كابول (رويترز) - احتشد آلاف المدنيين المستميتين على الفرار من أفغانستان في مطار العاصمة كابول يوم الاثنين بعد سيطرة حركة طالبان على العاصمة، مما دفع الجيش الأمريكي إلى تعليق عمليات الإجلاء مع تعرض الرئيس الأمريكي جو بايدن لانتقادات متصاعدة بشأن انسحابه من ذلك البلد الذي تمزقه الحرب.
وتدفقت حشود على المطار سعيا للفرار، ومن بينهم من تعلق بطائرة نقل عسكرية أمريكية بينما كانت تسير على المدرج. وأظهرت لقطات تلفزيونية أن شخصا واحدا سقط فيما يبدو من الطائرة أثناء الإقلاع.
وقال مسؤول أمريكي إن القوات الأمريكية أطلقت النار في الهواء لردع الأشخاص الذين حاولوا شق طريقهم نحو رحلة جوية عسكرية لإجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين وموظفي السفارة.
وأفادت أنباء بمقتل خمسة أشخاص على الأقل في الفوضى التي أدت إلى توقف رحلات الإجلاء. وقال شاهد إنه لم يتضح إن كانوا قتلوا بالرصاص أم خلال تدافع. وقال مسؤول أمريكي لرويترز إن القوات الأمريكية قتلت اثنين من المسلحين هناك خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية.
وذكر متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن هناك مؤشرات على إصابة أحد أفراد الجيش الأمريكي.
وغيرت طائرة إجلاء ألمانية مسارها واتجهت إلى العاصمة الأوزبكية طشقند لأنها لم تتمكن من الهبوط في كابول. وحلقت طائرة أخرى فوق المدينة رغم أن السلطات قالت في وقت متأخر يوم الاثنين إن طائرة نقل عسكرية هبطت لإجلاء أجانب وموظفين أفغان.
كما أكدت السلطات الأمريكية إعادة فتح المطار واستئناف رحلات الإجلاء.
وتأتي سيطرة طالبان السريعة على كابول في أعقاب قرار بايدن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد حرب دامت 20 عاما وقال الرئيس الأمريكي إنها تكلفت أكثر من تريليون دولار.
ودافع بايدن عن قراره سحب القوات، منهيا أطول حرب أمريكية، وقال إن القوات الأفغانية هي من ينبغي أن تقاتل قوات طالبان.
لكن السرعة التي سقطت بها المدن الأفغانية في غضون أيام قليلة وليس خلال أشهر كما توقعت المخابرات الأمريكية، والحملات المحتملة على حرية التعبير وحقوق النساء التي اكتُسبت خلال 20 عاما أثارت انتقادات غاضبة.
وقال بايدن إنه اضطر للاختيار بين أن يطلب من القوات الأمريكية القتال إلى ما لا نهاية فيما أسماه حرب أفغانستان الأهلية أو الالتزام بالاتفاق على الرحيل الذي أبرمه الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.
وقال "أدعم قراري بقوة. بعد 20 عاما تعلمت الدرس بمشقة وهو أنه لن يكون هناك أبدا توقيت جيد لسحب القوات الأمريكية. لهذا ما زلنا هناك".
وواجه الرئيس الديمقراطي انتقادات حتى من دبلوماسييه بشأن إدارته للانسحاب الأمريكي، بعدما سحب القوات ثم أرسل آلافا للمساعدة في الإجلاء.
وكتب زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل للصحفيين من مسقط رأسه في ولاية كنتاكي "ضاعت أفغانستان... كل إرهابي في جميع أنحاء العالم يهلل فرحا".
وقال السناتور الديمقراطي مارك وارنر رئيس لجنة الاستخبارات إنه يريد أجوبة بشأن لماذا لم تكن واشنطن مستعدة لأسوأ السيناريوهات.
