من إيما فارج وأداما ديارا
باماكو/ سيفاري (رويترز) - كان الإمام الحاج سيكو با أحد القلائل في قرية باركيرو الذين تجاسروا وأبدوا اعتراضهم على ظهور متشددين إسلاميين في وسط مالي فراح يندد في خطبه بمن يرفع السلاح من الشباب باسم الدين.
ويوم الخميس الماضي وعقب تناول العشاء سقط الإمام قتيلا بالرصاص على عتبة باب بيته.
يظن أهل القرية أن الجريمة ارتكبتها جبهة تحرير ماسينا وهي جماعة جديدة اعتبرت مسؤولة عن موجة من الهجمات حولت الصراع الاسلامي الدائر في مالي منذ ثلاث سنوات من الشمال الصحراوي النائي ليقترب من الجنوب حيث الكثافة السكانية العالية.
وبث ظهور الجماعة الجديدة - التي تجند أعضاءها من بين أقلية الفولاني العرقية المهمشة في وسط مالي - الرعب في قلوب السكان ودفع بعض المسوؤلين للهرب وقوض جهود بعثة حفظ السلام التابعة للامم المتحدة المؤلفة من عشرة آلاف جندي لتحقيق الاستقرار في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.
استلهمت الجبهة أفكارها من الجهادي المخضرم أمادو كوفا الخطيب المتشدد من بلدة موبتي بوسط مالي وأضافت عنصرا عرقيا جديدا للصراع الاسلامي في بلد تنتشر فيه التوترات القبلية.
ويخشى الخبراء الأمنيون إضفاء طابع إقليمي على العنف من خلال ظهور جماعة جهادية بين الأقلية الفولانية التي ينتشر أفرادها البالغ عددهم 20 مليونا عبر غرب أفريقيا ووسطها.
وقال أوريلين توبي الخبير في شؤون الصراع الذي كان يعمل من قبل انطلاقا من العاصمة المالية باماكو "الخطر أن تتطور الصلات بين الفولانيين في مختلف أنحاء المنطقة وأن يصبح الصراع هو الصراع الاقليمي الرئيسي التالي."
وأضاف "الفولانيون مهمشون في كل مكان.. لهم هوية قوية وتوجد صلات فيما بينهم."
كان اغتيال الإمام أحدث حلقة في موجة من أعمال القتل في منطقة موبتي استهدفت إسكات المعارضين لمختلف الجماعات الاسلامية في مالي. وخرج كثير من المتشددين من صفوف المقاتلين الجهاديين الذين سيطروا على ثلثي مالي في الشمال الصحراوي عام 2012 إلى جانب متمردي الطوارق.
وأدى تدخل عسكري بقيادة فرنسية في أوائل عام 2013 إلى تشتيت المسلحين بعد أن قالت باريس إن هذا الجيب الإسلامي قد يصبح نقطة انطلاق للهجمات الارهابية على أوروبا.
واتجه بعض المتشددين منذ ذلك الحين إلى وسط مالي لإعادة تجميع صفوفهم وتجنيد أعضاء جدد واستغلوا المنطقة كقاعدة لتوجيه ضربات لمناطق في الجنوب كان تعتبر آمنة فيما سبق.
وخلال احتلال الاسلاميين لشمال مالي كانت موبتي آخر معقل للنفوذ الحكومي قبل الصحراء حيث لا وجود للقانون.
وانكسرت تلك الصورة هذا الشهر عندما هاجم مسلحون فندقا في سيفاري القريبة وقتلوا 12 شخصا على الأقل من بينهم خمسة أفراد يعملون بعقود لحساب الأمم المتحدة.
وكان أحد المهاجمين يرتدي حزاما من المتفجرات لم ينفجر وذلك في أول محاولة لشن هجوم انتحاري خارج المنطقة الشمالية.
ويتهم الجيش جبهة تحرير ماسينا بشن الهجوم وهجومين آخرين على الأقل في وسط مالي وجنوبها ما يعرقل محاولات الحكومة وقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لإعادة السلام.
وأعلنت جماعة يقودها الجهادي الجزائري المخضرم مختار بلمختار أعادت تسمية اسمها لتصبح تنظيم القاعدة في غرب أفريقيا مسؤوليتها عن هجوم سيفاري.
وقالت كورين دوفكا مديرة غرب أفريقيا لدى منظمة هيومن رايتس ووتش "يبدو أن استراتيجية الموالين لكوفا هي تفريغ المنطقة من القيادات الإدارية والمسؤولين الحكوميين وغيرهم ممن يتعاونون مع الجيش لتأكيد نفوذهم وربما كذلك لتجنيد أعضاء جدد بسهولة."
* امبراطورية اسلامية
وقالت دوفكا إن الإسلاميين يستخدمون في سبيل تحقيق ذلك أساليب الترهيب والاغتيال.
