فاجأت الصين أسواق العالم بأكبر تخفيض لقيمة عملتها خلال أكثر من عقدين من الزمن. فقد قام بنك الشعب الصيني (البنك المركزي الصيني) في 11 أغسطس الجاري بخفض سعر الصرف اليومي لعملته مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 1,9%. كما غير البنك المركزي أيضاً الطريقة التي يتم بها احتساب سعر الصرف اليومي بما يتوافق مع وضع السوق، الأمر الذي أدى إلى مزيد من الانخفاض في قيمة اليوان بنسبة 1,6% في 12 أغسطس. هنالك ثلاثة عوامل قد تكون وراء دفع السلطات الصينية لتخفيض عملتها: وهذه العوامل هي تباطؤ الاقتصاد ، وهبوط أسواق الأسهم، والحاجة لتلبية معايير صندوق النقد الدولي لإدراج الرنمينبي كعملة احتياطي رسمية.
فماذا تعني هذه الخطوة من قبل بنك الشعب الصيني بالضبط؟ يقوم البنك المركزي الصيني يومياً بتحديد سعر صرف ثابت رسمي لقيمة عملته مقابل الدولار الأمريكي. ويسمح لسعر الصرف بين البنوك أن يتجاوز سعر الصرف اليومي بنسبة 2% على الأكثر في أي من الاتجاهين. في 11 أغسطس، قام البنك المركزي الصيني بتخفيض سعر الصرف اليومي بنسبة 1,9%. ويعدّ هذا أكبر تحرّك يومي لقيمة اليوان منذ عام 1993، وقد جاء بمثابة مفاجأة كبيرة للمشاركين في السوق.
ولكن يا ترى ما الذي دفع البنك المركزي الصيني لاتخاذ مثل هذا الإجراء؟ باعتقادنا، كانت هناك ثلاثة عوامل هي التي قادت إلى هذه الخطوة.
المصادر: بلومبيرغ وتحليلات قسم الاقتصاد في QNB
أولا، من شأن انخفاض قيمة اليوان أن يؤدي إلى زيادة الصادرات الصينية ومساعدة الاقتصاد على النمو. وفي الواقع، فإنه بالرغم من أن عملة اليوان كانت تنخفض مقابل الدولار الأمريكي، إلا أن قيمتها كانت ترتفع بقوة في نفس الوقت مقابل معظم العملات الأخرى. وعلى أساس الوزن التجاري، ارتفعت قيمة اليوان بنسبة 13,6% خلال فترة الاثني عشر شهراً الماضية حتى يوليو عام 2015. ونظراً للارتباط الوثيق بين سعر الصرف الفعلي لليوان وأداء الصادرات الصينية، فقد أدى ارتفاع قيمة اليوان إلى تراجع الصادرات بنسبة 8,3% في يوليو مقارنة بما كانت عليه قبل عام، وهو أسوأ بكثير من الانخفاض الذي كان متوقعاً بنسبة 1,5%. ومن المحتمل أن يكون صدور بيانات الصادرات هو ما دفع السلطات الصينية إلى التصرف بسرعة وبشكل غير متوقع.
ملاحظة: سعر صرف اليوان الفعلي هو قيمة اليوان مقابل سلة عملات. يتم وزن كل عملة في هذه السلة حسب حجم التجارة التي تتم بها مع الصين.
