من أولجاش أيوزوف
ألما اتا (رويترز) - استعادت قوات الأمن في قازاخستان السيطرة على شوارع أكبر مدينة في البلاد على ما يبدو يوم الجمعة، بعد اشتعال العنف على مدى أيام، وقال الرئيس المدعوم من روسيا إنه أمر قواته بإطلاق النار بنية القتل لإخماد الانتفاضة في أرجاء البلاد.
وفي شوارع ألما آتا، كانت الشرطة تقوم بدوريات حراسة وسط الحطام المتناثر غداة إرسال موسكو مظليين للمساعدة في سحق الانتفاضة. وعلى الرغم من ذلك ما زال من الممكن سماع دوي إطلاق النار.
وقُتل العشرات وتعرضت المباني والمنشآت العامة في أنحاء البلاد للنهب والحرق في أسوأ أعمال عنف تشهدها الجمهورية السوفيتية السابقة منذ استقلالها قبل 30 عاما.
وقالت موسكو إن أكثر من 70 طائرة نقلت قوات روسية إلى قازاخستان وإن هذه القوات تقوم الآن بأعمال المساعدة في السيطرة على مطار ألما آتا الرئيسي الذي استعادت الحكومة السيطرة عليه من المحتجين يوم الخميس.
ودفعت الانتفاضة روسيا إلى التدخل العسكري في وقت تشهد فيه العلاقات بين الشرق والغرب مزيدا من التوتر، فيما تستعد موسكو وواشنطن لمحادثات حول الأزمة الأوكرانية في الأسبوع المقبل.
من جانبه، أنحى رئيس قازاخستان قاسم جومارت توكاييف باللائمة على إرهابيين مدربين في الخارج، دون تقديم أدلة تعزز ادعاءه.
وقال توكاييف (68 عاما) في خطاب بثه التلفزيون "لم يضع المسلحون أسلحتهم.. ما زالوا يرتكبون الجرائم أو يعدون العدة لارتكابها".
وأضاف "من لا يستسلم مصيره الدمار. لقد أصدرت أوامري لأجهزة إنفاذ القانون والجيش بإطلاق النار بنية القتل دون سابق إنذار".
بدأت الانتفاضة في صورة احتجاجات على رفع أسعار الوقود في بداية العام الجديد، وسرعان ما تمددت إلى حركة أكبر ضد الحكومة والرئيس السابق نور سلطان نزارباييف.
كان نزارباييف (81 عاما) أطول رؤساء الجمهوريات السوفيتية السابقة بقاء في الحكم حتى سلم مقاليد الأمور والحكم في البلاد إلى توكاييف في 2019.
ويسود اعتقاد على نطاق واسع بأن عائلته تحتفظ في أيديها بأدوات النفوذ في نور سلطان، العاصمة التي تحمل اسمه.
وقال الكرملين يوم الجمعة إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ناقش الوضع مع توكاييف خلال عدة مكالمات هاتفية.
* ذعر
أتى معظم المتظاهرين في ألما آتا، فيما يبدو، من الضواحي الفقيرة للمدينة أو البلدات والقرى المحيطة.
وكان للعنف وقع الصدمة على سكان المناطق الحضرية في المدينة الذين كانوا ينظرون لأوضاع بلادهم بنظرة إعجاب بالمقارنة بجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق المجاورة في آسيا الوسطى الأشد قمعا واضطرابا.
قالت امرأة تدعى كورالاي لرويترز "أسمع في الليل دوي انفجارات فأقع أسيرة في قبضة الخوف الشديد.. الجزء المؤلم في القصة أن الشباب يموتون. من الواضح أن هذا يجري بتخطيط... ربما تكون حكومتنا قد تمكنت من تهدئة الوضع إلى حد ما".
وقالت وزارة الداخلية إنه تم "تصفية" 26 من "المجرمين المسلحين" فيما قُتل 18 من رجال الشرطة والحرس الوطني. لكن هذه الأرقام لم يتم تحديثها منذ يوم الخميس على ما يبدو.
