأي وسيلة ممكنة ووضعها تحت تصرف الشعب."
كما اشتبك أحمدي نجاد - الخطيب المفوه الذي كان يندد كثيرا بالغرب - مع البرلمان واتهمه بعض الأعضاء بسوء إدارة الاقتصاد والتنكر لخامنئي.
وقال أحمد توكلي عضو البرلمان المحافظ الذي ينتقد أحمدي نجاد منذ فترة طويلة إنه يجب توجيه اتهامات للرئيس السابق.
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية عن توكلي قوله في أوائل فبراير شباط الماضي "أي شخص يخالف القانون يجب أن يحاكم. وفي رأيي أن أحمدي نجاد من المخالفين للقانون."
وانطلقت حملة على موقعي فيسبوك وانستجرام الالكترونيين في أعقاب نشر الرسالة تحت اسم "المطالبة بمحاكمة محمود أحمدي نجاد." ورفض مؤسسو صفحة الفيسبوك طلبا لإجراء مقابلة معهم.
وقال متحدث باسم مجلس صيانة الدستور الذي يتمتع بصلاحيات كبيرة من بينها إمكانية التدقيق في نواب البرلمان ويملك سلطات تشريعية وقضائية إن بوسع المجلس التدخل للتحقيق في الادعاءات الواردة في رسالة رحيمي إذا بدأ البرلمان التحقيق في الأمر أو إذا فتح القضاء ملفا جديدا.
وردا على سؤال عن المغزى الأوسع للحكم على رحيمي قال غلام حسين محسني إيجي المتحدث باسم الجهاز القضائي في مؤتمر صحفي إن "القضاء كان وسيظل يمتلك نية جادة للتصدي لكل الأشخاص الفاسدين على الصعيد الاقتصادي على أي مستوى ومهما كانت المناصب التي يشغلونها."
* "ليس الآن هو الوقت المناسب"
ولم تفلح كل المحاولات الرامية للاتصال بكبار مستشاري أحمدي نجاد السابقين عن طريق الهاتف من أجل التعليق.
ويواجه أحمدي نجاد بالفعل مجموعة من الاتهامات عن الفترة التي قضاها في المناصب العامة وكلها تتصل في الغالب حسب ما تقوله وسائل الاعلام المحلية بعدم اتباع الإجراءات الحكومية السليمة. واستدعته محكمة في أواخر عام 2013 للاستماع إلى أقواله لكنه لم يحضر.
وسئل محسني ايجي المتحدث باسم القضاء هذا الشهر عن الملف القانوني لأحمدي نجاد فقال "في الوقت الحالي هذه المسألة يجري متابعتها وستتوقف المدة على النائب العام."
ويشك البعض أن أحمدي نجاد سيقدم للمحاكمة بغض النظر عن مدى صحة الاتهامات لأن ذلك سينال من صورة خامنئي الذي كان دعمه لأحمدي نجاد عاملا رئيسيا في إحكام الرئيس السابق قبضته على السلطة لا سيما بعد إعادة انتخابه عام 2009 عندما سحقت قوات الأمن اضطرابات شعبية بسبب ما تردد عن تلاعب في أصوات الناخبين.
وقال عباس ميلاني مدير برنامج الدراسات الايرانية بجامعة ستانفورد "إذا اتخذوا خطوة ضد أحمدي نجاد فلن يكون الأمر أنه قد يكشف عن المزيد من الوثائق - وهو الذي هدد فعلا بذلك في كثير من الأحيان - بل أن الناس سيبدأون في نهاية المطاف في التساؤل عمن يقف وراءه."
وقال في إشارة إلى الحرس الثوري أقوى قوة عسكرية في ايران "وكلنا نعلم أن الاجابة عن ذلك السؤال هي آية الله خامنئي والقيادة العليا للحرس الثوري."
ووجهت وسائل إعلام محلية لأحمدي نجاد سؤالا في فبراير شباط الماضي عن اتهامات الفساد. ونقلت وكالة الطلبة الايرانية للأنباء عنه قوله "توجد إجابات لكن الآن ليس هو الوقت المناسب."