يدرك المسئولون الماليون من أكبر الاقتصاديات فى العالم، أن فيروس “كورونا” ليس مجرد تهديد قصير الأجل للنمو العالمي، بل إنه يكشف عن مواطن الضعف للعولمة نفسها.
ففي الوقت الذي بدأ فيه وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية اجتماعهم في قمة “مجموعة العشرين” في الرياض بالمملكة العربية السعودية، كان ممثلو ثاني أكبر اقتصاد في العالم -الصين- غائبين بشكل ملحوظ، حيث تركز السلطات في بكين على احتواء تفشى المرض الذي أودى بحياة أكثر من 2300 شخص وأصاب قرابة 80 ألفاً آخرين وعطل سلاسل الإمداد العالمية وأدى إلى خفض تصنيف توقعات النمو العالمي.
وفي العاصمة السعودية الرياض، طرح المسئولون أسئلة حول الجوانب السلبية للتبعيات التي تجلبها العولمة وإلى أي مدى سينتشر الفيروس ومدى عمق تأثيره الاقتصادي الذي يظل مجهولاً.
وقال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير: “مازلنا نعتمد على بنسبة تتراوح بين 90% و95% على سلسلة التوريد في الصين لصناعة السيارات وصناعة الأدوية إلى جانب صناعة الطيران ولذلك سيكون هناك عواقب وخيمة لبناء مصانع جديدة وإصدار منتجات جديدة تكون أكثر استقلالية وسيادة.
وذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”، أن تعطل سلاسل الإمدادت يأتي في وقت صعب بالنسبة لصانعي السياسة الاقتصادية الذين يكافحون لإيجاد طرق جديدة لتعزيز النمو في ظل أسعار الفائدة المنخفضة بشكل قياسي، مما يحد من قدرتهم على توفير الحوافز من خلال السياسة النقدية، ويتحول الاهتمام الآن إلى السياسة المالية، حيث يقوم أكثر من نصف اقتصادات “مجموعة العشرين” بالمزيد من الإنفاق.
وقال دوغلاس فلينت، رئيس شركة “ستاندرد لايف أبردين” في مقابلة مع تلفزيون “بلومبرج” في الرياض، إن تفشى فيروس “كورونا” هو اختبار تحمل للعالم والصين ولذلك سنرى المزيد من الحوافز المالية، ومن جانبه أعلن وزير المالية اليابانى تارو آسو، أنه سيدافع بقوة عن سياسة المزيد من التحفيز المالي.
وأضاف: “للتغلب على المخاطر السلبية التي نواجهها معًا، أخبرت “مجموعة العشرين” بأنني أتوقع أن تتخذ الدول ذات الحيز المالي الكبير قراراً جريئاً بشأن السياسة، حيث أصبح من الواضح أن انتشار الفيروس هو خطر يمكن أن يتسبب في تأثير شديد على الاقتصاد العالمي”.
وفي كلمة ألقاها أمام المحافظين ووزراء المالية في العاصمة السعودية يوم السبت، قالت رئيس لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، إن تفشى الفيروس دفع صندوق النقد إلى خفض توقعاته للنمو الصيني إلى 5.6% من 6% وخفض 0.1 نقطة مئوية من النمو العالمي، لكنه يبحث أيضًا في سيناريوهات “أكثر خطورة”.
وقال خوسيه أنجيل جوريا، الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن تفشي فيروس “كورونا” يرجح تخفيض المنظمة توقعاتها الاقتصادية الشهر المقبل.
وأوضح جوريا، في مقابلة مع تلفزيون “بلومبرج” في المملكة العربية السعودية، أنها دعوة للتسلح حيث كان لدينا توترات تجارية، في ظل معاناة الاستثمار، ولكن الآن لدينا فيروس “كورونا” القادم من الصين.
ومع ذلك، قد لا تكون إضافة قوة النيران المالية هي الحل لصعوبات الإمداد التي أحدثها الفيروس للاقتصاد العالمى، ولكن حتى لو عززت الحكومات الطلب من خلال الإنفاق، فإنها لن تتصدى لمسألة إغلاق المصانع في الصين.
ومع إدراج الفيروس الكثير من عدم اليقين فى النظرة الاقتصادية، بالإضافة إلى غياب كبار الممثلين من الصين وروسيا والمملكة المتحدة، لم تكن هناك إشارة تذكر على أن الاجتماعات السعودية التي تنتهي ببيان مشترك سوف تسفر عن أي شىء.
وأشارت الوكالة الأمريكية إلى أن الوزراء يبدو أنهم بعيدون عن أي اتفاق بشأن بند رئيسي آخر في جدول الأعمال وهو فرض ضرائب على أرباح الشركات متعددة الجنسيات التقنية مثل “جوجل” و”فيسبوك”، يأتي ذلك في الوقت الذي تطالب فيه الدول الأوروبية بتطبيق نظام ضريبي عالمي بحلول نهاية العام، بعد أن وقع 4 من رؤساء المالية عليه.
ولكن يبدو أن وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، يلقي بظلاله على أي خطط لمغادرة المملكة العربية السعودية مع خطة عمل مشتركة في متناول اليد، حيث حذر نظرائه من أن الحلول ستتطلب موافقة الكونجرس الأمريكي.
وأشار جوريا، إلى أن الاقتصادات الكبرى اتفقت في الاعتقاد بأنه ينبغي أن يكون هناك اتفاق متعدد الأطراف بشأن فرض الضرائب على الاقتصاد الرقمي ودراسة الآليات التي يمكن من خلالها فرض ضرائب على الاقتصاد الرقمي في العالم.