من نوح براونينج ومايان لوبيل
القدس (رويترز) - تقدم مدرسة (يد بيد) في القدس مشهدا يكاد يكون مثاليا تماما في مدينة منقسمة تشهد توترا حيث يتعامل اليهود والفلسطينيون يوميا لكن نادرا ما تحدث صداقة بينهم.
وتزين حجرات الدراسة صور حمائم تحمل أغصان زيتون بينما يقوم الطلبة من الجانبين بتحية مدرسيهم الذين يتحدثون اللغتين العربية والعبرية بكلمة "شالوم" أي سلام أو عبارة "صباح الخير" التحية المعتادة في الصباح.
وفي حصة اللغة الانجليزية هذا الاسبوع كان الاولاد العرب واليهود البالغ أعمارهم 12 و13 عاما يتعلمون كلمات أغنية "تخيل" التي دعا فيها مغني البوب جون لينون مستمعيه الى تأمل عبارة "جميع الناس تعيش حياتها في سلام".
لكن يوم السبت الماضي تسللت الكراهية التي تصاعدت في القدس في الشهور الاخيرة الى مدرسة (يد بيد) التي حاولت تعزيز الوحدة منذ تأسيسها في عام 1998 . وأشعلت النار في واحدة من حجرات الدراسة واحترقت الكتب ورسمت على الجدران عبارة "الموت للعرب".
ولم يكن أحد في المكان أثناء الهجوم الذي تشتبه الشرطة في ان الذين نفذوه اسرائيليون يمينيون متطرفون. لكنه يعكس كيف ان التوترات العرقية تحولت الى العنف الذي شمل قيام فلسطينيين بقتل أربعة مصلين يهود وشرطي واحد بالرصاص أو طعنا بالسكاكين في الشهر الماضي.
والمدينة منقسمة منذ فترة طويلة. يسكن الاحياء الغربية منها يهود بينما يعيش فلسطينيون في الجزء الشرقي حيث يقسمهما خط غير مرئي يطلق عليه "الخط الاخضر" الذي يشير الى الخط الذي كان يفصل بين اسرائيل والاردن حتى حرب عام 1967 عندما استولت اسرائيل على القدس الشرقية.
ويوجد نحو نصف مليون ساكن يهودي بينهم 200 ألف في مستوطنات بالقدس الشرقية المحتلة بينما يعيش أكثر بقليل من 300 ألف فلسطيني في المدينة.
واشتدت الانقسامات عندما أقامت القوات الاسرائيلية حواجز طرق بين المناطق الفلسطينية والاسرائيلية للحد من الهجمات. غير ان اليهود والعرب عاشوا جنبا الى جنب في بعض المناطق ومن بينها المنطقة التي توجد بها مدرسة (يد بيد).
وفي جانب من الشارع يقع حي "بيت صفافا" الفلسطيني وفي الجانب الاخر حي "بات". ويوجد متجر محلي يديره فلسطينيون يحظى بشعبية بين اليهود وخاصة أيام السبت الذي تغلق فيه المتاجر اليهودية ومصففة الشعر العربية جاكلين التي تقدم خدماتها للجميع.
غير ان الشكوك المتبادلة جعلت التواصل يكاد يكون قاصرا على المعاملات البسيطة. وقال عبد الكريم لافي وهو من قيادات نظام الدراسة العربي ويقيم في بيت صفافا "نحن جزيرة عربية في بحر من المستوطنات الاسرائيلية". وأضاف "لا توجد علاقات كي نتحدث مع جيراننا اليهود".
وبالنسبة للافي فان الاحتلال الاسرائيلي المستمر منذ 47 عاما يشوب أي جهد للعيش على قدم المساواة معا. وقال "الى ان نحصل على حقوقنا السياسية فاننا نرى (التعايش السلمي) على انه تطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي وسرقة أرضنا."
ويريد اريك سبورتا مدير مدرسة (يد بيد) التغلب تحديدا على هذا النوع من الانقسام وخاصة لان المهاجمين رسموا على الجدران عبارة "لا تعايش سلمي مع السرطان". وقال بينما كان المؤذن يدعو الى الصلاة في مسجد قريب "اذا كان هناك أي شيء يحفظ الديمقراطية الاسرائيلية هذه الايام فانه النشاط المماثل للنشاط الذي نقوم به." واضاف "نشعر اننا أقوى".
وفي أحياء اخرى مختلطة جزئيا مثل حي مصرارة القريب من مدينة القدس القديمة يقوم رجال بتفريغ شحنة من فاكهة وخضروات عليها بطاقات باللغة العبرية في المتاجر العربية وتجري حوارات تبقي على حد فاصل بين الجانبين لا أكثر من ذلك.
وقال الساكن جميل حسن "اليهود يأتون من هناك للتسوق وان كان بدرجة أقل مما سبق." وأضاف "نتحدث بالعبرية معهم وتعلم كثيرون منهم قليلا من العربية".
ويقول دانييل سايدمان وهو محام اسرائيلي ومحلل وأحد المدافعين عن حقوق الفلسطينيين في القدس الشرقية ان الفلسطينيين يشعرون بأن القهر تعمق في الاونة الاخيرة.
حدث هذا التغيير منذ حرب الصيف الماضي بين اسرائيل والفلسطينيين في غزة وما تلى ذلك من نزاع بشأن الدخول الى الاماكن المقدسة.
وقال سايدمان "في نسيج حركاتهم القومية لا يطمح الاسرائيليون والفلسطينيون الى الاشتراك في مجتمع." واضاف "توجد معرفة متبادلة وليس جدارا من الحجارة وانما قليل من التعايش السلمي على قدم المساواة. العرب بالضرورة هم الذين يعملون في وظائف كتابية أو في غسل الاطباق ولا يتولون على الاطلاق في الغالب مناصب المديرين."
وهذا هو السبب في ان مدرسة يد بيد التي بها 620 تلميذا نصفهم من اليهود والنصف الاخر من عرب اسرائيل أو الفلسطينيين يشعرون بأن عليهم التزام ببناء تفاهم.
وتنجح أحيانا هذه الوسيلة. ولدى رونيت روسنتال ابنتان مراهقتان في المدرسة تتحدثان العربية والعبرية بطلاقة ولديهما أصدقاء عرب ويهود. وقالت "انهم يذهبون معا الى مركز التسوق ويذهبون الى السينما والى الحفلات." وأضافت "يعلم الطلبة بما ينطوي على ذلك من تعقيدات . وهم قادرون على الاستماع وقبول حقيقة ان الشخص الذي بجوارهم له رواية مختلفة."
لكن يد بيد لها خمس مدارس في اسرائيل وما زالت تمثل الاستثناء إذ ان الانفصال الذاتي بين أفراد الشعبين أكثر شيوعا وخاصة في القدس.
وقال زياد زياد وهو عربي يقيم في منطقة أبو طور وهي مختلطة تقع على الخط الاخضر ان ازدراء الجيران اليهود في تصاعد وخاصة منذ ان أقامت الشرطة حواجز تقسم المنطقة.
وقال "حتى في الاوقات الافضل نادرا ما نتبادل التحية أو عبارة (كيف حالك)؟ ... يمكنهم ان يروا كيف ان هذاالحاجز فصل بيننا ... انه يثير غضبنا."
(إعداد رفقي فخري للنشرة العربية- تحرير سيف الدين حمدان)