ووثقت دوفكا خمس حالات لإعدام أشخاص اتهموا بالتعاون مع الجيش هذا العام. وقال أحد سكان المنطقة إن عددا من القيادات في قرى أخرى فر إلى العاصمة باماكو خشية الانتقام منها.
وتقول مصادر عسكرية إن الجبهة تتكون من مقاتلين محليين اتجهوا شمالا للقتال قبل ثلاث سنوات لكنهم عادوا إلى موبتي مع ازدياد الضغوط العسكرية الفرنسية.
واستطاع قادة الجبهة استغلال المظالم المحلية فيما بين الفولانيين الذين يمثلون الأغلبية على المستوى المحلي في تعزيز صفوف مقاتليهم.
وحصل بعض الفولانيين الذين يمثلون تسعة في المئة من سكان مالي على أسلحة من ميليشيات موجودة منذ فترة بعيدة تشكلت لحماية أراضي الرعي. وتوجد ميليشيا مماثلة من الفولانيين في مختلف أنحاء منطقة حزام الساحل القاحلة الممتدة من غرب أفريقيا شرقا من السنغال إلى السودان.
ومن المعتقد أن الجبهة يربطها تحالف وثيق بجماعة أنصار الدين المالية الإسلامية التي شارك زعيمها إياد أغ غالي مع كوفا خلال احتلال الشمال.
وتوجد ضمن أنصار الدين مجموعة من المقاتلين تسمى كتيبة ماسينا في إشارة إلى امبراطورية ماسينا الفولانية في القرن التاسع عشر وقد أعلنت مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات على قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة وأهداف تابعة للجيش المالي في باماكو والمناطق الحدودية قرب ساحل العاج وموريتانيا.
ويقول أندرو ليبوفيتش الباحث الزائر بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن موبتي منطقة مغرية لتوسع الجماعات المتشددة لأهميتها التاريخية كمركز إسلامي.
وتستحضر خطب كوفا صور الجهاد الذي خاضه الفولانيون ضد جماعة بامبارا العرقية المنافسة في سبيل إقامة امبراطورية ماسينا الشاسعة التي شملت مالي والسنغال ونيجيريا. وأصبحت عاصمتها مدينة حمد الله القريبة من موبتي أطلالا الآن.
ويقول سكان إنه لا توجد علامات تأييد ظاهرة لكوفا الذي لا يعرف له مكان ثابت رغم أن أحد سكان المنطقة قال إن شرائط كاسيت لخطبه تلقى رواجا في السوق.
وتقول دوفكا إن تأييد الجماعات المتشددة غذاه إعدام الجيش بعد محاكمات صورية لعدد من الفولانيين المتهمين بأنهم جهاديون. وسجل تقرير لحقوق الانسان أصدرته الامم المتحدة علامات على وجود دماء جافة على جوانب آبار في سيفاري عام 2013. ولم تحقق مالي قط في هذا الأمر.
* هل هو تمرد فولاني؟
وقال سوميلو بوباي مايجا وزير الدفاع المالي السابق إن الجيش يبذل جهودا كبيرة لاحتواء الانتشار السريع للمتشددين. وتحتاج الحكومة لتحسين عملية جمع المعلومات في المنطقة والرقابة على المساجد.
وقال الفولاني أبا ابراهيم با وهو رئيس بلدية التجمع السكاني الذي اغتيل فيه الإمام إن الحكومة لم تفعل شيئا يذكر حيال الاغتيالات الأخيرة وإن الذعر دب في نفوس السكان المحليين. وأضاف أنه اضطر للاختباء.
وأضاف "بخلاف التواصل مباشرة مع الناس لا أستطيع أن أفعل شيئا آخر لوقف ذلك لأن الخطر كبير."
ومن المحتمل أن يستفيد المتطرفون من أي أعمال انتقامية يستشف منها أنها تستهدف الطائفة الفولانية.
وقال جيلوم نجيفا مدير حقوق الانسان ببعثة الأمم المتحدة إن 50 شخصا على الأقل اعتقلوا بتهمة وجود صلات تربطهم بالجبهة منذ ديسمبر كانون الأول الماضي.
وأضاف أن هذا أدى إلى شكاوى من منظمة فولانية أن أبناء الطائفة مستهدفون عشوائيا.
وقال العباس أغ انتالا أحد كبار أعضاء ائتلاف تنسيقية حركات أزواد الذي يقوده الطوارق وهو أيضا زعيم سابق لأنصار الدين إن ثمة ما يدعو للخوف من التشدد فيما بين الفولانيين.
وقال لرويترز "نحن نرى أن الفولانيين مهمشون للغاية في مالي حتى من قادتهم. وهم يشكلون حركة تمرد."