المقال مترجم من اللغة الإنجليزية بتاريخ 2/4/2019
نشرت جريدة الواشنطن بوست يوم السبت مقالة افتتاحية بعنوان: الإنترنت بحاجة لقواعد جديدة، لنبدأ بهذه المناطق الأربع. وكانت هناك مفاجأة واحدة في تلك المقالة، وهي كاتبها، مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة (NASDAQ:فيس بوك).
وعندما يكتب الرئيس التنفيذي لشركة من الشركات الخمس التكنولوجية الكبرى مقالة عن موضوع عليه الكثير من الجدل في القطاع، على المستثمرين عندها الانتباه لما كتبه. وعندما يناشد الرئيس التنفيذي لشركة فيس بوك الحكومة، داعيًّا إياها لوضع مزيد من القواعد التنظيمية والإشراف على المنصات، يجب أن يبذل الجميع جهدًا لفهم دوافعه لكتابة هذا.
هبطت أسهم فيس بوك بنسبة 43.5% من يوليو 2018، وحتى ديسمبر من نفس العام، ولم تكن منفردة في هبوطها، إذ صاحبتها الشركات التكنولوجية الكبرى. وجاء الهبوط على خلفية عدد من الفضائح المتنوعة التي ضربت القطاع على مدار السنوات الماضية. فتعرضت شركة فيس لاتهامات بسماحها للبرامج الآلية الروسية (البوت) باستخدام المنصة لأغراض دعاية سياسية، وأخبار زائفة، بغرض التأثير على نتائج انتخابات عام 2016 الأمريكية.
اندلعت فضيحة كامبريدج أناليتكا في بداية مارس 2018، إذ انكشف سماح فيس بوك للشركة بحصد بيانات ملايين المستخدمين لمنصات فيس بوك، بغرض تصنيف تلك البيانات واستخدامها لأغراض سياسية. تعافت شركة فيس بوك فيما بعد، وتمكنت الأسهم من جني أرباح نسبتها 28.6% منذ بداية 2019، ويبدو أن ما دخلته الشركة من بداية العام هو تعافي، ولكن جاء حادث نيوزيلاندا، إذ عمد الإرهابي مطلق النيران إلى بث فيديو حي للنشاطات الإجرامية التي مارسها، وذلك على منصة فيس بوك.
فيس بوك ومنحنى القواعد التنظيمية
ما حدث من كتابة زوكربيرج لتلك المقالة الافتتاحية ليس من قبيل المصادفة، إذا أتى توقيتها في نفس الوقت الذي يناقش فيه الديموقراطيون وضع تنظيمات على الشركات التكنولوجية الكبرى. وتتنوع أسباب المزامنة بين الحدثين:
أولًا، المقالة الافتتاحية هي إشارة لعقد اتفاقية سلام مع المسؤولين عن القواعد التنظيمية، وغيرهم ممن أثارت ممارسات فيس بوك على مدار السنين حفيظتهم ضد الشركة. ثانيًا، أظهرت فيس بوك قبولها القواعد التنظيمية، ووضعت نفسها متقدمة على غيرها من الشركات، فهي تستعد للقواعد التي ستفرض عليها، وفي نفس الوقت تضمن أن المنافسين هم من سيتعرضون للضرر الأكبر من تلك القواعد. وإليك ما سيحدث:
يطالب زوكربيرج في مقالته الافتتاحية بتحديث القواعد التنظيمية في 4 شؤون، هم: المحتوى الضار، والنزاهة الانتخابية، والخصوصية، ونقل البيانات.
1.المحتوى الضار: في الوقت الراهن، لا يتوفر تعريف دقيق لهذا المصطلح. فما يضر بشخص ربما لا يفعل المِثل لغيره. ويعتقد البعض أنه طالما لم يبث المحتوى خطاب الكراهية، سيكون محتمل وممكن التعامل معه. وبهذا الصدد ليس للحكومة دور كبير، فهو يتحدث عن معايير اجتماعية. ولا تمتلك شركة فيس بوك ولا الهيئات التنظيمية الأدوات اللازمة لوضع سياسة كونية "عادلة." يقول زوكربيرج إنه يرغب أن تعدل الحكومة بنية أنظمة الشركات للتحكم في "المحتوى."
