المقال مترجم من اللغة الإنجليزية بتاريخ 1/1/2019
انتهى عام 2018 نهاية عسيرة، ولكن لم ينته الخلاف بين رئيس الولايات المتحدة، وصانعي سياسة الاحتياطي الفيدرالي، وأسعار الأسهم على طريق متعثر، وأنهت العام منخفضةً انخفاضًا كبيرًا. وبدأ المستثمرون يعتقدون أن الفيدرالي سيتوقف عن رفع معدلات الفائدة طوال العام. على الأقل هذا ما يدل عليه سوق العقود الآجلة لصناديق الفيدرالي.
ربما يكون ما تدل عليه تلك العقود الآجلة هو رد فعل مبالغ فيه، ويأتي هذا الرد المبالغ فيه من جراء رد مبالغ فيه آخر صدر عن الأسواق بعد رفع معدل الفائدة في نهاية النصف الثاني من عام 2018، تلك العملية التي وصفها مستشار الرئيس ترامب، ستيفن مور، بالـ "كارثية" في مقال الرأي الذي شاركه في كتابته ألفريدو أورتيز. دعا مور وأورتيز الفيدرالي إلى تغيير اتجاه سيره، متهمًا البنوك المركزية بخلق دورة انكماش. لا تذهب أسواق العقود الآجلة للتدليل على ما قالا، على الرغم من قول بعض المحللين إن الفيدرالي ينتوي تخفيض معدلات الفائدة، في حال استمر الاقتصاد في خسارة قوته، واستمر سوق الدببة مترأسًا للأسهم.
وخسر الفيدرالي والأسواق تناغمهما، فالفيدرالي على الأوراق الرسمية ما زال يعد نفسه لرفع الفائدة مرتين العام القادم. وربما يحدث صدام لا يمكن تجنبه، لأن الفيدرالي المعتمد في قراراته على البيانات الاقتصادية ينظر للخلف، بينما تنظر الأسواق للأمام، والفجوة تستمر في الاتساع.
ولا تتسم البيانات التي تقود الفيدرالي بأي درجة من الوضوح. فيبدو أن الفيدرالي غير راغب في خوض حديث متفائل حيال الاقتصاد الذي رسم صورته العام الماضين وأصبح الآن لا صلة له بالواقع.
وصرح رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في المؤتمر الصحفي المنعقد في ديسمبر الماضي حيال حقيقة: التوترات التجارية، وسوء الإدارة الحكومية، والمخاطر الجيوسياسية، وغيرها من الأشياء التي تعكر صفو المستثمرين، بينما لا يضعها الفيدرالي في اعتباره. وعليه، اتجه الفيدرالي، بأفكار مسيطر الثيران عليها، نحو رفع معدل الفائدة مرة أخرى في نهاية العام.
ولكن لا يظهر أيضًا في بياناتهم أو نماذجهم أي دلالة على التضخم، رغم معدل البطالة المنخفض.
المخاطر الاقتصادية العالمية، والاتجاه للأسفل
ويبدو أن البنوك المركزية الأخرى بعيدة أيضًا عن التزامن مع ما يحدث في السوق. فاتجه البنك المركزي الأوروبي نحو تنفيذ خطة وقف شراء السندات الحكومية بنهاية عام 2018، على الرغم مما أظهر الاقتصادين الألماني والإيطالي من علامات سلبية بالنسبة للنمو خلال الربع الثالث، ورغم إقدام الجميع على تخفيض توقعاتهم لعام 2019 بالنسبة لمنطقة اليورو بالكامل.
ولكن، استمر البنك في السير على خطته المقررة، ويبدو أن صانعي السياسة يعتقدون أن الإرشادات المستقبلية شديدة الرسوخ، رغم إعلانهم قدرتهم على إدخال تغييرات دون النظر إلى البيانات.
ويتحين بنك إنجلترا الفرصة لرفع معدل الفائدة مرة أخرى، رغم ما يطلقه الثيران من صفارات إنذار حيال احتمالية المعاناة من تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد دون اتفاق، مما سيتسبب في زعزعة الاقتصاد البريطاني.
وعلى الأرجح الأوروبي والمركزي وبنك انجلترا واقعان تحت ضغط، بسبب إقدام الفيدرالي على رفع الفائدة منذ أكثر من عام.
وبينما تآكل تفاؤل بنك اليابان حيال الوصول أخيرًا إلى هدف التضخم المحدد بـ 2%، وفق المخلصات التي أصدرها حول اجتماعه في نهاية ديسمبر. ودفعت أسعار النفط الهابطة صانعي السياسة نحو التحدث بصوت حمائمي، لأن الأسعار تتحرك ناحية الركود، أو المستويات السلبية.
ولكن، على الأقل اعترف صانعو السياسة في بنك اليابان بمخاطر الاتجاه للأسفل.
