من سامح الخطيب
القاهرة (رويترز) - نافذة يفتحها الروائي المصري أحمد المرسي على عالم سباقات الخيول في بدايات القرن العشرين في روايته الأحدث (مقامرة على شرف الليدي ميتسي) ليرى من خلالها القارئ نشوة الفوز مرة ومرارة الهزيمة ألف مرة بعيون أربعة أشخاص خذلتهم الأقدار فراهنوا على المجهول.
تدور أحداث الرواية في عام 1920 إذ يعاني ضابط السواري السابق سليم حقي من عدم القدرة على التكيف مع حياته الجديدة بعد فصله من الخدمة وحرمانه من المكافأة والمعاش بسبب رفضه التصدي للمتظاهرين في ثورة 1919 إضافة إلى مرض زوجته عايدة فيبدأ في بيع أثاث بيته قطعة قطعة.
يشير صديق سوء على سليم بالبحث عن المكسب السهل في المراهنات فيبدأ بالمراهنة على صراعات الديوك وبعدها يتجه إلى سباقات الخيل وحينها يقابل سمسار المراهنات مرعي المصري فيعقد الاثنان صفقة يقوم فيها سليم بدور المراهن بينما يسهل له مرعي الفوز ويقتسمان المكسب لأن مرعي بحكم عمله محظور عليه المراهنة.
تظل العقبة الوحيدة أمامهما هي الفرس التي ستخوض السباق وهنا يجد مرعي الحل عند الليدي ميتسي خشاب وهي امرأة إنجليزية تزوجت من مصري وتركها بعد وفاته وحيدة ومعها ثروة كبيرة وتبحث هي الأخرى عن الفوز بأي طريقة في سباقات الخيل ولكن لغرض آخر غير المال.
ينطلق سليم ومرعي في رحلة شاقة نحو جزيرة سعود في محافظة الشرقية بعد أن يحصلا على المال من الليدي ميتسي لشراء حصان عربي أصيل ويجدان ضالتهما في (شمعة) ذات البياض اللافت والسرعة الكبيرة لكن صاحب الفرس يريد ثمنها ذهبا وليس بنكنوتا فيرسل معهما ابن أخيه الغلام الصغير فوزان الطحاوي لمرافقة الفرس والعودة بالذهب.
في القاهرة تتبدد كل الخطط حيث يفقد مرعي المال قبل أن يشتري به الذهب وتخوض شمعة أولى السباقات فتلقي بفارسها الأجنبي أرضا وتخرج من المضمار ويخسر سليم كل الأموال التي اقترضها للرهان.
يمر الوقت ويرغب الغلام البدوي في العودة إلى عمه بالذهب لكن مرعي يبث الأمل من جديد في نفوس الجميع باقتراحه أن تخوض شمعة السباق ثانية وفوقها فوزان، ورغم ضراوة السباق تنجح الخطة ويحقق الرباعي سليم ومرعي وفوزان وميتسي أحلامهم.
لكن لأن السعادة نادرا ما تكتمل يظهر فجأة برجس الطحاوي صاحب الفرس ويهجم على بيت سليم ويروع زوجته فتكتشف عايدة أن زوجها يخدعها بمواصلته الرهان على الخيل وأن المال الذي حصل عليه في الآونة الأخيرة ليس من عائلته إنما من المراهنات التي وعدها بالابتعاد عنها وأن غيابه الطويل عنها في شدة مرضها كان بسبب انشغاله باللهث وراء ذلك المكسب السهل السريع.
ثورة عايدة وقرارها بالرجوع منهزمة إلى بيت عائلتها الثرية الذي غادرته رغم إرادتهم للزواج ممن اختاره قلبها رغم الفارق الطبقي بينهما جعل سليم يفيق لكن بعد فوات الأوان وبعد نجاته من محاولة انتحار فاشلة يكتب إليها خطابا يفيض بالندم.
"اعذريني إن كانت حياتك معي بهذا السوء، ولكني حصيلة وهمي في النهاية، وأنا أظن أن كل إنسان في هذه الدنيا هو حصيلة وهمه بطريقة ما.. لقد لجأت طوال حياتي إلى الطريق الخطر الأسهل، ولم أفهم أبدا أن أملا أحمق غير معقول قد يضيع كل شيء، وأن الأحلام لا نصل إليها بالمخاطرة".
"لقد كنت دائما بين يدي، ولكني كنت أبحث عنك في مكان بعيد. ربما هناك وسط الخيول والأرقام، وأوراق البنكنوت، وتذاكر اللوترية، ولكنك كنت بين يدي، عشت سنوات طويلة أريد أن أثبت لنفسي أني أستحقك، غير عابئ بك، أو بما تشعرين به، إن خيطا رفيعا يفصل بين الحب الحقيقي والأنانية، فاعذريني إن كنت تخطيت من هذا إلى تلك".
يتغير مسار حياة سليم ويعود مرعي إلى سابق عهده في المراهنات وتسافر الليدي ميتسى إلى إنجلترا لتبقى الذكرى الوحيدة التي تجمعهم وتسجل مغامرتهم صورة بالأبيض والأسود احتفظ بها فوزان بعد عودته إلى جزيرة سعود يظهر فيها وهو فوق الفرس شمعة وتمسك بلجامها السيدة الإنجليزية وبجوارها سليم ومرعي.
الرواية الصادرة عن دار دَون للنشر والتوزيع بالقاهرة في 350 صفحة هي العمل الأدبي الثالث لمؤلفهما أحمد المرسي الذي يعمل صحفيا ومعدا تلفزيونيا، ووصلت في الأسبوع الماضي للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية التي يشرف عليها مركز أبوظبي للغة العربية.
وهي ترسم بورتريه نادرا للعالم الخفي لسباقات الخيول في مصر قديما الذي لم يتبق منه سوى شارع يحمل اسم (شارع السباق) في حي مصر الجديدة كما تزخر بالتفاصيل الثرية عن الحياة الاجتماعية في مصر في مطلع القرن العشرين.
(تحرير رحاب علاء للنشرة العربية)