المقال مترجم من اللغة الإنجليزية بتاريخ 26/2/2019
يصوّت البرلمان حاليا على إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت)، فالآن للبرلمان قوة تأثير أكبر على الجنيه الاسترليني من قوة قرارات بنك إنجلترا. ولكن، لم تغفل الأسواق عن ملاحظة اعتدال نبرة المحافظ، مارك كارني، والتي اتسمت في السابق بالتخويف من خروج بريطانيا. والآن، يتخذ كارني مركزًا متفائلًا وبنّاء إزاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي أصبح وشيكًا.
حذر البنكيون في البنك البريطاني المركزي لشهور من حالة عدم الاستقرار، والعواقب الوخيمة لخروج بريطانيا. وانعقد اجتماع لجنة السياسة لبنك إنجلترا في بداية شهر فبراير، واشتكى كارني من الوضع الضبابي للبريكسيت، واحتمال دخول البلاد في حالة ركود. وبعد أيام قلائل، بدا كارني وكأنه يقرأ من نفس الصفحات التي تراها تريزا ماي، رئيسة الوزراء، عن مستقبل البلد بعد خروجه من الاتحاد.
وألقى كارني خطابًا في قاعة Frobisher، دار الخطاب حول مستقبل الاقتصاد العالمي، وفيما يخص البريكسيت علّق: "بالنظر من مختلف الزوايا، يعتبر البريكسيت هو أول اختبار للنظام العالمي الجديد، ويمكن أن يكون هو الاختبار الكاشف عمّا إذا كانت هناك طريقة يمكن أن تجدها الدولة لتتوسع، وتزيد من منافعها، وانفتاحها، بينما تعزز اعتمادها على الديموقراطية." وتابع: "يمكن أن يقودنا البريكسيت نحو شكل جديد من التعاون الدولي التجاري العابر للحدود، تعاون مبني على إمكانية وجود هيئات قومية ومحلية متوازنة."
استجاب الاسترليني استجابة إيجابية لخطاب كارني في 12 فبراير، على الرغم من تزايد قوة احتمالية مغادرة بريطانيا دون اتفاق.
وقّع كارني هذا الأسبوع اتفاقات مع الهيئات التنظيمية في الولايات المتحدة، لتتمكن بريطانيا من الإبقاء على أسواق المشتقات مفتوحة وقوية. فالولايات المتحدة وبريطانيا أكبر دولتين مضيفتين لمثل تلك الأسواق، والتعهد بالحفاظ عليهم ضروري نظرًا للدور الكبير الذي تلعبه هذه الأسواق في الاستثمارات والرواتب التقاعدية. كما يحاول القائمون على الهيئات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي جاهدين تمرير تشريع يسمح بالدخول، حتى لو كان دخولًا مؤقتًا، لأسواق المشتقات في لندن.
يبدأ الشهر الأخير في العد التنازلي لمغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، ويصاحب هذا زيادة وضوح الصورة المالية العامة، فهل بريطانيا بصدد المغادرة دون اتفاق، أو التأجيل. والأمر الوحيد الواضح أن بريطانيا لن تشهد فرارًا جماعيًا لرؤوس الأموال والشركات، فتصور الفرار هذا بث الرعب في صدور مئات الآلاف من المهاجرين، الذي خشوا فقدان وظائفهم بانتقال مراكز العمل من لندن للقارة الأوروبية.
"لن يهجر أحد لندن،" هذا ما أدلى به جون ليفر، الشريك في EY، لصحيفة وول ستريت جورنال في تقرير حول مغادرة المملكة المتحدة التي لم تحدث أبدًا. "على نطاق واسع، ما زال الجميع يعامل لندن على أنها المركز المالي العالمي."
تعد لندن من العجائب الصغرى. فيقال دائمًا إن عدد العاملين في الخدمات المالية في لندن يزيد عن نظيره في فرانكفورت. وفي واقع الأمر، لا تضاهي أي مدينة أوروبية البنية التحتية المالية الممتدة لعقود في لندن، وهناك جهد حثيث من الاتحاد الأوروبي لضمان إمكانية البقاء على تداولات المشتقات والمقاصة في المملكة المتحدة، مما يصب في صالح بريطانيا.
عمل كارني جاهدًا ليمنع زعزعة استقرار النظام المالي، على الرغم من سيطرة الخوف على نبرته سابقًا. وربما تٌجسد اتفاقية هذا الأسبوع مع الولايات المتحدة نقطة تحول في لعب كارني دور بناء أكبر.
وضع كارني البريكسيت في سياق التوترات الدولية، في خطاب Frobisher، وأشار إلى أن بريطانيا ربما تكون أول الفارين الذين يتمكنون من تجنب آثار العولمة السلبية، واستجابة الدول الخاطئة لها، خاصة مع فقدان الأجهزة القومية والمحلية للمحاسبة الديموقراطية (في ظل وجود اتحاد أوروبي يفرض قواعد وقرارات). انتقد كارني على وجه الخصوص الحواجز التي تقف في وجه خدمات التجارة الحرة، وقال إن تلك الحواجز أكبر مرات ثلاث من قيمة البضائع المتاجر بها. وقال إنه إذا أزيلت الحواجز التجارية (من تعريفات وخلافه) ستتمكن الولايات المتحدة من تخفيض عجزها بمقدار الثُلث، والمملكة المتحدة تتمكن من تخفيضه مقدار النصف. ويبدو أن كارني كان أقل خوفًا من المشكلات التجارية التي ستواجه بريطانيا بمفردها، وفضّل أن يرسم صورة يكون فيها المملكة المتحدة والولايات المتحدة متشابهين في النظام المالي العالمي المفروض عليهما.
وتابع كارني حديثه متكلمًا عن الإصلاحات المالية بعد الأزمة والتي تمت عبر العشرين الكبار (G20)، وأظهرت كيف "أعادت توازن" السلطات المتجاوزة للحدود، وحولتها إلى نظم حكم مُنتهِجة لطرق أكثر قومية، ولكنها تصب في النهاية لتحقيق أهداف عامة.
وإذا لم تردد أصداء شعارات حملة المغادرة في أذنك بعد تلك الكلمات، فأنت بالتأكيد لا تنصت جيدًا. في مبدأ كارني الجديد، يمثل البريكسيت الطريق لإعادة التوازن للقوى المحلية، وإعادة رسم لدور الأحكام المتخطية للحدود (كسلطة الاتحاد الأوروبي). واتفق كارني قائلًا إنه في تلك النواحي: "سيؤثر البريكسيت على مختلف الأوضاع الدولية على المديين الطويل والمتوسط." وبسياق الخطاب، سيكون هذا التأثير إيجابي.