الاقتصاد العالمي يتغير، والتحرك ضرورة ملحة
ويراود السوق سؤالًا مهمًا في بداية 2019، وهو: هل تستيقظ البنوك المركزية وتنتبه لحقيقة بطء رد فعلهم على التغيرات الاقتصادية السريعة؟ ربما يصعب تذكر وقت الأزمة المالية العالمية في 2008، ولكن البنوك المركزية حينها لم تكن لديها أي أدلة ولا فهمت أي إشارات حول الخطر الذي كان الاقتصاد بصدده.
ورد فعل الاحتياطي الفيدرالي عند بداية الأزمة -تحت رئاسة بين بيرنانكي- ربما يكون هو ما خلص السوق جزئيًا. بيد أن الإجراءات النقدية الاستثنائية، مثل التسهيل الكمي، تظل مثارًا للجدل، وعواقبها طويلة الأمد ما تزال مجهولة.
وانكشف مستوى المهارات الاقتصادية السيئة لدى باول بسوء تعامله مع فترة انتقال الاقتصاد حاليا. فاتسم مؤتمره الصحفي نهاية ديسمبر بالكارثية للأسواق. فبعيدًا عن بناء آرائهم على النماذج الاقتصادية الشاملة التي يصوغها فريق العمل، فزعم أن الفيدرالي يعتمد في قراراته على البيانات، في حين وصف التضييق الكمي بأن وضع "آلي" يعمل عليه الفيدرالي الآن.
وتكمن أحد مواطن قوة الفيدرالي في نظام اختيار رئيس البنك، فعادة ما ينتخبه مجلس الإدارة، ولا يصدر قرار تعيينه من واشنطن. ويمتلك كل رئيس فريق عمل ضخم مكون من باحثين واقتصاديين، وعادة ما يكون الرؤساء اقتصاديين مميزين.
تاريخيًا، كان رؤساء البنك الإقليميين خاضعين لمجلس المحافظين في واشنطن. فعجزوا عن تحدي اقتصاديين بارزين من أمثال آلان جرينسبان، بيرنانكي، أو جانيت يلين، على الرغم من الاستفادة التي يمكن أن تتحقق لو تمكن هؤلاء من تحدي الرؤساء.
ويقضي الرؤساء الإقليميون هؤلاء وقت ويل مع رجال الأعمال والسياسيين على المستوى المحلي، وعادة ما يغطي عملهم عدد من الولايات، ويمنحهم هذا القدرة على الشعور بما يحدث في الاقتصاد على أرض الواقع، يعجز مجلس الإدارة المقيم في برجه العاجي عن الحصول على نفس المعرفة. وتحدث اثنان من الـ 12 رئيس للبنك عن التوقف المؤقت في سياسة التضييق المالي للفيدرالي، وهما كاشكاري من مينابوليس، وجاسمي بولارد من سانت لويس. فيرى كاشكاري عدم وجود أي دليل على دفع الرواتب للتضخم أو توقعات للتضخم غير معروضة، ويعتقد بولارد أن وقت تحويل نموذج العمل حان، ذلك النموذج الذي يبرز الصلة بين السياسة النقدية والاقتصاد.
لسوء الحظ، يعتمد الفيدرالي على نظام تصويت مصمم خصيصًا لمنح مجلس إدارة واشنطن الهيمنة على السياسة النقدية، فيمنح حق التصويت دوريًا، مما يعني أنهم لا يحصلون على هذا الحق دائمًا، ورغم ذلك ينالون الحق في إبداء الرأي والحديث أثناء المناظرات في كل اجتماع. يحظى بولارد بحق التصويت في 2019، بينما ينتظر كاشكاري العام المقبل. وعبر بارتيك هاركير، رئيس الفيدرالي في فيلادلفيا، عن شكوكه قبل اجتماع ديسمبر، كانت الشكوك حيال رفع معدل الفائدة، ولكنه لا يحصل على حق التصويت إلا بحلول العام القادم.
ولكن، تحظى الأصوات المعارضة بالقوة على الرغم من عدم امتلاك حق التصويت، في المؤسسات التي تتخذ قرارات بالإجماع مثل الفيدرالي. وربما تستطيع الأصوات الحمائمية ضبط الميول الصقرية المتسرعة للعاملين في البنوك المركزية، من أعضاء لجنة السوق المفتوح التابعة للفيدرالي.
ستتبع البنوك المركزية الرئيسية -مثل الأوروبي المركزي، وبنك إنجلترا، وبنك اليابان- خطى الفيدرالي، أيًا ما كان قراره، مثلما فعلوا منذ بداية الأزمة المالية. فتشتد أهمية الدولار بالنسبة للتجارة العالمية، والنظام المالي، وبالتالي تعجز تلك البنوك عن الانحراف كثيرًا عن مسار سياسة الفيدرالي. وإذا أطال الفيدرالي فترة التوقف في تنفيذ سياسة التضييق، سيعطي هذا تلك البنوك فترة طويلة من الوقت للاحتفاظ بالسياسة التسهيلية التي يحتاجها اقتصادهم.