* الرئيس يهرب
دعا مجلس الأمن الدولي لإجراء محادثات لتشكيل حكومة جديدة في أفغانستان بعد أن حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش من قيود "تقشعر لها الأبدان" على حقوق الإنسان وانتهاكات بحق النساء والأطفال.
فر الرئيس الأفغاني أشرف غني من البلاد يوم الأحد مع دخول مقاتلي طالبان المدينة دون مقاومة فعلية قائلا إنه أراد تجنب سفك الدماء. ولم يُعرف مكانه حتى يوم الاثنين ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية القول إن كانت لا تزال تعتبره رئيسا.
وقال المتحدث باسم البنتاجون جون كيربي إن وزير الدفاع لويد أوستين فوض نشر كتيبة أخرى إلى كابول بحيث يصل عدد الجنود الذين يحرسون عملية الإجلاء إلى ستة آلاف.
وقال سهيل شاهين المتحدث باسم طالبان في رسالة على تويتر إن مقاتلي الحركة لديهم أوامر صارمة بعدم إيذاء أحد. وأضاف "لن تتعرض أرواح وممتلكات وكرامة أحد للأذى، بل ينبغي على المجاهدين حمايتها".
ولم يستغرق الأمر من طالبان سوى ما يزيد قليلا عن أسبوع للسيطرة على البلاد في حملة خاطفة انتهت في كابول بينما اختفت القوات الأفغانية التي أنفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها مليارات الدولارات لتدريبها وتسليحها على مدار سنوات.
وعبر الضباط الأمريكيون طويلا عن قلقهم من أن يفت ذلك الفساد في عزم الجنود الأفغان على الخطوط الأمامية الذين يتقاضون رواتب هزيلة ولا يحصلون من الطعام إلا على القليل ومن العتاد إلا بين الحين والآخر.
* "الوضع ذاته"
هرب مئات الجنود الأفغان إلى أوزبكستان على متن 22 طائرة عسكرية و24 طائرة هليكوبتر خلال مطلع الأسبوع، بما في ذلك طائرة اصطدمت بمقاتلة أوزبكية مما أدى لتحطم الطائرتين حسبما أعلنت طشقند.
وتحدث وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي مع بلينكن بشأن أفغانستان وقال إن باكستان ستظل على تواصل مكثف مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين لدعم السلام والاستقرار في الجارة أفغانستان.
وبثت قناة الجزيرة مقطع فيديو قالت إنه لزعماء من طالبان داخل القصر الرئاسي ومعهم عشرات المسلحين.
وقال محمد نعيم، المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان، للجزيرة إن شكل النظام الجديد في أفغانستان سيتضح قريبا، مضيفا أن الحركة لا ترغب في العيش في عزلة ودعا إلى علاقات سلمية مع المجتمع الدولي.
وسعت الحركة لإظهار وجه أكثر اعتدالا وتعهدت باحترام حقوق المرأة وحماية الأجانب والأفغان على السواء.
لكن كثيرا من الأفغان يخشون أن تعود طالبان لممارساتها القاسية السابقة المتصلة بفرضها أحكام الشريعة. ففي فترة حكم الحركة بين عامي 1996 و2001 لم يكن يُسمح للنساء بالعمل، وكانت الحركة تطبق عقوبات مثل الرجم والجلد والشنق.
وقال موظف حكومي سابق يختبئ الآن في كابول "القلق يساور الجميع.. لم يستهدفوا الناس بعد، لكنهم سيفعلون، وهذه هي الحقيقة. ربما خلال أسبوعين أو ثلاثة، ولهذا يكافح الناس من أجل الخروج الآن".
وقال أندرياس إيجرت رئيس الرابطة الاتحادية لقدامى المحاربين الألمان والذي خدم في أفغانستان "بالنسبة لي، أفغانستان ستصبح خلافة وملاذا للقوات الإسلامية".
وأضاف "وخلال وقت قصير، سنرى الوضع ذاته الذي رأيناه قبل 20 عاما".
(إعداد ليليان وجدي للنشرة العربية)