ظهرت تصدعات في الاقتصاديات القوية في غضون الأسابيع القليلة الماضية في منطقة اسيا، وأصبح المحللون وصناع القرار أكثر قلقا بشأن التداعيات المؤلمة التي قد تمتد إلى تلك المنطقة، في ضوء استمرار تدهور الوضع في أوروبا وحالة الانكسار التي يعاني منها النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة. وقد انخفضت الصادرات الأسيوية على مدار عدة أشهر، نتيجة انخفاض الطلب الأوروبي عليها. وعلى الرغم من أن العديد من الدول تعتمد على الصادرات بشكل أقل مما كان عليه الوضع في الماضي، فلا يزال قطاع التصدير يمثل أهمية كبيرة بالنسبة لاقتصاديات بعض الدول مثل تايوان وكوريا الجنوبية، وغيرها من الاقتصاديات الصغيرة مثل هونغ كونغ وسنغافورة، حسبما يرى الاقتصاديون.
والى الآن، لا تزال المشكلات الاقتصادية في آسيا قليلة نسبيا ولا تزال معظم دول المنطقة في طريقها لتحقيق نمو قوي. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 9.5 في المائة خلال العام الجاري، وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي في شهر سبتمبر (أيلول). ومن المتوقع أيضا أن ينمو الاقتصاد الهندي بنسبة 7.8 في المائة، والاقتصاد الإندونيسي بنسبة 6.4 في المائة، في حين يتوقع نمو اقتصاديات دول أخرى في جنوب شرقي آسيا بنسبة أكبر من 5 في المائة.
ومع ذلك، تعد هذه النسب أقل من مثيلاتها في عام 2010، ومن المرجح أن تتراجع بدرجة أكبر العام المقبل، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي ومعظم الاقتصاديين.
وقال فريدريك نيومان، وهو الرئيس المشارك للبحوث الاقتصادية الآسيوية في مصرف «إتش إس بي سي» في هونغ كونغ: «لقد تزايدت المخاطر المحتملة على قارة آسيا» بعدما تجاوزت الأزمة الأوروبية الاقتصادات الصغيرة مثل اليونان وانتقلت إلى دول أكبر مثل إيطاليا وإسبانيا وحتى فرنسا.
وكانت اقتصاديات منطقة آسيا والمحيط الهادئ تبدو وكأنها معزولة، خلال فترة طويلة من العام الجاري، عن الاضطرابات التي اندلعت في أجزاء أخرى من العالم، ولكن سرعان ما انخفضت أسواق الأسهم الآسيوية، جنبا إلى جنب مع تلك الموجودة في بقية أنحاء العالم. ومع ذلك، لا تزال اقتصاديات هذه المنطقة تتمتع بقوة أكبر من نظيراتها الغربية ,و ثمة تراجع بطيء في قدرة قارة آسيا على البقاء بنفس القوة والمرونة التي تتمتع بها وسط المتاعب الاقتصادية التي تؤرق الدول الغربية.
.
وقد تكشفت بعض المتاعب الاقتصادية يوم الأربعاء الماضي بعدما أظهرت قراءة أولية لمؤشر مديري المشتريات في الصين أن حجم قطاع الصناعة الصيني قد تقلص من 51 نقطة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) إلى 48 نقطة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وهو أدنى مستوى له منذ نحو ثلاث سنوات وأقل بكثير مما كان يتوقعه الاقتصاديون. وقد أدى هذا التراجع إلى زيادة المخاوف من امتداد المشكلات الاقتصادية الغربية إلى قارة آسيا. وقال براناي غوبتا، وهو مدير الاستثمار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في «مؤسسة إي إن جي لإدارة الاستثمارات» في هونغ كونغ: «تقف أوروبا الآن في نفس الموقف الذي كانت عليه الولايات المتحدة قبل ثلاث سنوات: الانكماش الاقتصادي ما هو إلا مجرد بداية».
ونتيجة للتدهور الاقتصادي العالمي، قامت كل من اندونيسيا واستراليا بتخفيض أسعار الفائدة خلال الأسابيع الأخيرة، كما توقفت معظم البنوك المركزية في المنطقة عن زيادة معدلات الفائدة بسبب المخاوف من زيادة نسبة التضخم.
وفي اليابان، تفاقمت الآلام بسبب الزلزال المدمر وأمواج تسونامي التي تعرضت لها البلاد في شهر مارس (آذار) الماضي وبسبب القوة المستمرة للين الياباني. وقد أدى ارتفاع سعر العملة، بسبب الصعوبات الاقتصادية الموجودة في أجزاء أخرى من العالم، إلى زيادة أسعار السلع اليابانية بالنسبة للمتسوقين في الخارج، وهو ما أدى إلى تقليل أرباح المصدرين.
وبالنسبة للقطاع المالي، قامت مصارف مثل «إتش إس بي سي» وبنك نومورا بتقليل حجم العمالة في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن العديد من المصارف ترغب في النمو في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإن المراكز المالية الكبيرة مثل هونغ كونغ وسنغافورة لم تنج من تجميد عملية التوظيف وخفض الوظائف. وقال ماثيو بينيت، وهو العضو المنتدب لشركة «روبرت والترز للتوظيف» في هونغ كونغ: «لا تزال هناك أماكن للتوظيف في القطاع المالي في آسيا، لكنها أصبحت أكثر صرامة وصعوبة خلال الأشهر الأخيرة».
وفي الوقت الذي امتدت فيه أزمة منطقة اليورو إلى اقتصاديات أكبر، تزايد القلق من تزايد التأثيرات على قارة آسيا، ولذا بدأ المحللون يتوقعون قيام المصارف الأوروبية، التي تعاني من مشكلات بالفعل، في تقليص قروضها بشكل حاد إلى آسيا وغيرها من الأسواق الناشئة، لأنها تتكيف مع قواعد رأس المال الأكثر صرامة والتي سيتم عرضها خلال العام المقبل.
وقد أصدر البنك الدولي تقريرا عن اقتصاديات شرق آسيا يوم الثلاثاء الماضي قال فيه إن الإقراض المصرفي كان مستقرا خلال النصف الأول من عام 2011، ولكن أي إيقاف مفاجئ في أسواق الائتمان، مثلما حدث بعد انهيار بنك ليمان براذرز في سبتمبر من عام 2008، سيكون له تداعيات مؤلمة على قارة آسيا.
وأضاف التقرير أن المصارف الدولية قد قللت من تعاملها، خلال الأشهر الستة الأولى من تلك الأزمة، مع شركات البلدان النامية في شرق آسيا بقيمة 36 مليار دولار.