من ألكسندر كورنويل
المنامة (رويترز) - تسير البحرين على حبل سياسي مشدود منذ اندلاع الحرب في غزة إذ تسعى إلى تهدئة الغضب الشعبي من الصراع الذي أودى بحياة آلاف الفلسطينيين مع الحفاظ على اتفاق مع إسرائيل جعلها أقرب إلى الولايات المتحدة.
وتعد العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة حصنا قويا لدولة البحرين الصغيرة ضد إيران، التي تتهمها المنامة منذ فترة طويلة بتقليب الأغلبية الشيعية من سكانها ضد السنة في البلاد التي تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية.
ولم يحقق اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، الذي وقعته البحرين في عام 2020 خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلا القليل من الفوائد لها في مجال الأعمال، على عكس ما حققه للإمارات التي وقعت الاتفاق في نفس الوقت. لكن مصادر ومحللين يقولون إن المكاسب الاستراتيجية الأخرى التي حققتها البحرين أهم من أن تخاطر بها.
وقالت ستة مصادر مطلعة لرويترز إن البحرين لن تتخلى عن علاقاتها مع إسرائيل رغم أن البرلمان أصدر بيانا شديد اللهجة يشير إلى تجميد العلاقات مع إسرائيل.
وذكر أحد المصادر أن البحرين تحاول الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل وفي الوقت نفسه التعامل مع الرأي العام.
ولم يرد مركز الاتصال الوطني في البحرين على الأسئلة التي أرسلت إليه عبر البريد الإلكتروني بشأن وضع العلاقات مع إسرائيل.
وقالت كريستين سميث ديوان الباحثة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن "لا يمكنهم التخلي عن التطبيع مع إسرائيل دون تعريض هذا الإطار الاستراتيجي برمته للخطر".
وذكرت أن الإطار الاستراتيجي لا يتعلق فقط بالحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، لكن توقيع البحرين على الاتفاق جعلها أقرب إلى الإمارات وخلق ثقلا مقابلا لنفوذ السعودية، التي طالما مولت البحرين التي تضاءلت مواردها النفطية منذ فترة طويلة إلى لا شيء تقريبا.
وأضافت "تبني البحرين لاتفاقيات إبراهيم يتعلق بعلاقاتها مع الدول الأخرى بقدر ما يتعلق بإسرائيل" مشيرة بذلك إلى اتفاقات التطبيع التي وقعتها إسرائيل مع البحرين والإمارات.
ومع ذلك، يتطلب الأمر موازنات من البحرين،التي تسعى إلى الحفاظ على الاتفاق دون المساس به بأي شكل بينما تظهر استياءها الشديد من الحملة العسكرية الإسرائيلية الشرسة في قطاع غزة، سواء من خلال انتقاد ولي العهد لإسرائيل في قمة أمنية عقدت في المنامة هذا الشهر أو عن طريق بيانات تصدر عن البرلمان أو سماح الحكومة بالاحتجاجات الشعبية بشأن هذه القضية.
* الغموض بشأن إسرائيل
أصدر البرلمان المنتخب، الذي ليس له أي سلطة على السياسة الخارجية، بيانا غير عادي في الثاني من نوفمبر تشرين الثاني قال فيه إن سفيري إسرائيل والبحرين غادرا البلدين وتم قطع العلاقات الاقتصادية.
وقال النائب ممدوح الصالح في البرلمان بعد أيام من ذلك الإعلان إن سفير إسرائيل غادر البحرين، وعبر عن أمله في ألا يعود.
وحقيقة أن البيان الخاص بالعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية جاء من البرلمان، وليس من وزارة الخارجية، أثار حالة من الغموض عما إذا كانت البحرين قد قطعت العلاقات رسميا.
وردت إسرائيل بأن العلاقات مستقرة، ولم يذكر بيان لاحق أصدرته حكومة البحرين سوى أن المبعوثين غادرا بالفعل دون ذكر أسباب. ولم تأت الحكومة البحرينية على ذكر العلاقات الاقتصادية وهي علاقات ليست ضخمة.
وقالت المصادر الستة المطلعة إن بيان البرلمان لا يعكس سياسة الحكومة.
وذكرت المصادر أن الحيرة العامة المحيطة بالعلاقات مع إسرائيل خففت الضغط على الحكومة على ما يبدو في جهودها للموازنة بين الغضب الداخلي والعلاقات مع إسرائيل.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير في القدس لرويترز إن المبعوثين سيعودان "عندما يسمح الوضع بذلك".
ويتزايد الغضب الشعبي من الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 14 ألفا في القطاع حتى الآن وبدأ بعد أن شن مقاتلو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هجوما مباغتا على إسرائيل أدى إلى مقتل نحو 1200.
* مسيرات احتجاجية
خرج مئات البحرينيين في مسيرات لإظهار التضامن مع الفلسطينيين والاحتجاج على علاقات المملكة مع إسرائيل وتظاهروا في دولة عادة ما تقمع أي شكل من أشكال الاحتجاج خاصة إذا كان على سياسة الحكومة.
وقالت سميث ديوان "الناس غاضبون. والحكومة بحاجة إلى تخفيف الضغط" مشيرة إلى قرار السلطات السماح للمواطنين بتنظيم احتجاجات أسبوعية. ووصفت تسامح البحرين مع الاحتجاجات بأنه "صادم" لأنه يعكس تناقضا مع ما تتخذه البحرين عادة من إجراءات أمنية مشددة.
وتعاملت الحكومة بشدة مع احتجاجات الربيع العربي في عام 2011 عندما طالب متظاهرون كثير منهم من الأغلبية الشيعية بإسقاط النظام الملكي في البحرين. وأرجعت البحرين بعض أسباب الاضطرابات إلى إيران التي نفت ذلك الاتهام.
وعندما وقعت البحرين على اتفاقيات إبراهيم بعد ذلك بعشر سنوات تقريبا، شكلت المخاوف من إيران الخلفية الأمنية مرة أخرى للخطوة إذ لا تزال دول الخليج العربية تعتبر أن الجمهورية الإسلامية تشكل تهديدا أمنيا توسعيا في أماكن كثيرة من منطقة الشرق الأوسط.
وقال مسؤولون غربيون إن الاتفاقات وطدت علاقات البحرين بالولايات المتحدة، مشيرين إلى اتفاق دفاعي تم توقيعه هذا العام.
واعتبرت إسرائيل، المعزولة اقتصاديا وسياسيا إلى حد كبير عن جيرانها في الشرق الأوسط منذ عقود، الاتفاقات بمثابة تحول في الوضع الإقليمي وفتح لعلاقات تجارية جديدة.
وقال توبياس ليندنر وزير الدولة الألماني للشؤون الخارجية لرويترز خلال قمة عقدت هذا الشهر في المنامة "رأيت هنا إشارات واضحة من دول الخليج العربية بأنها لا تريد التخلي عما تم إنجازه في السنوات الثلاث الماضية".
وأضاف "حكومة مملكة البحرين من أشد المؤيدين لاتفاقيات إبراهيم".
وقالت مصادر إن الإمارات تعتزم أيضا الحفاظ على علاقتها مع إسرائيل التي حققت منها مليارات الدولارات من التجارة والتعاون الأمني الوثيق.
وفي المقابل، لا تزال التجارة بين البحرين وإسرائيل متواضعة وتبلغ قيمتها نحو 30 مليون دولار منذ عام 2021، بحسب بيانات الحكومة الإسرائيلية.
(شاركت في التغطية مها الدهان من دبي وآري رابينوفيتش ودان وليامز من القدس - إعداد نهى زكريا للنشرة العربية - تحرير سلمى نجم)