فؤاد عبد الرحيم.
القاهرة، 3 فبراير/شباط (إفي): اعادت مشاهد المواجهات الحالية بين متظاهرين والامن حالة الارتباك والغموض في مصر الى المربع الاول، في ظل علامات الاستفهام التي احاطت بمصرع عشرات المشجعين عقب مباراة كرة قدم بين فريقي الاهلي والمصري بمدينة بورسعيد الساحلية.
وكما اصابت وفاة 74 شخصا باستاد بورسعيد أغلبية المصريين بحالة من الذهول والصدمة، كذلك تفعل المواجهات العنيفة التي اعقبت ما بات يعرف بـ"المجزرة الكروية" أو "موقعة بورسعيد"، نظرا لاصرار مئات الشباب على اقتحام مبنى وزارة الداخلية بوسط القاهرة والهجوم على قوات الامن باستخدام الحجارة وزجاجات المولوتوف، في ظل تنصل الائتلافات السياسية المختلفة من تلك الافعال.
واذا كانت الانتخابات البرلمانية التي اعطت الاغلبية للتيار الاسلامي واعتبرت على لسان نشطاء وشخصيات سياسية، بل وحكومات دول كبرى، بمثابة خطوة أولى في الطريق نحو الديمقراطية، فيبدو ان "مجزرة" بورسعيد ومحاولة اقتحام وزارة الداخلية، ومبان أمنية اخرى، حملت الوضع العام للربيع المصري الى نقطة الصفر في ظل حالة غير مفهومة من العنف والعنف المضاد.
وساهمت الطريقة التي حدثت بها "المجزرة" في اضافة المزيد من الغموض، ورفعت سقف التساءلات حول مفهوم وحقيقة بعض المسميات التي رافقت الربيع المصري، مثل "البلطجة" أو "الطرف الثالث"، والتي تخفي خلفها مسميات اخرى مثل "الفاعل" و"المتسبب" و"المسئول" عن مواجهات دامية تكررت عدة مرات بين الامن والمحتجين خلال الشهور الاخيرة، ونتج عنها مصرع العشرات.
وكان الاف المشجعين قد نزلوا الى ارض الملعب الاربعاء الماضي بمجرد انتهاء مباراة الاهلي والمصري، رغم فوز الاخير 3-1 ، وقام عدد غير قليل منهم بمهاجمة جماهير ولاعبي النادي القاهري دون تدخل واضح من قوات الامن، مما فتح الباب لجدل واسع بدأ باتهامات مباشرة لقوات الامن بالتقصير في حماية الجماهير، وانتهى الى تساؤلات تصب جميعها في نظرية "المؤامرة".
ففي حين تبرأت جماهير بورسعيد من المشاركة فيما حدث في الملعب، نفت جماهير الالتراس لناديي الاهلي والزمالك مشاركتها في المواجهات العنيفة المستمرة حول وزارة الداخلية بوسط القاهرة، كما لم تشر اي من الائتلافات الشبابية المعروفة الى اشتراكها في الاشتباكات في محيط وزارة الداخلية، التي ادت حتى الان الى وفاة شخصين واصابة ما يقرب من 1500 من بينهم نحو نحو 200 شرطي بمدن القاهرة والسويس والاسكندرية.
وأتهم وزير الداخلية محمد ابراهيم في تصريحات صحفية اليوم من يهاجمون قوات الامن باستخدام اسلحة نارية، مدللا على ذلك باصابة عدد من الضباط والجنود بـ"طلقات خرطوش"، ومؤكدا ان قوات الامن لا تستخدم سوى قنابل الغاز لمنع المتظاهرين من اقتحام مبنى الوزارة.
ورغم ان هناك من يرى مصلحة للمجلس العسكري في ابقاء حالة التوتر بهدف اطالة فترة تواجده في السلطة، بات واضحا ان اعداد من يؤمن بنظرية المؤامرة و"الطرف الثالث" وضلوع "البلطجية" في ازدياد مستمر.
ويعتبر رئيس مجلس ادارة نادي الاتحاد السكندري، عفت السادات، بين عدد كبير من المتابعين والمحللين المصريين، ان الاشتباكات الحالية "أكبر من مجرد احتجاج على ما حدث في مباراة كرة قدم"، وانها "بداية لمخطط" يستهدف استقرار مصر، في حين عبر المتحدث باسم حزب النور السلفي نادر بكار عن قناعته بان "ما يحدث مدفوع بفعل فاعل".
ومن جانبه عاد المجلس العسكري، الذي يدير الفترة الانتقالية، الى الاشارة باصابع الاتهام الى "جهات داخلية وخارجية" بالضلوع في اثارة العنف ومحاولة هدم مؤسسات الدولة المصرية، مطالبا المصريين بالحذر.
وبين هذا وذاك، يبقى الفشل في الكشف عن "الطرف الثالث" أو "الجهات الخارجية والداخلية" المزعومة احد العوامل الحاسمة في استمرار حالة الغموض، وربما العنف والفوضى، التي قد تؤدى بالفعل الى تأخير تسليم الحكم لسلطة مدنية بحجة حماية الدولة، رغم تأكيدات المجلس العسكري المتكررة على نيته التخلي عنها بعد انتخابات رئاسية تعقد في يونيو/حزيران المقبل.
وتأتي "المجزرة الكروية" في بورسعيد، والمحاولات الحالية لاقتحام وزرارة الداخلية بعد مرور فعاليات الذكرى الاولى للثورة المصرية في 25 يناير الماضي دون عنف يذكر، نظرا لتواجد قوات الامن بعيدا عن ميدان التحرير الذي شهد تجمع مئات الالاف من المتظاهرين، وتعهد مختلف الجماعات السياسية بالحفاظ على سلمية الاحتفالات.
وساعد تواجد اعداد كبيرة من اعضاء التيارات الاسلامية بين المحتفلين بذكرى الثورة في ضمان عدم حدوث تماس مباشر بين الامن والمتظاهرين الذين طالبوا برحيل المجلس العسكري عن السلطة، رغم التحذيرات المسبقة بوجود مخطط للاعتداء على المباني الحكومية اثناء الاحتفالات، أو خلال الايام التالية للذكرى الاولى.
ولا تستبعد مصادر غربية ومحلية تزايد وتيرة العنف والتوتر خلال الايام المقبلة حتى يوم 11 من الشهر الجاري، الذي يتزامن مع الذكرى الاولى لتنحي الرئيس حسني مبارك تحت ضغط الثوار. (إفي)