هبط سعر برميل خام برنت بنسبة 57% ما بين يونيو 2014 ويناير 2015، حيث انحدر إلى مستوى 45 دولار اً للبرميل. غير أنه وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية ارتفع سعر النفط بنسبة 31% ليصل إلى 59 دولاراً للبرميل. ويطرح هذا المعطى الجديد سؤالاً حول ما إذا كان هناك انتعاش آخر في الطريق، بالنظر إلى خفض الشركات النفطية لإنفاقها الاستثماري وتقلص عدد منصات الحفر في الولايات المتحدة. وتشير هذه الحقائق إلى أن من شأن هذه التغيرات الرئيسية أن تؤثر على الاسعار في المدى المتوسط فقط، بينما تفسر العوامل الفنية في أسواق المال دواعي الانتعاش الذي طرأ مؤخراً على الأسعار. فمن المرجح أن تكون هذه العوامل الفنية ذات تأثير مؤقت، وعلى ذلك فإننا لا نتوقع انتعاشاً آخر اً مهماً خلال عام 2015. غير أن التغيرات الأساسية التي تحدث الآن في العرض ستؤدي إلى انتعاش تدريجي في أسعار النفط خلال عامي 2016 و 2017.
إن العوامل الفنية التي دفعت انتعاش أسعار النفط قد تكون مرتبطة بشكل العقود المستقبلية لسعر النفط تناسبياً مع السعر الفوري. فحينما انخفضت الأسعار الفورية لأقل من 70 دولاراً للبرميل في يناير عام 2015، أدت التوقعات بتغيّر العرض والطلب إلى ارتفاع أسعار العقود المستقبلية عن السعر الفوري. فكلما أصبحت الأسعار الفورية أقل، كلما كانت الزيادة المتوقعة في أسعار العقود المستقبلية أكبر، ما يؤدي إلى انحدار منحنى العقود المستقبلية. وقد بلغ منحنى العقود المستقبلية أشد مستوياته انحداراً عندما وصلت الأسعار الفورية إلى أدنى مستوى لها- أصبحت أسعار العقود المستقبلية المستحقة في ديسمبر 2017 أعلى بمقدار 20 دولاراً للبرميل فوق السعر الفوري.
وربما دعا هذا السبب إلى تربّح المتاجرين في النفط من شراء النفط في الأسواق الفورية وتخزينه بغرض بيعه بأسعار أعلى في أسواق العقود المستقبلية. كما شجع ذلك أيضاً على تخزين وتكديس النفط. وقد ذكرت التقارير بأن كبار المتاجرين في النفط وكبرى الشركات الصينية قد حجزوا حاويات عملاقة لتخزين النفط عندما هوت أسعار النفط وبلغ المخزون منه في الولايات المتحدة أعلى مستوياته على الاطلاق. وعلاوة على ذلك، عندما تراجعت أسعار النفط، تراجعت أيضا المراكز القصيرة لأسواق العقود المستقبلية. ومن الممكن أن يكون هذا التفكيك لمراكز المضاربة وتغير اتجاه المراكز قد لعب دوراً مهماً في الانتعاش الذي طرأ مؤخراً على الأسعار، غير أن هذا ليس مرتبطاً بالتقلبات الأساسية في إمدادات النفط.
منحنى العقود المستقبلية للنفط
(دولار أمريكي للبرميل)
المصادر: بلومبيرغ وتحليلات مجموعة QNB
إننا لا نتوقع أن يستمر هذا الانتعاش في الأسعار خلال الفترة المتبقية من عام 2015. وقد تسطّح منحنى العقود المستقبلية نتيجة لانتعاش الأسعار، ما جعل من الصعب التربّح من شراء النفط من الأسواق الفورية وبيعه في المستقبل. كما تم تفكيك معظم مراكز المضاربة، ونتج عنه تضاؤل ضغوط المضاربة النزولية والصعودية في اسعار النفط.
وبناءً على ما أسلفنا، فليس من المتوقع أن يكون للتغيّرات في العرض والطلب تأثير على الأسعار حتى عامي 2016و2017. وقد أعلن عدد من كبرى شركات النفط عن استقطاعات في الاستثمار، ولكن لازال العديد من هذه الشركات تتوقع زيادة في الإنتاج في عام 2015، خاصة لدى الشركات المنتجة للنفط الصخري في الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، قامت شركة Continental Resources باستقطاع إنفاقها الاستثماري بنسبة 41% إلى 2,7 مليار دولار أمريكي، ولكنها لا تزال تتوقع ارتفاع الإنتاج بنسبة 20% خلال هذه السنة. وأوضحت وكالة الطاقة العالمية في تقرير لها صدر الأسبوع الماضي بأن التراجع في إنتاج النفط الصخري سيكون "محدوداً في حجمه".
وتقود الاستقطاعات في الاستثمار إلى تخفيض عدد منصات الحفر العاملة في الولايات المتحدة، ولكن من المتوقع أن لا يؤثر ذلك على الإنتاج إلا في عامي 2016و2017. وقد انخفض عدد منصات الحفر العاملة في الولايات المتحدة بنسبة 21% ليصل إلى 1,456 منصة حتى الآن في عام 2015. ولكن البيانات التاريخية لعدد منصات الحفر الأمريكية تبدو ذات علاقة ضعيفة بإنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة. فلم يكن للتراجع في عدد منصات الحفر في عام 2012 تأثير ظاهر على إنتاج النفط الأمريكي الذي استمر في الارتفاع باطراد. فبعد أن يتم حفر بئر، يستغرق الأمر بعض الوقت لتطويرها وتشغيلها. وتميل شركات النفط للاحتفاظ بعدد من آبار النفط المحفورة التي تنتظر التشغيل الكامل. وإضافة لذلك، ظل متوسط إنتاجية آبار النفط في ارتفاع مستمر خلال السنوات الأخيرة، كما يتوقع له أن يستمر في الارتفاع. ونتيجة لذلك، فإن الانخفاض في منصات الحفر العاملة لا يتوقع أن يكون له تأثير على أسعار النفط إلا ابتداءً من عامي 2016-2017.
إنتاج النفط ومنصات الحفر (2010-2015)
المصادر: بلومبيرغ وتحليلات مجموعة QNB
في الخلاصة، لا نتوقع أن تنتعش أسعار النفط أكثر مما هي عليه في عام 2015، حيث سيكون التعافي في المتوسط بحدود 56 دولاراً للبرميل لكامل السنة. كما يُرجح أن يبدأ تأثر الإنتاج من التراجع في الإنفاق الاستثماري لشركات النفط من عامي 2016-2017، وأن يضع بذلك بعض الضغوط الصعودية على الأسعار مع انتهاء الفائض في المعروض. وعليه فإننا نتوقع انتعاش الأسعار إلى 64 دولاراً للبرميل في عام 2016، وإلى 69 دولاراً للبرميل في عام 2017. وتجيء هذه التوقعات متوافقة بصفة عامة مع سوق العقود المستقبلية للنفط، إلا أن ذلك سيتوقف على تعافي الاقتصاد العالمي وانتعاش الطلب على النفط، وهو ما سيظل أحد المخاطر مستقبلاً.