المصادر: جي بي مورغان، وإدارة الجمارك الصينية،
وتحليلات قسم الاقتصاد في QNB
ثانياً، فإن من شأن خفض قيمة اليوان إعطاء دفعة إلى سوق الأسهم الصينية المضطرب. فعلى الرغم من اتخاذ السلطات الصينية مجموعة من التدابير، ظل سوق الأسهم يشهد تقلبات طوال الأسابيع القليلة الماضية، مصحوبة بمخاوف حول التداعيات المحتملة لهذا الأمر على الاقتصاد الحقيقي (أنظر تحليلنا الاقتصادي: يتوقع للصين أن تحقق النمو المستهدف بالرغم من تقلبات سوق الأسهم). ومن خلال تعزيزها للصادرات، فإن من شأن خطوة خفض اليوان كذلك تحسين الدخل الخارجي للشركات الصينية برفع أرباحها، وبالتالي أسعار أسهمها. كما تؤكد التجربة الحديثة في كل من اليابان ومنطقة اليورو هذا الارتباط بين خفض قيمة العملة وأداء سوق الأسهم. ففي الفترة ما بين نوفمبر 2012 ومايو 2013، انخفضت قيمة الين مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 29,0%. وترافق هذا الانخفاض في قيمة اليوان مع تحقيق سوق الأسهم اليابانية لمكاسب بنسبة 74,1%. ومؤخرا، تراجعت قيمة اليورو بنسبة 11,7% مقابل الدولار الأمريكي ما بين شهري يناير وأبريل 2015، وهي نفس الفترة التي حققت فيها الأسهم الأوربية مكاسب بنسبة 22,1%.
ثالثاً، قد تكون هذه الخطوة من قبل بنك الشعب الصيني مدفوعة بالرغبة في ضم اليوان إلى سلة حقوق السحب الخاصة (SDR) لصندوق النقد الدولي. وحقوق السحب الخاصة هي أصول احتياطي عالمية تتألف في الوقت الراهن من الدولار الأمريكي واليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني. وسيراجع صندوق النقد الدولي السلة هذا العام مع وضع امكانية ضم الرنمينبي إلى هذه السلة في الاعتبار. وتعتبر زيادة تحرير العملة من بين المعايير المطلوبة للانضمام لهذه السلة. لهذا الغرض، غيّر بنك الشعب الصيني طريقة احتساب سعر الصرف اليومي للعملة حيث أصبح لازماً على صناع السوق حالياً الأخذ بعين الاعتبار التغييرات التي تطرأ على قيمة العملة في اليوم السابق، وظروف العرض والطلب في السوق، وكذلك الحركات التي تشهدها العملات الرئيسية الأخرى.
هل ستنجح الصين في تحقيق أهدافها الثلاثة؟ في ظاهر الأمر، لا يعد خفض قيمة العملة بنسبة 1,9% مهماً بما يكفي لإحداث تغير في أداء الصادرات وفي سوق الأسهم. وفي حين أن بيان البنك المركزي الصيني قد ذكر أن خفض قيمة العملة كان بمثابة "عملية تصحيحية لمرة واحدة"، لكن يُتوقع أن تؤدي المرونة الزائدة في تحديد سعر الصرف اليومي الثابت إلى مزيد من التراجع في قيمة العملة. وفي الواقع، انخفضت قيمة اليوان خلال اليومين اللذين أعقبا الإعلان عن هذه التدابير، مما أدى إلى إضعاف تراكمي في قيمة العملة بلغ 4,7% على مدى ثلاثة أيام. وإذا استمر هذا المنحى، فإن ذلك يمكن أن يساعد على توفير الدعم اللازم للصادرات ولسوق الأسهم. وعلاوة على ذلك، أقر صندوق النقد الدولي بحذر التدابير التي اتخذتها الصين، قائلا أن النظام الجديد يعد "خطوة طيبة حيث أنه من المفترض أن يسمح لقوى السوق بلعب دور أكبر في تحديد سعر الصرف". ولكن أكد صندوق النقد الدولي أيضاً بأن التغيير ات "ليس لها آثار مباشرة" على المعايير التي سيستخدمها الصندوق في تحديد ما إذا كان سيضم عملة الرنمينبي للسلة.
ومع ذلك، توجد هناك مشاكل أخرى في الاقتصاد الصيني بخلاف ضعف أداء الصادرات وسوق الأسهم. فلا يزال على الصين التعامل مع أزمة تفجر فقاعة الائتمان، كما أن عملية التحول إلى اقتصاد يقوده المستهلك لا تسير بشكل سلس. فقد أظهرت بيانات الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة الصادرة الأسبوع الماضي أن الاقتصاد قد تباطأ في شهر يوليو المنصرم. وعلى الرغم من أن الصين قد تنجح في صيد العصافير الثلاثة التي تصوب نحوها بحجر اليوان، لكن تبقى هناك مزيد من العصافير التي يجب صيدها.