وأورد التلفزيون الرسمي تقارير عن اعتقال أكثر من 3800.
وسُمع دوي إطلاق نار يوم الجمعة بالقرب من الميدان الرئيسي في ألما آتا، وهي الساحة التي كانت مسرحا لاشتباكات بين القوات والمحتجين يوم الخميس. وسيطرت ناقلات الجند المدرعة والقوات على الساحة.
* خونة
ألمح السياسي الموالي للحكومة يرمحمد يرتيسباييف في تصريحات للتلفزيون الحكومي، إلى وجود من وصفهم بالخونة في صفوف قوات الأمن.
وقال إن القوات صدرت لها أوامر بمغادرة مطار ألما آتا قبل سيطرة المتظاهرين عليه، وإن مبنى لجنة الأمن القومي تُرك بلا حماية، مما جعله صيدا سهلا للمحتجين وسمح لهم بالاستيلاء على أسلحة.
ووردت تقارير عن اضطرابات في مدن أخرى، لكن خدمة الإنترنت ما زالت مقطوعة منذ يوم الأربعاء، في ما يجعل من الصعب تحديد رقعة انتشار العنف.
في مدينة أكتاو المطلة على بحر قزوين في غرب قازاخستان، تجمع نحو 500 متظاهر سلمي يوم الجمعة أمام مبنى حكومي مطالبين توكاييف بالتنحي، حسبما قال شاهد من رويترز.
وأفاد التلفزيون الرسمي أيضا أن أكثر من 60 شخصا بينهم مدنيون وأفراد من قوات الشرطة والجيش أصيبوا في مدينة شيمكنت الجنوبية منذ بدء الاضطرابات، مشيرا إلى أن الهدوء عاد للمدينة يوم الجمعة.
* نفوذ روسي
يكشف الانتشار السريع للقوات الروسية مدى استعداد بوتين لاستخدام القوة للاحتفاظ بنفوذه في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، في وقت تثير فيه موسكو انزعاج الغرب بعد حشد قوات بالقرب من أوكرانيا، التي انتزعت روسيا منها شبه جزيرة القرم في 2014.
تأتي المهمة الروسية تحت مظلة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم روسيا وخمس جمهوريات سوفيتية سابقة. وأعلنت موسكو أن قوتها سيصل قوامها لنحو 2500 فرد.
من جهة أخرى، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن واشنطن تراقب القوات الروسية لرصد أي "أعمال قد تكون تمهيدا للاستيلاء على المؤسسات في قازاخستان".
لكن إدارة توكاييف تقول إن الروس لم يشاركوا في القتال أو في "القضاء على المسلحين".
وقال مختار أبليازوف، وهو مصرفي ووزير سابق في الحكومة تحول إلى معارض لها ويعيش حاليا في المنفى، لرويترز إنه يتعين على الغرب التصدي للتحركات الروسية وإلا فسوف يكتفي بمراقبة بوتين وهو "يفرض بشكل ممنهج برنامجه لإعادة إنشاء كيان على غرار الاتحاد السوفيتي".
وأبدت الصين، الجارة الكبيرة الأخرى لقازاخستان، دعمها لتوكاييف. وقال التلفزيون الرسمي إن الرئيس شي جين بينغ أبلغه أن بكين تعارض أي استخدام للقوة لزعزعة الاستقرار في قازاخستان.
ولم يظهر نزارباييف أو يدل بتصريحات منذ بدء الاحتجاجات. وأقاله توكاييف هو وابنَ أخيه من مواقع أمنية يوم الأربعاء.
وقازاخستان منتج رئيسي للنفط وأكبر دولة منتجة لليورانيوم في العالم. وقفزت أسعار النفط العالمية يوم الجمعة بدافع من مخاوف بشأن المعروض.
(إعداد أيمن سعد مسلم للنشرة العربية - تحرير أحمد حسن)