وبالطبع، يصدف أن تمتلك شركة فيس بوك الأدوات التي تخولها للتحكم في المحتوى، بل وتعمل بتلك الأدوات. ففي منتصف 2017، عينت الشركة أكثر من 3,000 مراجع للمحتوى، للتخفيف من حدة خطاب الكراهية، وكلف هذا الشركات ملايين إضافية في بند الرواتب. وبالنظر لما ناشد به زوكربيرج، سنرى أنه يطالب أن تقوم الشركات المنافسة بالأمر نفسه، مما سيكلفهم ملايين الدولارات الإضافية، ويضر بأرباحهم إذا كانوا من اللاعبين الكبار، وإذا كانوا من الصغار عندها سيخسرون عملهم كاملًا.
2.نزاهة الانتخابات: أصبحت منصات التواصل الاجتماعي أكثر أهمية بالنسبة لعمليات جمع الأفراد للمعلومات ومعالجتها، وتزداد تلك الأهمية يوميًا بعد يوم. وبالنسبة لفيس بوك، عملت الشركة على كشف المعلنين لديها، وتتحكم في محتواهم. ويعد هذا مثال آخر على أن فيس بوك ترغب في فرض قواعد مماثلة لقواعدها على الشركات المنافسة، مما سيكلف هؤلاء المنافسين نفقات إضافية، وبالتالي يضر بهم.
3.القواعد التنظيمية للخصوصية: بداية اقتراح فيس بوك لتلك الفكرة مثير للضحك، بالنظر إلى كيفية تعاملها مع بيانات المستخدمين في السابق. يدعو زوكربيرج الآن إلى قواعد النظام الأوروبي العام لحماية البيانات (GDPR) والذي يسمح للمستخدمين معرفة كيف تستخدم بياناتهم. يقول زوكربيرج: "سيكون من الأفضل للإنترنت لو تبنت مزيد من الدول النظام الأوروبي العام لحماية البيانات،" ولكن هذا في جوهره سيكون مفيدًا لفيس بوك، لأن الالتزام بهذا النظام مكلف، وساعد في تدعيم مركز (NASDAQ:جوجل) وفيس بوك في مركز القيادة لسوق الإعلانات الأوروبي. ولكن الالتزام بالنظام قلل من إمكانية وصول الإعلانات على فيس بوك بنسبة 7%، وخسرت الشركات الـ 50 للإعلانات التكنولوجية إمكانية الوصول للجمهور بنسبة 20% بعد تطبيق تلك القواعد الخاصة بالنظام الأوروبي العام لحماية البيانات.
4.نقل البيانات: يمنح هذا المستخدم القدرة على نقل البيانات من خدمة إلى أخرى. لو حدث هذا سيكون إلزامًا على مزودي الخدمات مشاركة البيانات مع بعضهم البعض، لو طلب المستخدم هذا. في هذه الحالة، يحاول زوكربيرج أن يجبر الآخرين على اتباع نفس القواعد، بدلًا من أن يجبر شركته على اتباع معايير جديدة. وفي هذه الحالة، ستكون إمكانية فيس بوك للوصول والهيمنة على بيانات المستخدم لصالح الجوانب الإعلانية أكبر من أي شركة أخرى، باعتبارها الأكبر، ولديها القدرة الأعلى على تحويل البيانات لنقد.
ولنكن أكثر عدلًا في الحكم، كل ما جاء في المقالة الافتتاحية لديه القدرة على تحسين تجربة المستخدم لمنصات التواصل الاجتماعي، وتحسين تأثير المنصات على المجتمع، ولكنها لا تتعرض بأي ضرر لنموذج عمل فيس بوك، إذ تمنحها تلك الاقتراحات القدرة على سحق المنافسين، وتعزز هيمنتها على السوق، وتحصن نفسها من المنافسة. وكشف زوكربيرج عن أجندته في أبريل أمام الكونجرس عندما قال: "في كثير من الأحيان عند وضع الهيئات لقواعد تنظيمية يكون من السهل على الشركات الكبرى، ذات الموارد المماثلة لمواردنا، الالتزام بالقواعد، ولكن يصعب الأمر على المشروعات الناشئة الصغيرة."