عندما وصل الجنيه الإسترليني / دولار أمريكي الى مستويات 1.4350$ في نيسان الفائت ( قبل ستة أشهر ) بعد أن بدأ العام الجاري قريباً من نفس المستويات , العديد توقع فعلاً أن الباوند سيبدأ رحلة الارتفاع مجدداً والوصول الى مستويات 1.50$ التي تراجع من عندها وقت حدث التصويت على البريكزت والخروج من الاتحاد الأوربي في حزيران 2016 . لم يحدث هذا السيناريو أبداً بل على العكس تراجع بقوة ليعود مجدداً الى المستويات الحالية 1.2790$ وهي على الرغم من أنه قد وصلها في أيلول الماضي لكن هذه المستويات هي الأدنى منذ حزيران 2017 . لطالما كان الجنيه الإسترليني عملةً مجنونة , تتحرك بقوة أكثر من بقية العملات الرئيسية واذا أخذنا الجنيه الإسترليني مقابل الين مثلاً فهذا كما يعرف الجميع من أكثر أزواج العملات تقلباً في السوق ويعتبر عالي المخاطرة أحياناً. والحق يقال أن الجنيه الإسترليني كان ضحية السياسة أكثر من الاقتصاد هذه المرة , ويتحرك ارتفاعاً وهبوطاً على إيقاع تطور المفاوضات بين الاتحاد الأوربي وبين بريطانيا بشأن معاهدة الخروج النهائية والتي يبدو الى هذه اللحظة أنها ماتزال معقدة. السبب الثاني بلا شك كان قوة الدولار الأمريكي الذي اكتسب زخماً قوياً في الخمسة أشهر الأخيرة ليصل مجدداً قريباً من مستويات 97 نقطة لمؤشر الدولار الأمريكي والتي تعتبر أعلى مستوياته منذ حزيران 2017 .
المستويات الحالية الضعيفة للباوند لا تقلق بنك إنكلترا اطلاقاً لأنها لا تعكس ضعفاً اقتصادياً حقيقياً أو انكماشاً في الاقتصاد البريطاني. لن يقلق بنك إنكلترا بهذا الشأن الا اذا بدأت إشارات لمزيد من التراجع في الأرقام الاقتصادية البريطانية من الآن وحتى ستة أشهر القادمة . وعلى الرغم من أن أسعار الفائدة في بريطانيا وصلت الى 0.75% أعلى من منطقة اليورو الا أن بنك إنكلترا قد يكون قد عمل ضربة استباقية برفع الفائدة لمرة واحدة حالياً وفقط . هناك عدة سيناريوهات قد تكون مطروحة ولكن أهمها :
أولاً , سيتوصل الطرفان الإنكليزي والأوربي الى اتفاق قد يكون منطقياً وخاصة فيما يتعلق بالجمارك والحدود ووضع ايرلندا . ليس هناك من مصلحة سياسية او اقتصادية للخروج دون اتفاق مقبول وخاصة من قبل بريطانيا لأننا نعتقد أنها هي الحلقة الأضعف هنا. تستطيع بريطانيا تحقيق الأجندة الاقتصادية التي تخططها دون تدخل الأوربيين , ولكن وجود الاتفاق سيرفع من قدرتها على المنافسة وتوسيع هامش قدرتها على اتخاذ قرار . لا ننسى أبداً أن هناك قيادةً جديدة متوقعة لألمانيا خلال السنتين القادمتين وقد يكون / تكون المستشارية الألمانية مختلفة في توجهاتها وأولوياتها , هذا بالتأكيد سيترك تأثيراً مهماً للغاية.
ثانياً , اذا بقي الباوند ضعيفاً دون ارتفاع فعلي وأسعار الطاقة مستقرة عند مستوياتها الحالية سنرى مزيداً من الضغوط التضخمية, عندها قد يكون بنك إنكلترا مضطراً للتدخل , قد لا يرفع الفائدة سريعاً ولكن التدخل اللفظي قد يكون كافياً للباوند حتى يرتفع مجدداً.
ثالثاً , فنياً , تعتبر المستويات الحالية مستويات دعم مهمة للغاية في الاطار اليومي للمدى المتوسط وليس فقط عدة أشهر .