مدريد، 18 يونيو/حزيران (إفي): رحل اليوم عن عالمنا بعد صراع مع المرض أديب نوبل البرتغالي جوزيه ساراماجو، الذي يعد من أهم كتاب الرواية العالميين والذي نجح في الجمع بين الإبداع الأدبي والالتزام بالقضايا الاجتماعية، حيث لم يتوقف عن التنديد بأوجه الظلم التي يراها من حوله ومعارضة النزاعات السياسية في عصره.
وولد الكاتب في 16 نوفمبر/تشرين ثان 1922 في بلدة ازيناجا البرتغالية الصغيرة لأب وجد مزارعين وانتقلت الأسرة بعدها للإقامة في لشبونة، وإن ظلت ازيناجا تشغل مكانة خاصة في قلبه.
وعلى الرغم من نبوغه الدراسي إلا أنه اضطر إلى ترك دراسته الثانوية بسبب سوء الأحوال المالية لأسرته، وأبدى ساراماجو ولعه بالأدب لعدم رضائه عن العالم الذي يعيش فيه، إلا أنه عمل قبلها بعدة مهن منها صانع للأقفال وميكانيكي وصحفي.
أصدر روايته الأولى في 1947 باسم (أرض الخطيئة) وأصدر العديد من الدواوين الشعرية من بينها (قصائد محتملة) إلا أنه لم ينل شهرة عالمية حتى بلغ الستين بروايته (مذكرات الدير) التي أغرمت بها الصحفية الإسبانية ومترجمة أعماله فيما بعد بيلار دل ريو مما جعلها تقوم بزيارته للحديث حولها في 1986 وتزوجا بعدها بعامين.
وتقول عنه دل ريو أنه شخص "ذو قناعات راسخة قادر على الوقوف بجوار من يعانون وضد من يتسببون في معاناتهم" وأقرت بأن زوجها لا يمتلك القدرة على تغيير العالم ولكنه يمتلك القدرة على التصريح بما هو لازم لتغييره مستخدما "الفضاء الأدبي الواسع" وهو الرواية.
وفي تصريحات سابقة له قال الأديب البرتغالي "أنا مجرد شخص يقوم من خلال كتاباته برفع حجر وجذب الانتباه إلى ما يوجد أسفله وليس ذنبي إذا خرجت وحوش من حين لآخر".
وأوضح أن رحلاته للقارات الخمسة تهدف لتحفيز المستمعين ليكون لهم رد فعل على المسيرة الخاطئة للعالم والتعبير عن استيائهم بدلا من السير وراء القطيع، كما يتسم الإنسان المعاصر.
وأضاف "حان الوقت للعواء لأننا إذا انساقنا وراء القوى التي تحكمنا سيمكن القول إننا نستحق ما يحدث لنا".
وأثارت روايته (الإنجيل بحسب السيد المسيح) انتقادات الفاتيكان وحظر نشرها في البرتغال في 1992 مما دفعه بعدها بعام إلى نقل محل إقامته إلى جزيرة لانثاروتي الإسبانية حيث أقام حتى نهاية أيامه.
وتتضمن قائمة أعمال ساراماجو (عام رحيل ريكاردو رييس) و(الطوف الحجري) و(سكرات الموت) وقد حاز على جائزة نوبل للآداب عام 1998.
وعرف ساراماجو بآرائه السياسية الحادة التي طالما أدلى بها وسببت له العديد من المشكلات، فقد ظل عضوا فاعلا في الحزب الشيوعي البرتغالي، كما انه ناشط في مجال حقوق الإنسان وقد ندد بغزو العراق كما زار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع عدد من المثقفين العالميين قبل وفاته في رام الله للتضامن معه ضد الحصار الإسرائيلي الذي كان مفروضا عليه في أواخر أيامه.
وخلال الأعوام الأخيرة حرص الأديب العالمي على عدم ترك فترة طويلة بين أعماله بسبب إدراكه لتقدم عمره وأوضح ذلك بقوله "إذا كان لدي شيء لأقوله فمن الأفضل أن أصرح به في أسرع وقت".
وهكذا كانت ثمار أعوامه الأخيرة روايات (الكهف) 2000 و(الآخر مثلي) 2002 و(سكرات الموت) 2005 و(المذكرات الصغيرة) 2006 و(رحلة الفيل) 2008 و(قابيل) 2009 آخر رواياته.
وقد فاجأه الموت اليوم عندما كان يعد لرواية حول صناعة السلاح وعدم وقوع أي إضرابات في ذلك القطاع، وفقا لتصريحاته خلال تقديم (قابيل) في نوفمبر/تشرين ثان 2009. (إفي)