من فيل ستيورات
منشأة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط (رويترز) - أدرك طيار سلاح الجو الأمريكي اللفتنانت كولونيل جيريمي رنكين أن أي شيء يحدث بعد ذلك قد يؤدي إلى تصعيد الحرب في سوريا.
كان رنكين (40 عاما) وهو أب لأربعة أولاد يحلق بطائرته من طراز إف-16 إي وكأنه يدور بها في حلبة سباق حول طائرة إيرانية الصنع بدون طيار كانت قد حاولت استهداف قوات تدعمها الولايات المتحدة والمستشارين المرافقين لها على الأرض.
كانت الطائرة الإيرانية الصنع تتهيأ لتوجيه ضربة ثانية بعد فشل القذيفة الأولى التي أطلقتها في الانفجار.
ولذا أسقط رنكين الطائرة الإيرانية الصنع في الثامن من يونيو حزيران في خطوة هي الأولى من نوعها في الحرب الجوية الأمريكية في سماء سوريا وذلك رغم أن مقاتلتين روسيتين كانتا تراقبان الوضع عن بعد.
وقال رنكين في أول مقابلة منذ ذلك الحين "عندما شاهدنا الطائرة بلا طيار تعود أدراجها صوب القوات الصديقة لم ننتظر الإذن من أحد. ودمرناها".
وكان إسقاط رنكين للطائرة الإيرانية دون طيار وهي من طراز شهيد 129 هو الخطوة الأولى في سلسلة من عدة قرارات دفاعية أسقطت فيها طائرات أمريكية طائرات معادية على مدى عدة أسابيع في يونيو حزيران وبدا في البداية أن ذلك يشير إلى تطور أخطر كثيرا في الحرب الجوية في سوريا.
غير أن التصرفات الاستفزازية المماثلة لم تتكرر من جانب القوات المؤيدة لسوريا منذ القرارات التي اتخذها رنكين وطيارون أمريكيون آخرون بإسقاط طائرتين بدون طيار ومقاتلة سورية يقودها طيار في يونيو حزيران.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الرسالة وصلت فيما يبدو.
ومن جوانب عديدة تسلط حالة الطيار رنكين الضوء لا على مخاطر الصراع في سوريا فحسب حيث تحلق طائرات حربية من روسيا وسوريا والولايات المتحدة وحلفائها على مسافات تتيح لها أن تستهدف بعضها بعضا.
بل إنها تبرز المسؤولية الضخمة الملقاة على عاتق الطيارين الأمريكيين في اتخاذ قرارات تفرق بين الحياة والموت في لحظة ولها تداعيات واسعة واستراتيجية على سير الحرب.
وقد تحدث رنكين مع رويترز من منشأة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط لا تكشف عن موقعها بناء على طلب الدولة المضيفة.
* النية القاتلة
سعى رنكين، وهو قائد سرب، إلى تطوير عمله في سلاح الجو تحت ظلال هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 التي نفذها تنظيم القاعدة في الولايات المتحدة. وكان يتدرب على الطيران عندما صدم خاطفون انتحاريون برجي مركز التجارة العالمي بطائرتين ومنذ ذلك الحين نفذ مهام في الشرق الأوسط عدة مرات.
غير أنه سلم بأن الحرب الجوية السورية فريدة من نوعها في رأيه.
ولا يمكن للطيارين الأمريكيين الذي تمتعوا بتفوق جوي في مواجهة متمردين قاتلوهم في أفغانستان والعراق وسوريا الوثوق بمدى المخاطر التي تمثلها طائرات حربية متقدمة من روسيا وسوريا أو الدفاعات الجوية الأرضية في سوريا.
وقال رنكين "من الممكن أن نشتبك جميعا مع بعضنا البعض. لذلك يتطلب الأمر قدرا كبيرا من الانضباط وتدبر تفاصيل الوضع (لتحديد) ما إذا كان يمثل تصعيدا".
ومع مسارعة القوات الأرضية المدعومة من الولايات المتحدة وتلك المدعومة من روسيا للسيطرة على ما تبقى من أراضي "دولة الخلافة" التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية يتزايد خطر وقوع اشتباك غير مقصود بين الجانبين الأمر الذي يرفع المخاطر على الأرض وفي الجو.
غير أنه رغم ما اكتسبه الجيش الأمريكي من خبرة في التعامل مع مقاتلي الدولة الإسلامية على الأرض على مر السنين فما زال الطيارون الأمريكيون يكتسبون الخبرة في معرفة النوايا القاتلة لدى الطائرات الأخرى التي تحلق في سماء سوريا.
* سرعة التفكير
يفخر سلاح الجو الأمريكي أنه لم يسقط جندي أمريكي قتيل بنيران طائرة معادية منذ عام 1953. غير أن هجوم الطائرة بلا طيار هدد بتغيير هذا الوضع وفقا لما قاله مسؤولان أمريكيان عن وجود أمريكي محدود في تلك القافلة التي كانت على الأرض في ذلك اليوم.
وفي البداية قال الجيش الأمريكي إن الطائرة بلا طيار أسقطت قنبلة أخطأت القافلة. غير أن رنكين قدم رواية مختلفة اختلافا بسيطا.
قال إن الطائرة بلا طيار كانت تحمل بالفعل صواريخ وأضاف أنها عندما أطلقت قذيفة أصابت باب إحدى العربات لكنها لم تنفجر.
وقال رنكين "كانت قذيفة عديمة المفعول ... ومن المؤكد أنها كانت تستهدف القتل". وأضاف أن ما حدث استوفى المعايير اللازمة لإطلاق النار على الطائرة بلا طيار.
ومع ذلك فقد كان أحد العوامل التي عقدت مهمة اتخاذ قرار إطلاق النار وجود مقاتلتين روسيتين ربما يفكر قائداهما أن رنكين يستهدفهما.
والمشكلة الثانية أن الطائرة بلا طيار كانت صغيرة بما يكفي لأن يخطيء الصاروخ الذي سيطلقه رنكين ويواصل السير دون قصد صوب الطائرة الروسية.
وأضاف "كانت احتمالات التصعيد كبيرة".
والدرس الأكبر للطيارين في رأي رنكين هو أن الحرب في سوريا تطورت بما يتجاوز كثيرا مجرد ضرب أهداف للدولة الإسلامية على الأرض.
وأصبح على الطيارين الأمريكيين الاستعداد لأي شيء.
وقال رنكين "ما أثبته ذلك الحدث الأخير هو أنك لا تستطيع أن تفترض أنك تعلم تطورات القتال".
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير علا شوقي)