من أمينة إسماعيل وتيمور أزهري
الموصل (العراق) (رويترز) - شب حريق في قاعة زفاف مكتظة في شمال العراق مساء يوم الثلاثاء مما أسفر عن مقتل مئة شخص على الأقل في بلدة مسيحية عانت من احتلال تنظيم الدولة الإسلامية.
وظل رجال الإطفاء يبحثون وسط حطام المبنى المتفحم في بلدة قراقوش، مركز قضاء الحمدانية، حتى صباح الأربعاء، وتجمع الأقارب المكلومون أمام مشرحة في مدينة الموصل القريبة.
وقالت عدة مصادر في قراقوش إن العروسين نجيا من الحريق، لكن لم يتسن لرويترز التأكد من صحة هذه التقارير أو التحدث إلى عائلتيهما.
وقالت مريم خضر "لم يكن هذا زفافا، كان جحيما"، وجلست تبكي وتلطم خديها في انتظار خروج جثامين ابنتها رنا يعقوب (27 عاما) وأحفادها الثلاثة الذين لا يتجاوز عمر أصغرهم ثمانية أشهر.
وذكر ناجون أن المئات كانوا حاضرين في حفل الزفاف الذي أقيم بعد قداس في الكنيسة، وبدأ الحريق بعد نحو ساعة على بدء الحفل عندما شبت النيران في ديكور السقف بينما كان العريس والعروس يرقصان.
وقال نائب محافظ نينوى، حسن العلاف، لرويترز إنه تأكد مقتل 113 شخصا. وقال رئيس فرع الهلال الأحمر في المحافظة إن حصيلة الضحايا غير نهائية بعد لكنها تتجاوز "مئات الجرحى وعشرات القتلى".
وقالت الولايات المتحدة، التي قادت غزوا للبلاد عام 2003، يوم الأربعاء إنها مستعدة للتواصل مع الحكومة العراقية بشأن أي مساعدة يمكن أن تقدمها.
وأظهر مقطع مصور للحادث، نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي ولم يتسن لرويترز التحقق منه، اشتعال النار فجأة في ديكور السقف المضيء الذي أتت عليه النيران، وسرعان ما تحولت بهجة العرس إلى ذعر.
وأظهر مقطع آخر لم تتحقق رويترز من صحته بعد عروسين يرقصان معا بملابس الزفاف عندما بدأت مواد مشتعلة تسقط من السقف على الأرض.
* أوامر بالتحقيق في الحادث
نقلت وسائل إعلام رسمية عن وزارة الداخلية قولها إنها أصدرت أربعة أوامر ضبط لملاك قاعة الزفاف، وطالب الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد بفتح تحقيق.
وأفادت وسائل الإعلام في وقت لاحق بأن الشرطة ألقت القبض على واحد من ملاك القاعة.
وقال ثلاثة أشخاص حضروا حفل الزفاف إن القاعة لم تكن مجهزة لمواجهة الكارثة فيما يبدو، فلم يعثروا فيها على طفايات حريق وكان عدد المخارج فيها قليلا. وأضافوا أن رجال الإطفاء وصلوا بعد 30 دقيقة من بدء اندلاع الحريق.
وأتى حريقان، أُنحي باللائمة فيهما على الإهمال والفساد واللوائح المتراخية في عام 2021، على مستشفيين كانا يعالجان المصابين بكوفيد-19 أحدهما في بغداد والآخر بمدينة الناصرية في جنوب العراق. وأسفر الحريقان عن مقتل 174 شخصا في المجمل على الأقل.
وقال عماد يوحنا (34 عاما) بعد أن فر من الحريق "شفنا النار... تعبر حتى القاعة. اللي طلعوا طلعوا.. واللي ضلوا ضلوا.. حتى اللي طلعوا ادمروا".
وقالت وسائل إعلام رسمية إن المعلومات الأولية تشير إلى أن المبنى مصنوع من مواد بناء قابلة للاشتعال بسرعة مما ساهم في انهياره على نحو سريع.
وقالت امرأة تقف أمام المشرحة "فقدت ابنتي وزوجها وطفلهما البالغ من العمر ثلاثة أعوام. احترقوا جميعا. قلبي يحترق". وسُجيت الجثث في أكياس بينما تتوافد سيارات نقل الموتي لأخذ من تم التعرف عليهم.
وذكر رجل يدعى يوسف كان يقف على مقربة وقد غطت الحروق يديه ووجهه أنه لم يستطع رؤية أي شيء عندما بدأ الحريق نظرا لانقطاع الكهرباء. لكنه نجح في انتشال حفيده (ثلاثة أعوام) والفرار.
لكن زوجته بشرى منصور وهي في الخمسينيات من العمر لم تتمكن من النجاة وسقطت وسط الفوضى وتوفيت.
* قراقوش في حالة حداد
تدفق الناس بالملابس السوداء على الجبانة في قراقوش بعد ظهر يوم الأربعاء، بينما سارت في طابور مجموعة من الشاحنات الصغيرة التي تحمل جثث الموتى لدفنها.
وتجمع المئات، وكثيرون منهم ينتحبون، بينما كانت التوابيت تُحمل على الأكتاف. وكانت بعض الجثث مُكفنة باللون الأبيض فيما كانت واحدة مكفنة بقطعة قماش مزينة بالزهور. ووُضعت التوابيت على الأرض وعانق المشيعون جثث ذويهم قبل الدفن.
وفر معظم سكان بلدة قراقوش، وغالبيتهم من المسيحيين وإن كانت موطنا لبعض أفراد الأقلية الأيزيدية في العراق، من المدينة بعد أن استولى عليها تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014. لكنهم عادوا بعد الإطاحة بالتنظيم المتشدد عام 2017.
وفي كنيسة مار يوحنا التي أقيمت فيها مراسم الزواج قبل الحفل في المساء، قال الشماس هاني الكسموسة "امبارح زواج وفرحة وهلأ (الآن) نحضر دفنتهم".
وحين زار البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، بلدة قراقوش عام 2021، خرج السكان إلى الشوارع بملابس زاهية الألوان وبأيديهم أغصان الزيتون وصدحت التراتيل السريانية من مكبرات الصوت احتفالا بعودة السكان بعد سنوات من احتلال المتشددين لها.
ولم يبق في العراق إلا نحو 300 ألف مسيحي بعد أن فر الغالبية من 1.5 مليون مسيحي كانوا يعيشون في البلاد خلال الفوضى التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، وهو خروج جماعي تفاقم بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على بلدات في سهل نينوى عام 2014.
لكن يوم الأربعاء، أصبحت زيارة البابا فرنسيس ذكرى من الماضي السحيق أمام مشهد تناثر الأحذية والسترات الأنيقة ولعب الأطفال على الأرض حول حطام قاعة الزفاف وارتداء معظم الناس في أنحاء البلدة ملابس الحداد السوداء.
(تغطية صحفية تيمور أزهري من بغداد وجمال بدراني من نينوى وإيناس العشري من القاهرة - إعداد علي خفاجي ومروة سلام ومحمد حرفوش ونهى زكريا للنشرة العربية - تحرير محمد محمدين وأيمن سعد مسلم)