لن يكون صناع السياسة النقدية في منطقة اليورو وبريطانيا سعداء كثيراً بعودة الارتفاع القوي لكل من اليورو و الجنيه الاسترليني مقابل الدولار الأمريكي بعد أن وصل اليورو الى مستويات $1.1500 وهو الأعلى في شهرين تقريباً، كما أن الجنيه الاسترليني وصل الى $1.5500 وهو أعلى مستوى منذ 22 أيلول الفائت.
قولاً واحداً السبب الرئيسي هو تراجع الدولار الأمريكي وضعفه بعد أن أتقن الفيدرالي الأمريكي لعبة المراوغة على الرغم من معرفتهم أن الكثير من قطاعات الاقتصاد الأمريكي وصلت الى مرحلة الفقاعة وهذا ماأشار اليه ستانلي فيشر قبل اسبوعين.
لكن يبدو أن ربط رفع أسعار الفائدة بعملية معقدة من الأرقام الاقتصادية والبيانات اضافة الى التحديات الاقتصادية العالمية والبيانات الأمريكية المخيبة للآمال حيث أتت مبيعات التجزئة الأمريكية بأقل من التوقعات عند 0.1% خلال الشهر الفائت.
قد تكون رسالة غير مباشرة للأسواق وهي لا تتوقعوا رفع أسعار الفائدة في أي وقت قريب! خاصة أننا أشرنا سابقاً الى أن هذه الأسواق بالغت بالفعل بقراءة توقعات الفيدرالي الأمريكي ووضعت حسابات هي بالأصل كانت بعيدة عن الأرقام الاقتصادية التي كانت تصدر.
السؤال الآن هل ستستمر مكاسب هذه العملات الرئيسية مقابل الدولار الأمريكي؟
في بريطانيا تراجعت العوائد على السندات البريطانية لعشر سنوات اليوم في لندن الى مستويات 1.747 بنسبة 0.57-% علماً أنها كانت عند مستويات 2.125 في منتصف تموز الفائت. من الواضح أن مستويات المخاطر عادت للارتفاع مجدداً مترافقةً مع التحديات الدولية وعودة البيانات السلبية للظهور مجدداً في الاقتصاد البريطاني وعليه فقد تكون قوة الجنيه الاسترليني مؤقتة حالياً.
كانت أرقام التصنيع البريطانية متراجعةً بنسبة -0.8% في تموز الفائت، قبل أن ترتفع بنسبة 0.5% في شهر آب وهو أفضل من التوقعات على أساس شهري لكنها أتت متراجعة بنسبة 0.8-% على اساس سنوي وهو أسوء من التوقعات التي أشارت الى 0.1-%. أما الانتاج الصناعي فقد ارتفع بنسبة 1.0% في شهر آب ليفوق التوقعات لكنه بالمقابل كان عند مستويات 0.8% في شهر تموز وهو أقل من الأرقام السابقة في حزيران التي أتت بنسبة 1.5%. أما مبيعات التجزئة فقد حققت ارتقاعاً بنسبة 0.1% في تموز على أساس شهري وهو أقل من التوقعات، لتحقق مجدداً ارتفاعاً بنسبة 0.2% في شهرآب لكنها بقيت متراجعة على اساس سنوي.
أما ما يهمنا أكثر فهو معدلات التضخم البريطانية حيث أتت الأرقام مخيبة للآمال في شهر أيلول ليتراجع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.1-% ما دون مستويات الصفر وهو ما يعني فعلياً الانكماش وهي الكلمة التي لا يريد أحد من صناع السياسة النقدية والاقتصادية سماعها! اضافةً لذلك تراجع متوسط الأجور من 2.9% الى 2.8% خلال شهر آب، حيث لم تعكس هذه الأرقام تراجع مستويات البطالة الى 5.4% بعد أن كانت عند مستويات 5.5% خلال شهر تموز الفائت.
ما يهمنا فعلياً أن نعرفه بأن قوة الجنيه الاسترليني غير مرتبطة فعلياً بقوة أو زخم اقتصادي في المملكة المتحدة، واذا أخذنا بعين الاعتبار خطاب مارك كارني محافظ بنك انكلترا وعدم تغيير حقيقي في رؤية أعضاء اللجنة النقدية لرفع أسعار الفائدة في بريطانيا، يمكننا عندها القول بأن مستويات الجنيه الحالية بعد ارتفاعها 300 نقطة في يومين قد لا تدوم لفترة طويلة.
سيكون مارك كارني بانتظار قرار رفع أسعار الفائدة الأمريكية أكثر من انتظاره للبيانات البريطانية لأنه سيقرر على أساسه متى سيرفع الفائدة في بريطانيا. من الناحية السياسية، سيعود النقاش مجدداً بشأن بقاء بريطانيا أو خروجها من الاتحاد الأوربي ليكون موضوعاً هاماً تنشغل به الأسواق مجدداً، مع اعتقادنا أن بريطانيا لن تخرج من الاتحاد الأوربي بسبب معطيات سياسية واقتصادية.
ويبدو أن منطقة اليورو ليست بأفضل حالاً ’ فمع بقاء أسعار النفط متراجعة، وتراجع مستويات الطلب من الصين وبقاء معدلات التضخم عند مستويات متدنية، 0.6-% في تموز الفائت، وعدم ارتفاعها فوق مستويات 0.0% في آب وتراجعه الى مستويات 0.1-% في أيلول يؤشر بوضوح الى وجود خطر حقيقي للانكماش مجدداً في قارة هي بالأساس لديها برنامج بأكثر من 1$ تريليون دولار للتيسير النقدي.
ان عودة اليورو الى مستويات 1.15$ سيرفع من الضغوط على صناع السياسة النقدية الأوربية الذين عليهم التفكير بطريقة لشراء مزيد من الأصول واضعاف اليورو مجدداً في غياب أي أفق لرفع الفائدة الأمريكية والذي من الواضح أن الأوربيين كانوا أكثر المتحمسين لرفع الفائدة الأمريكية لأنه ببساطة سيخفف من الضغط عليهم ويرفع عن كاهلهلم عناء اتخاذ المزيد من القرارات لانقاذ اقتصاد منطقة اليورو.
في الجانب الأخر من القصة وهو المستهلك الأوربي والذي يبدو أنه لايعكس حالة من التفاؤل حيث بقيت مبيعات التجزئة الأوربية متراجعة بنسبة 0.6-% في حزيران علماً أنها ارتفعت بنسبة 0.0% في شهر آب الفائت لكنه بالتأكيد ارتفاع ضعيف وغير مضمون.